خبر غزة تقاتل بلحمها.. ولا تستسلم.. حلمي موسى

الساعة 09:14 ص|31 يوليو 2014

وفي الأسبوع الرابع للحرب، وبعد أسبوعين من المعركة البرية، تقف إسرائيل عند بوابات غزة حائرة: هل تتقدم أم تتراجع؟ وأيهما أجدى؟
ولتغطية حيرتها لا تجد سبيلاً سوى تكثيف الغارات والانتقال من جريمة إلى أخرى، من استهداف البيوت والمستشفيات إلى استهداف المدارس والأسواق والمستشفيات، مروراً بتدمير البنى التحتية، وكأنها ترسل رسالة مدوّية إلى الجمهور الفلسطيني في غزة مفادها: إذا كانت شلالات الدماء لا تردعكم، وتقييد منافذ الحياة لا تخيفكم، فليس ثمة سبيل سوى دفنكم تحت الأنقاض!
أما غزة، فلا تزال تصر على المقاومة، وتنهض من تحت الأنقاض، فتقاتل بتفجير ذاتها في عدوها، وفي سعيها لاقتحامه من تحت دباباته، لتصل إلى داخل مواقعه الآمنة خلف الخط الأخضر.
أعداد الشهداء في ارتفاع كبير، وقد زادت عن 1400 شهيد، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 7600 جريح، بالإضافة إلى الدمار والحرائق في كل مكان. كما انقطعت الكهرباء بشكل كامل عن القطاع.
وارتكبت قوات الاحتلال أمس، المزيد من المجازر، التي سقط بنتيجتها 17 شهيداً، وأكثر من 150 جريحاً، في مدرسة تابعة إلى «الأونروا» في مخيم جباليا، و17 شهيداً، بينهم الصحافي رامي ريان، وأكثر من 200 جريح في سوق في الشجاعية.
لكن غزة تجبي ثمن دمائها أولاً من أرواح جنود العدو، الذي اعترف حتى الآن بمقتل 56 جندياً، جزء كبير منهم من جنود النخبة في المظليين و«جولاني» و«ماجلان»، وإصابة المئات.
ورغم أن هذا ليس موضع تقدير الخسائر الاقتصادية، فإنه من المهم ملاحظة أن التقديرات تتحدث عن مطالبة الجيش الإسرائيلي بعشرة مليارات شيكل (ثلاثة مليارات دولار) لتغطية تكاليف إعادة ملء مخازن الذخيرة وتعويض السلاح. وفضلاً عن ذلك، ثمة تقديرات تقول بأن تكلفة الحرب اليومية عسكرياً لا تقل عن 150 مليون دولار، وأن التكلفة الاقتصادية كخسائر وتعويضات تصل إلى 350 مليون دولار يومياً، ما يرفع التكلفة الإجمالية إلى حوالي نصف مليار دولار يوميا.
وعلى رغم اللجوء إلى أسلوب التدمير الشامل لأحياء وبلدات ومناطق، فإن المقاومة لم تتراجع، وظلت تطلق الصواريخ نحو تل أبيب وبئر السبع، وحتى نحو القدس وحيفا. وإذا كان التدمير الإسرائيلي المنهجي لقطاع غزة لم يكسر شوكة المقاومة، فإن الرد الفلسطيني أحدث، وبشكل متعاظم، شرخاً، ليس فقط بين المستويين السياسي والعسكري، وإنما أيضا في ثقة الإسرائيليين بأنفسهم.
الجيش الإسرائيلي الذي يصرخ صبح مساء، بأن على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر ما ينبغي عمله - التقدم أم التراجع - يتعرض لاتهامات متزايدة من المستوى السياسي بأنه لم «يوفر البضاعة»، فالجيش عاجز عن حسم المعركة حتى في حدودها الدنيا، والمتصلة باكتشاف وتدمير الأنفاق، في شريط لا يزيد عن بضع مئات من الأمتار على طول حدود قطاع غزة. وتكشف المعطيات أنه رغم تواجد 50 طائرة رصد إسرائيلية، على الأقل، وفق قائد اسبق لسلاح الجو الإسرائيلي، في كل لحظة على مدار الساعة، فإن الجيش الإسرائيلي عاجز عن رصد حركة المقاومة. كما أنه، وبرغم الميل للتدمير المنهجي الشامل، بقصد تدمير بيوت فوق الأنفاق، وتفجير أنفاق بقصد قتل من فيها، فإن المقاومة، خصوصا «كتائب القسام»، تواصل مفاجأة العدو في عقر داره.
ولا يمكن تقدير مدى الحرج الذي أصاب إسرائيل إثر نشر شريط فيديو بتقنية عالية يوضح عملية اقتحام مقاتلي «القسام» موقعاً عسكرياً قرب كيبوتس ناحال عوز داخل الأراضي المغتصبة. ويطل هذا الموقع على حي الشجاعية الذي تدعي إسرائيل احتلاله وتدمير أنفاقه وبيوته وتهجير سكانه. ووفّر الشريط أفضل صورة نصر للمقاومة، لأنه أظهر بعد ثلاثة أسابيع من الحرب جرأة المقاومين وسيطرتهم الميدانية وقدرتهم على المبادرة. وقد اضطر قادة عسكريون إسرائيليون للإقرار بأن كل ما يفعله الجيش الإسرائيلي في الوضع الراهن هو تعريض نفسه للتآكل، خصوصاً في ظل عجزه عن خلق الردع المطلوب.
وفي ظل هذا الواقع، تجد إسرائيل نفسها في وضع لا تحسد عليه. فمن ناحية، بدأ الجمهور الإسرائيلي في طرح أسئلة حول الأسباب التي قادت إلى بلوغ هذا المأزق الذي يشجّع قوى أخرى على التجرؤ على الدولة العبرية. ونظراً إلى الخلافات المتزايدة بين المستويين السياسي والعسكري، وبين المستويين الشعبي والرسمي، فإن هناك من ينظر بخطورة أيضا إلى تعاظم الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومعروف أن الخلافات بين واشنطن وتل أبيب تدور حالياً في ظل تبادل اتهامات وحملات شخصية، خصوصاً بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وأمام هذه الحالة تتزايد المطالبات من أوساط مختلفة بوجوب تشكيل لجنة تحقيق رسمية للبحث في أسباب وصول إسرائيل إلى هذا المفترق.
وتضغط الولايات المتحدة والأمم المتحدة طوال الوقت على إسرائيل لإنهاء العملية، وإعلان وقف لإطلاق النار على أساس تفاهمات العام 2012. لكن إسرائيل التي تشعر اليوم أنها مهانة من جانب قطاع غزة «البائس» والصغير والمحاصر، ولا تريد لأحد أن يعيد الكرّة بهذا الأسلوب معها، تجد نفسها مضطرة لمواصلة القتال. ويوم أمس، اجتمع المجلس الوزاري المصغّر، وقرّر ما سبق وقرّره مراراً، وهو توسيع العملية، ولكن بأسلوب «من نفس الشيء وبشدّة أكبر». (تفاصيل ص10)
وتجد حكومة نتنياهو نفسها في وضع بالغ الصعوبة أمام جمهورها وفي الحلبة السياسية، فتطوير المعركة، وصولا إلى تحقيق هدف إعادة احتلال قطاع غزة أمر مكلف من كل النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية. والتوقف كما ينادي البعض، وبعضهم وزراء حاليون وسابقون والرئيس المنتهية ولايته شمعون بيريز، على أساس أن العملية استنفدت أغراضها، يعتبر في نظر آخرين هزيمة يصعب تحمّلها. ولذلك تتخبط إسرائيل بين البحث عن تسوية، تحقق لها سياسياً ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً، أو السعي للإيغال في الدم الفلسطيني لترسيخ الردع بقوة النيران عبر كي الوعي.
وقد وصل أمس، إلى القاهرة الوفد الإسرائيلي المسؤول عن ملف المفاوضات بشأن وقف النار برئاسة رئيس «الشاباك» يورام كوهين وعضوية كل من الجنرال عاموس جلعاد والمحامي اسحق مولخو. وتأمل إسرائيل، وفق المراسل السياسي للقناة الثانية أودي سيغل، أن يكون الضغط العسكري الذي تمارسه في القطاع، إلى جانب الضغط السياسي الذي تمارسه الحكومة المصرية، كفيلا بترتيب وقف نار يضمن تحجيم قوة «حماس» لاحقاً. ومعروف أن إسرائيل ترفض مناقشة أي مشروع لوقف النار، عدا المبادرة المصرية. لكن أوساطا إسرائيلية تبدي استعداها لقبول تعديلات ما في المبادرة، تسهل على «حماس» قبولها، خصوصا بعد أن فنّدت الأحداث التقدير الإسرائيلي بلهاث الحركة والمقاومة على أي وقف لإطلاق النار.
ومعروف أن قيادة منظمة التحرير كانت أعلنت عن محاولة تشكيل وفد فلسطيني، يضم ممثلين عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، للتفاوض جماعياً من أجل التوصل إلى صيغة لوقف النار. ورغم أحاديث هنا وهناك، فإن موقف المقاومة، الذي أعلنه قائد «كتائب القسام» محمد ضيف، تلخص في جملة مفيدة واحدة: لا وقف نار من دون وقف العدوان وإزالة الحصار. ومع ذلك فإن المقاومة تبدي استعدادا لقبول هدنة إنسانية ترتبها الأمم المتحدة بين حين وآخر، ولا تقبل الهدنة التي تعلنها إسرائيل من طرف واحد.
وتتعثر المبادرة المصرية أساسا بسبب رفض «حماس» محاولات إذلالها، وفرض الشروط عليها. وقد أعلن المتحدث باسم «حماس» سامي أبو زهري أن «المصريين يربطون الدعوة إلى القاهرة بوجود تهدئة على الأرض. لكننا سنستجيب لدعوة الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة فقط من أجل التباحث حول وقف النار».
وقال معلق إسرائيلي أن أحد العقبات أمام التوصل إلى وقف نار يتمثل في رفض «حماس» وقف النار طالما القوات الإسرائيلية على أرض غزة، فيما تطالب إسرائيل بوقف النار أثناء تواجدها على أرض غزة لتفجير الأنفاق والبحث عنها.ن تنطلق من واقع أن البديل للحركة هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وأن هذا خطر على إسرائيل أولاً وبعدها خطر على العالم وأميركا أيضاً.

وكانت الحملة الإسرائيلية على وزير الخارجية الأميركي جون كيري جارفة، حيث تمّ إظهاره وكأنه يخدم حركة «حماس» ويقدم الجوائز لها ويتبنى مطالب «رعاتها» القطريين والأتراك. وبدا أن إسرائيل تهدد أميركا بعواقب استراتيجية، وتعمل على تصفية حساب معها يعود على الأقل لتخليها عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في إطار دعمها للإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة «الإخوان المسلمين».
وأثارت الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة مخاوف جدية في أوساط إسرائيلية من تردي العلاقات بين الدولتين في لحظة حاسمة. وكتب المراسل السياسي لموقع «والا الإخباري» أمير تيفون أن «ثمة في القدس من اختلط الأمر عليه، وقرر فتح جبهة ثانية، ليس ضد حزب الله في الشمال، وإنما ضد الإدارة الأميركية. فسلسلة تسريبات وإهانات وأقوال عديمة المسؤولية تهدد منظومة العلاقات الأهم لإسرائيل ـ تحديداً في أشد الأوقات حاجة لها».
وبعد أن يعدّد تيفون أخطاء الأميركيين في تفضيلهم المسار التركي - القطري على المبادرة المصرية، يشير إلى أن خطأ الإسرائيليين في الصدام مع الإدارة الأميركية ضار جداً. واعتبر أن الخطأ الأول كان قرار نتنياهو إخضاع اقتراح كيري لوقف النار للتصويت في المجلس الوزاري المصغر، ورفضه بدلاً من المطالبة بتعديله. فالرفض بالإجماع وصل وسائل الإعلام، وأكده على شبكة «سي إن إن» الأميركية وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس. وبعدها كان الخطأ في الحملة التي شنها مسؤولون إسرائيليون على كيري، والتي اعتبرها مسؤولون أميركيون «غير دقيقة ومهينة». ولم يغير من الأمر شيئاً قيام السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر بالدفاع عن الرئيس الأميركي باراك أوباما وكيري في محاولة لمنع المزيد من التدهور.
وفي هذه الأثناء، وفي موضع دفاع كيري عن نفسه، قال «لقد طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية منا مساعدة في التوصل إلى وقف نار في القتال في قطاع غزة». وردّ ديوان نتنياهو بالقول إن «الطلب أثير أولاً من جانب كيري» وأن نتنياهو ردّ قائلاً بالتزام إسرائيل أولاً وقبل أي شيء بإتمام مهمة معالجة الأنفاق. وحينها انطلقت جوقة «مصادر في رئاسة الحكومة الإسرائيلية» لتنفي بشدة وتتهم كيري بأنه أخطأ وضلل حين قال إن نتنياهو طلب منه المساعدة في التوصل لوقف نار. فالاعتبارات الحزبية وخوف «الليكود» من خسائر انتخابية في مواجهة «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» دفعت نتنياهو و«الليكود» لمحاولة إظهار كيري على أنه كذاب. وبعد ذلك جاء تسريب فحوى حديث أوباما مع نتنياهو إلى القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، والذي نفاه الطرفان. وبديهي أن تسريب فحوى المكالمة يُراد به إلحاق الضرر بأوباما، وهو ما يصعب على الإدارة الأميركية استيعابه.
وكتب حامي شاليف في «هآرتس» أنه «بتأخير 24 ساعة، سارت العلاقات بين إسرائيل وأميركا على طريق المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس». وأشار إلى أنه «بالوسع الشعور بالتصعيد الذي يقترب عندما تسمع كيري يقول: تلقيت هجمات في السياسة. أنا لست قلقاً من ذلك».
لكن كيري لم يكتف بردود مسؤولين أميركيين على إسرائيل، واتهاماتها له، بل لجأ إلى انتهاج الأسلوب ذاته وبشكل مباشر: الضرب في نقاط ضعف خصمه. وتوجّه مباشرة «لرأس الهرم»، إلى نتنياهو، موجهاً الضربة إلى «صدقيته». وأكد أنه تحرك في مساعي وقف النار بناء على طلب من نتنياهو، وقال «إما أن أتحمّل هذا الالتزام كما عرض، أو أن شخصاً يلعب هنا لعبة أخرى، وآمل ألا يكون هذا هو الحال».
ومثلما تم تسريب ما عرف بـ«وثيقة كيري» إلى صحيفة «هآرتس» التي قالت إن الوثيقة انتصار لـ«حماس» وجائزة لها، نشرت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي فحوى حديث أوباما مع نتنياهو. وبدا أن حديث أوباما مع نتنياهو ليس حديث حليفين، وإنما مجرد محاولة من طرف لإملاء مواقف على الطرف الثاني. وهكذا وفق «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يقول أوباما لنتنياهو: «اطلب أن توافق إسرائيل على وقف نار فوري من طرف واحد وتوقف كل الأعمال الهجومية ـ ولا سيما الغارات الجوية». يردّ نتنياهو: «ماذا ستحصل إسرائيل مقابل وقف النار؟». يقول أوباما: «أؤمن أن حماس ستوقف نار الصواريخ ـ الهدوء مقابل الهدوء».
نتنياهو يحاول الاعتراض فيقول: «حماس خرقت كل الحالات الخمس لوقف النار السابقة. فهي منظمة إرهابية ملتزمة بإبادة إسرائيل». لكن أوباما يبقى مصراً: «أعود وأكرر وأتوقع من إسرائيل أن توقف كل أعمالها العسكرية من طرف واحد. صور الدمار من غزة تبعد العالم عن موقف إسرائيل». يصعد الكلام نتنياهو: «اقتراح كيري كان غير واقعي تماماً ومنح حماس مكاسب عسكرية وديبلوماسية».
تجاهل أوباما انتقادات نتنياهو وقال: «خلال أسبوع من انتهاء الأعمال العسكرية الإسرائيلية ستبدأ قطر وتركيا مفاوضات مع حماس على أساس تفاهمات العام 2012، وفيها التزام إسرائيلي برفع الحصار والقيود عن غزة». يرد نتنياهو: «قطر وتركيا هما الداعمتان الأكبر لحماس، لا يمكن الثقة بأن تكونا وسيطتين نزيهتين». لكن أوباما يواصل «أنا أثق بقطر وتركيا. إسرائيل ليست في وضع يمكنها أن تختار الوسطاء». ويردّ نتنياهو: «أنا أحذر من أنه سيكون بوسع حماس مواصلة إطلاق الصواريخ واستخدام الأنفاق للهجمات الإرهابية». يحسم أوباما: «الكرة في ملعب إسرائيل، وهي ملزمة بوقف أعمالها العسكرية».
الأمر قد لا يكون فعلياً بهذه الحدة، لكن موقف أوباما يتضمن كلامه العلني الذي كرره، وهو وقف نار فوري على أساس تفاهمات العام 2012 التي رعتها الإدارة الأميركية بالشراكة مع النظام المصري في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.
وكان السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو أعلن أن فحوى شريط المكالمة بين أوباما ونتنياهو، الذي أذيع في القناة الأولى، «مختلق وبعيد عن الواقع». لكن مراسل القناة الأولى، ولإبعاد شبهة التسريب عن إسرائيل، قال إن القناة حصلت على فحوى الشريط من مصدر أميركي.
واعتبر المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أودي سيغال أنه «بعد مرور ثلاثة أسابيع، يبدو أن الضغط الأميركي يقود إلى إنهاء العملية: فالرئيس الأميركي باراك أوباما، مارس ضغطاً شديداً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في المحادثة الهاتفية بينهما، ووضع له حدوداً أميركية واضحة. حدود يبدو أنها ستقود إلى نهاية عملية الجيش الإسرائيلي في غزة في الأيام القريبة». وفي نظره فإن المجلس الوزاري المصغر محتار بين توسيع جوهري للعملية وبين إنهائها هذا الأسبوع بعد إكمال معالجة أمر الأنفاق.
وفي كل حال من الواضح أن الإدارة الأميركية تضغط بكل قوتها من أجل وقف النار، ولو على قاعدة إنسانية. ويعتقد بعض الخبراء في إسرائيل أن الدافع الأساس، وإن لم يكن الوحيد، هو الخشية على انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله. ولم تخف مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في كلامها أمام مؤتمر تضامني مع إسرائيل، نظمته قيادة المنظمات اليهودية في أميركا، غضب إدارتها على مسؤولين في إسرائيل.
وقالت رايس «ذهلنا من تقارير عدة في إسرائيل، تشوّه جهود كيري من أجل التوصل إلى وقف نار. ونحن نعلم أن التقارير المشوهة أثارت قلقاً هنا في أميركا. والواقع أن جون كيري، باسم الولايات المتحدة، عمل على طول الطريق بالتعاون مع إسرائيل. ونحن نؤيد علناً، وفي حوارات خاصة حق إسرائيل في العمل ضد الصواريخ والأنفاق، لكننا سنواصل الحديث بشكل مباشر حين يحاول أحد تشويه الوقائع».
وأضافت رايس: «على الصواريخ أن تتوقف، وينبغي لنا أن نعمل على وقف ضرب المدنيين. إننا نخشى أن استمرار القتال سيزعزع الاستقرار في الضفة الغربية. وينبغي لنا حماية أمن إسرائيل ومساعدتها في التوصل إلى تسوية بحيث لا تتعرض لهجمات بعد عام أو عامين. كل حل في غزة يجب أن ينتهي بتجريد المنظمات الإرهابية من سلاحها. سنعمل بالتعاون الوثيق مع إسرائيل، فإسرائيل ليست وحدها، لا في الحرب ولا في السلم».
وبديهي أن كلام رايس أمام زعماء المنظمات اليهودية كان ملطفاً مقارنة بالاتهامات التي وجهتها جهات أميركية لمسؤولين إسرائيليين بأنهم يشوّهون مواقف وسلوكيات كيري. فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بيساكي أن «الشركاء والحلفاء لا يتعاملون بهذا الشكل مع بعضهم»، وشددت على أن الوثيقة، التي عرضتها صحيفة «هآرتس»، لم تكن مسودة ملزمة. وشددت على أن الهدف الأول لكيري كان وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل وأن على الجميع عدم الانشغال «بتشويه الوقائع عبر مصادر مجهولة».
وزاد الطين بلة أمس الأول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي قالت في مقابلة مع قناة «فيوجين»، إن «جانباً من أسباب وضع حماس لصواريخها في مناطق مأهولة، واقع أن القطاع مكان صغير ومكتظ جداً». وأضافت «صحيح أن إسرائيل أرسلت تحذيرات، وحاولت دفع المدنيين لترك هذه الأماكن، لكن في كل نوع من الصراع يقع ضحايا مدنيون، ونحن بحاجة إلى وقف نار بأسرع ما يكون». ومع ذلك قالت إن «حماس» هي من استفزت إسرائيل، وأن للدولة العبرية الحق في الدفاع عن نفسها. لكن استدراك كلينتون، والتي تعتبر المرشحة الأبرز للحزب الديموقراطي لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، لن يعفيها من التعرض لحملة إسرائيلية ويهودية واضحة.