خبر احتكاكات أولى بين المستوى السياسي والجيش - هآرتس

الساعة 08:51 ص|30 يوليو 2014

ترجمة

احتكاكات أولى بين المستوى السياسي والجيش - هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: ما زال الجمهور الاسرائيلي لا يرى العملية في غزة نصرا كبيرا وقد لا يكون لذلك آثار سياسية فقط بل تأثير في الصراعات والتعيينات في قيادة الجيش الاسرائيلي - المصدر).

أمس، في اليوم الـ 22 للحرب في قطاع غزة، زاد سلاح الجو في الهجوم على الاهداف في القطاع وضرب اهدافا لحماس في اماكن أقرب من السكان المدنيين المكتظين في قلب مدينة غزة مع اماكن اخرى. ولزيادة الهجمات صلة بالخسائر غير العادية التي مني بها الجيش الاسرائيلي في القتال أول أمس حيث قتل عشرة جنود في ثلاث حوادث منفصلة.

مع الزيادة في قوة الهجمات الجوية قد توجد ايضا عمليات برية للجيش الاسرائيلي، لكنه لم يطرأ الى الآن تغيير حاد على سياسة استعمال القوة الاسرائيلية في القتال برغم الخسائر. ويبدو أن اللغة المنضبطة التي استعملتها القيادة الاسرائيلية – رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الاركان – في المؤتمر الصحفي مساء أول أمس لم تكن عرضية. فالقادة يعتقدون أنه توجد في الحرب ايام تجتمع فيها أخطاء تكتيكية تتلوها خسائر وأنه يجب على الدولة أن تعرف كيف تتحملها وأن تتمسك باستراتيجيتها العامة، اذا كانت تؤمن بأنها ما زالت صحيحة. ويبدو مع الحذر المطلوب أن اسرائيل ما زالت تتجه الى انهاء العملية في غضون بضعة ايام اذا لم تعد حماس لتشوش على خططها. وما زال القصد الى الآن الى إتمام العثور على الانفاق وتدميرها بقدر المستطاع واجلاء القوات عن القطاع، مع ادراك أن الثبات في الشريط الضيق الذي يتمسك به الجيش الاسرائيلي الآن على الحدود بصبح خطيرا كلما مر الوقت. وتوجد في كفة الميزان من جهة خشية تعقد آخر للامور والنقد الدولي، وفي الكفة الاخرى الخوف من أن نُرى خسرنا المعركة ومن دفع ثمن عام وسياسي باهظ.

تكرر الاستخبارات وعلى إثرها القيادة السياسية والمستوى العسكري الاعلى في الايام الاخيرة مرة بعد اخرى تشخيصين: الاول أن الضرر الذي أصاب به الجيش الاسرائيلي حماس في العملية ضخم، فقد خسرت المنظمة أملاكا عسكرية وستصاب بعد ذلك بضرر سياسي لأن السكان الغزيين سيحاكمونها على نتائج معركة فاشلة ثالثة مع اسرائيل في غضون خمس سنوات ونصف. والثاني – أن حماس تتمنى الهدنة بسبب ما أصابها. ويُجمع القادة والجنرالات ورجال الاستخبارات على أن الجمهور لا يدرك الى الآن عظم الضربة التي اصابت حماس، وستتضح أبعادها وآثارها حينما ينقشع الغبار فقط.

تملك الاستخبارات والقادة الكبار بالطبع معلومات لا نطلع عليها. لكن ما نملكه هو تفضيل حماس الظاهر. فمرة بعد اخرى في المواجهة يقترح وسيط خارجي هدنة لكن المنظمة هي التي ترفضها أو تنكثها وحينها تضاف مطالب جديدة. ويبدو أنه لا توجد هنا مشكلة انضباط لأن من المعلوم أن أكثر اجهزة القيادة والسيطرة للذراع العسكرية ما زالت تؤدي عملها. وينشأ انطباع أن حماس ما زالت تصر على شروط تراها حرجة ولا سيما بسبب الثمن الذي دفعته عن أنها هي التي بادرت الى الحرب. ويصعب عليها أن تهادن الى الآن دون تخفيف الحصار على غزة. وربما تؤمن حماس ايضا بأنها تستطيع الاستعانة بمال قطري كي تزيل اضرار الحرب في القطاع.

برغم إنكار حماس يبدو أنه حدث أمس تقدم ما لمواقف الطرفين وأن التفاوض غير المباشر سيستمر. من المهم للجيش الاسرائيلي الاستمرار على علاج الانفاق حتى الخروج من الميدان، وهذه مهمة تراوح التقديرات المتعلقة بانهائها بين بضعة ايام واسبوع (ولن يكون واضحا آنذاك ايضا تماما هل أصيبت الانفاق جميعا). فما زال أمام اسرائيل الى الآن ثلاثة امكانات للخروج من القتال. الامكان الاول اعلان هدنة بلا تسوية كما حدث في واقع الامر بعد عملية الرصاص المصبوب في 2009. ويعتمد هذا التوجه على فرض قادته الوزيرة تسيبي لفني آنذاك هو أنه يكفي ردع قوي لضمان الهدوء. والامكان الثاني هو الخروج باتفاق وإن يكن عاما وغامضا وغير موقع عليه. وهكذا سلكت اسرائيل بوساطة مصرية بعد عملية عمود السحاب في 2012. والامكان الثالث هو الاستمرار على ضرب حماس بكامل القوة مع الأمل في أن يحرز بعد ذلك ردع أقوى أو حتى حسم. وقد يكون هذا ممكنا في الاساس بعملية برية كبيرة تخشاها الحكومة، ولم يهييء الجيش الى الآن القوات المطلوبة في ظاهر الامر لتنفيذها.

إن استطالة العملية وتراكم الخسائر يأتي معهما، وليس ذلك مفاجئا، دلائل على احتكاكات أولى بين المستويين السياسي والعسكري. لم يحب نتنياهو ويعلون توجيهين عسكريين في اليومين الاخيرين، في الاول بين ضابط رفيع المستوى أن رئيس الوزراء حصل على تقرير كامل عن الانفاق في حزيران 2013. وعلى إثر الثاني اقتبس من كلام ضابط أرفع رتبة يقول إنه يجب على الحكومة أن تقرر هل توسع العملية البرية أم تنهيها. ويبدو أن التصريح الثاني زيد تطرفا في تقارير وسائل الاعلام عن اللقاء ولم يعبر عن تحد حقيقي لتقديرات المستوى السياسي. ويعبر التصريح الاول عن نقطة احتكاك أكثر اقلاقا. إن مسألة الانفاق ستكون في مركز المناوءة السياسية والاستخبارية بعد أن ينتهي القتال. وقد لا تكون لحقيقة أن الجمهور لا يرى العملية الى الآن نصرا لامعا بعد زوال اجماع ايام القتال، قد لا تكون لها آثار سياسية فقط بل قد يكون لها ايضا تأثير في الصراعات والتعيينات في قيادة الجيش العليا.

وقد أخذت تنشأ بين يدي ذلك مشاجرة كبيرة حول الميزانية. فالجيش الاسرائيلي صار يُقدر كلفة العملية بنحو من 5 مليارات شيكل. وهذا مال سيطلبه الجيش – واصبحت هيئة القيادة العامة تستغل تفجير ناقلة الجنود المدرعة القديمة التي قتل فيها سبعة جنود من جولاني في معركة الشجاعية لطلب تطوير منظومة ناقلات جنودها المدرعة.

في المستوى التكتيكي، تثير الحوادث الكثيرة المصابين أول أمس مرة اخرى تساؤلات تتعلق بتقدير الامور الذي استعمل في بعض الحالات. فالجنود الخمسة الذين قتلوا بهجوم من نفق في داخل اسرائيل قرب ناحل عوز (وهو نجاح ثالث لحماس في المعركة) أصيبوا قرب برج فيلبوكس اسمنتي ملاصق للسياج الحدودي. وهناك ضباط فاجأهم قرار إبقاء البرج فيه جنود وقت القتال. ويبدو أنهم لم يحرصوا في الجيش على سلوك عملياتي صحيح للقوة التي هوجمت. نشرت حماس أمس فيلما قصيرا يثير القشعريرة وثق الهجوم على الفيلبوكس. وكان حديث محمد ضيف من مخبئه مع بث الشريط محاولة من المنظمة لتثبيت صورة نصر لها.

أما اطلاق قذائف الهاون التي قتل بها اربعة من سلاح المدرعات فكان يمكنه بالقدر نفسه أن يصيب مئات المدنيين من غير سكان المنطقة الذين يملأون المنطقة قرب الحدود ويلتفون بلا صعوبة على حواجز الشرطة العسكرية. حينما تمد عائلات موائد النزهات قرب نصب "حيتس شحور" (سهم اسود) قرب كفار عزة على بعد مئات الامتار عن الحدود التي يجري فيها القتال، يبدو أن شيئا ما مختل في الرقابة العسكرية على ما يجري. ويرتبط هذا ارتباطا مباشرا بحادثة ناقلة الجنود المدرعة واصابة غرفتي عمليات القيادة اللتين ركبتا سيارات جيب غير مدرعة قرب الحدود، في واقعتين جبتا حياة ستة ضباط ومقاتلين.

يجب التفريق هنا بين عدالة نضال اسرائيل لتهديد القذائف الصاروخية وانفاق حماس وشجاعة الجنود والقادة في الحرب، وبين الاخطاء والفروق الكثيرة التي يكشف عنها في استعداد الجيش البري. فالحرب في غزة تكشف مرة اخرى عن مبلغ احتياج الجيش الى تنظيم شامل مجدد بعد أن تنتهي الحرب برغم الانجازات الكثيرة التي يتمدح بها قادته. وتثور هنا سلسلة مشكلات في مجالات مثل اعداد القوات والمعدات التي تستعملها والنظرية القتالية وخطط العمليات. وتوجب كلها تحقيقا شاملا بعد أن تنتهي المعارك.

وُزع العدد الجديد من المجلة العسكرية "معارك" على المشاركين هذا الاسبوع. وبرغم أنها طبعت قبل أن يبدأ التصعيد في المناطق تبدو مقالتان منها ذواتي صلة بالمواجهة الحالية ايضا. يحلل العميد أمير أبو العافية قائد فرقة احتياط العملية البرية في الجيش الاسرائيلي. "يبدو أن القوات البرية في الجيش الاسرائيلي ما زالت تسلك وكأننا نستعد لحرب هي حرب يوم الغفران. وحتى لو كانت القوات البرية تلاحظ التغييرات في محيط القتال بصورة صحيحة فانه ما زالت عناصر قديمة راسخة في تصورنا القتالي في البر قد يستغلها العدو لحاجاته"، كتب. "يعمل حزب الله وحماس ايضا باستراتيجية تعتمد على الدفاع في اطار حرب عصابات. وكلاهما يستعمل مجموعات صغيرة وسريعة ومرنة هدفها إحداث سلسلة عمليات تشويش  ومضايقة في نطاق واسع".

ويسأل مقدمان يشتغلان بالاستشارة التنظيمية هما تمار بيرش ويوتام اميتاي، يسألان في مقالة اخرى: "هل اختفى التمسك بالمهمة؟". ويحلل الاثنان أداء الجيش الاسرائيلي في هذا المجال في الانتفاضتين وفي حرب لبنان الثانية وبعدها، وفي السنوات التي انتقلت فيها اسرائيل الى ادارة مواجهات عسكرية محدودة. ويوجزان فيقولان إن "خصائص الواقع الحالي تجعل من الصعب على القادة والمقاتلين التمسك بمهامهم كما يتوقع منهم بحسب قيم الجيش الاسرائيلي". وهذه ايضا مادة للتفكير بعد أن تنتهي الحرب التي سيحاول الجيش الاسرائيلي أن ينهيها مع أفضل نتائج ممكنة.