خبر التهدئة بين المكاسرة السياسية وانجازات الميدان

الساعة 08:55 ص|27 يوليو 2014

أطلس للدراسات

معركة سياسية ضارية تدور بموازاة المعركة على الأرض، صراع اقليمي دولي بلا قفازات، ولا يهتم كثير بدبلوماسية الخطابات؛ فمنهم من يبني على انجازات المقاومة على الأرض كرافعة لحصاد سياسي مزدوج في المقدمة منه رفع الحصار وخدمة مشروعهم السياسي على المستوى الإقليمي، وبالمقابل معسكر تتقدمه إسرائيل وله أقدام أوروبية وإقليمية يجمع على هدف أساسي يسعى جاهداً لتحقيقه، هدف تشليح المقاومة من أي انجاز سياسي، أي الالتفاف على مطالبها وسرقة انجازاتها وعدم تمكينها من أي حصاد سياسي ذي معنى، لقتل فكرة ونهج المقاومة وتصويرها على أنها جالبة الكوارث على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني، وذلك تحت غطاء من المبادرات والمناورات السياسية، تتميز بالخبث واللؤم، لكنهم يختلفون في الخطوات اللاحقة.

لكن ما يثير الاستغراب ما نلمسه من تقدم في موقف كيري، الذي يسعي عبر قناة قطر تركيا والأمم المتحدة الى بناء مبادرة تجمع ما بين المصرية والقطرية التركية، عودة لتهدئة 2012 وضمانات دولية برفع الحصار وتمويل اعادة اعمار غزة، فهل ينطلق بدوافع تضامنية حقيقة مع معاناة شكان القطاع وان الحصار هو السبب الرئيسي للمواجهات والاحتقان؟ ام عقاباً منه لنتنياهو الذي يعتقد كيري انه أفشل كافة جهوده السياسية فيما يتعلق بمفاوضات التسوية؟ ام يأتي في إطار تعزيز المعسكر القطري التركي الذي يتمتع بوزن وأهمية كبيرة فيما يتعلق بصراعات الاقليم العربي؟ ام انه تعبير عن نضج توجه أمريكي يرى في حركة حماس تياراً سياسياً هاماً وليس مجرد تنظيم إرهابي، وانه يجب فتح قناة حوار مع الحركة عبر وسيط قطري أو تركي اليوم تمهيداً للانتقال للحوار المباشر مستقبلاً بهدف احتوائها وتعزيز التيار والخطاب البرغماتي فيها؟

يبدو لنا ان مجموعة من تلك الأسباب والدوافع تحرك مساعي كيري، وهو ما يثير غضباً اسرائيلياً ومواجهات غير معلنة، بل وانتقادات علنية، حيث أحد السياسيين الاسرائيليين وصف مساعي كيري بأنه يحفر نفقاً تحت المبادرة المصرية، وبعضهم تساءل: هل يتصرف كيري بدافع السذاجة أم الإهمال والتقصير في دراسة الواقع بما يكفي من الجدية والمسؤولية؟!

الغضب على كيري لم يقتصر على تل أبيب فقط، بل وصل أيضاً للقاهرة التي تشعر أن كيري يتجاهلها متعمداً باعتبارها الوسيط المركزي والدولة العربية الأكبر والأهم والأكثر ارتباطاً بما يدور في القطاع وبتداعيات الحرب، وربما أيضاً تشعر القاهرة بالإهانة لعدم دعوتها للمشاركة في اجتماع باريس في الوقت الذي دعيت إليه قطر وتركيا، وهي لا زالت تصر على مبادرتها وتتمسك بها وترفض ادخال أي تعديلات جدية عليها.

صراع الارادات السياسية هذا لا زال بعيدا عن الحسم لصالح أي من الأطراف، ولا زال الشكل النهائي للمبادرة السياسية للتهدئة، ولا زالت بنودها، محل صراع كبير، وهي لن تحسم بعيداً عن الميدان القتالي، فمع التقدير للنشاط السياسي فلا زال الميدان هو صاحب الكلمة الأخيرة في صياغة شكل التهدئة.

كيري المعروف بعناده السياسي، وبالرغم من فشله في الأيام الأخيرة من انجاز تهدئة؛ فقد ابتدع مساراً آخر عرف بالتهدئة الإنسانية؛ الهدف الأول منه الهروب من الاستسلام وإعلان الفشل، والثاني منه المزيد من الوقت لتفعيل المزيد من عوامل الضغط، ويبدو ان التهدئات الانسانية المتوالية هي طريقته للالتفاف على موقف المقاومة الذي رفض تهدئة لخمسة أيام يسمح لإسرائيل فيها باستكمال مهمة تدمير الانفاق، ويسمح له ان يظهر للإسرائيليين انه يساند جهودهم الحربية فيما يتعلق بتهديد الأنفاق.

 

الموقف الاسرائيلي

مر الموقف الاسرائيلي منذ بداية العدوان بعدة تغيرات، وهي دليل وشاهد على انه ينجر انجراراً ولا يمسك زمام المبادرة، فأثناء الأسبوع الأول من العدوان كان تسعى اسرائيل سياسياً الى العودة لتهدئة 2012 ووقف إطلاق نار فوري، ولم تكن الأنفاق على طاولة بحث الكابنيت، فأعلنت القبول بالمبادرة المصرية رغم الرفض الشعبي في إسرائيل ورفض قوى أساسية في حكومة نتنياهو، ورغم ان وضع نتنياهو السياسي كان في أسوأ درجاته، لكن هناك من يقول ان موافقة نتنياهو على المبادرة المصرية كان تقديره ان المقاومة سترفضها مما سيزيد مخزون شرعيته الدولية، وجاءت عملية نفق صوفا لتسلط الضوء بشكل علني على جدية تهديدات الأنفاق، وكان هروب مستوطني غلاف القطاع من مستوطناتهم واعلانهم بأنهم لن يعودوا لمستوطناتهم قبل إزالة تهديد الأنفاق عاملاً رئيسياً للعملية البرية التي كانت إسرائيل وبحق تخشاها وتتهرب منها، وهو ما أكدته الخسائر بين ضباط وفرق النخبة لديهم.

الموقف الإسرائيلي يعيش أزمة حقيقية على المستوى الميداني وعلى المستوى السياسي؛ فالخسائر الميدانية وعجز جيشه عن التقدم الحقيقي على الأرض، علاوة على فشلهم في منع الصواريخ، وفي ظل المقاومة الباسلة والقوية؛ تشعر إسرائيل انها استنفذت مفاعيل قوتها العسكرية، علاوة على ضغط جبهتها الداخلية، التل أبيبية تحديداً، غير المهيأة لاستنزاف طويل، وقد بدأت بالتململ، وهى تتوق لإنهاء عدوانها، لكن بشرط ان لا تقدم للمقاومة أي انجاز حقيقي يفسر وكأنه نتاج هزيمة عسكرية يعظم ريح الاسناد لنهج المقاومة العسكرية، وهو ما يظهر على شكل أزمتها السياسية.

من ناحية نتنياهو فقدر ما منحته المبادرة المصرية اسناداً وشرعية للعملية العسكرية؛ فقد حشرته سياسياً وفرضت علية مواجهة قاسية لا يريدها ولا يرغب بها، فهو لا يريد ان يدخل معركة حسم مع المقاومة يدرك مسبقاً انه لن ينجح بها، وفي نفس الوقت لا يريد ان يقدم تنازلات ستترجم كهزيمة أمام المقاومة، وستحول نسبة الرضى غير المسبوقة التي يحظى بها 80% إلى انتقاد شديد له يشكل خطراً على مستقبلة السياسي.

نتنياهو كان يتمني ان تقدم مصر انجازات للمقاومة تسمح لها بالموافقة على التهدئة، وفي مقابل الاجماع الدولي على مطلب رفع الحصار؛ فقد ابتدع نتنياهو شرطاً اعتراضياً يشبه مطلب يهودية الدولة باعتباره مطلب إعجازي واعتراضي، حيث طالب بنزع سلاح المقاومة الرئيسي مقابل رفع الحصار وتسهيلات اقتصادية أطلقوا عليه في تل أبيب "ميني مارشال"، وللأسف وجد آذاناً صاغية في الغرب.

بعد عشرين يوم من العدوان؛ لا زال الموقف على الجبهة السياسية والعسكرية على حاله، وهو رهن بالتطورات الميدانية تحديداً، وكما كتبنا في السابق انها متدحرجة تكتيكية مفتوحة الخيارات، فهي لا زالت كذلك مفتوحة على خيارات التصعيد الكبير أو اتفاق تهدئة في كل لحظة، لكن من معرفتنا لموقف المقاومة وتمسكها بتحقيق الحد الأدنى من مطالبها، وهو الرفع الكلي للحصار وليس مجرد فتح معبر رفح، وإذا ما التزمت المقاومة بإعلاناتها الواضحة انها ترى في أي اتفاق لا يحمل موقفاً واضحاً برفع الحصار الكلي أو يرحل مطالبها لفترة المفاوضات ما بعد وقف أو تعليق اطلاق النار بانه التفاف على تضحيات شعبنا وعلى انجازاتها العسكرية؛ فإننا نعتقد ان المعركة مفتوحة على المزيد من التصعيد.