خبر العقاب على حماس: ضربات مصر- اسرائيل اليوم

الساعة 12:37 م|18 يوليو 2014

بقلم: د. رؤوبين باركو

إن الظروف التي ترفض فيها حماس وقف اطلاق النار الذي عرضته مصر – وهذا صحيح حتى موعد كتابة هذه السطور – وما زالت تطلق القذائف الصاروخية على اسرائيل، تذكر بقسوة قلب فرعون. وإن تحليل قراراته من وجهة نظر تاريخية واعية يخلص بنا الى استنتاج أن ملك مصر كان يجب أن يدرك أنه يواحه قوى أقوى كثيرا منه ومن أشياعه.

يمكن أن نقول دون أن نفرط في المقارنة إن قادة حماس مثل ذلك الباغي فشلوا في فهم الواقع. وهم يجلبون على أنفسهم الآن وعلى شعبهم سلسلة كوارث لا تبدو نهايتها في الأفق. فالى الآن أصيب الفلسطينيون بقيادة حماس بضربات كثيرة القتلى والجرحى والاضرار بالممتلكات كان أبرزها عمليات الرصاص المصبوب وعمود السحاب والجرف الصامد، وحماس مضروبة الآن. وتقود المنظمة بقراراتها الخاطئة مسيرة الحماقة نحو ابواب جهنم.

كانت أول حماقة نفذتها حماس هي حقيقة أنها جعلت مصر عدوا وبحق الى الآن على الأقل. وكانت مقدمات الازمة هي علاقاتها العملياتية وعلاقات منظمات الارهاب الاسلامية بشركائها من الاخوان المسلمين وأذرعها التآمرية في سيناء ومصر. واستنزفت هذه الشراكة دما كثيرا بالارهاب الاسلامي في داخل مصر.

          على إثر ذلك وجه السيسي ورجاله ضربة قاتلة حقيقية الى حماس فقضت اجهزة الامن المصرية على البنية التحتية العسكرية والاقتصادية لمساعدي المنظمة في سيناء، وحطموا حركة الاخوان المسلمين في مصر، وهدموا أكثر الانفاق على حدود رفح التي كانت تستعمل قنوات لتهريب الوسائل القتالية وما زالت أيديهم مبسوطة.

          وهكذا اصبحت المنظمة المجرمة جماعة يائسة يختبيء رجالها الجائعون في الانفاق مثل الفئران تحيط بهم قذائف صاروخية لا نفع فيها. والآن، بعد أن انسحبت اسرائيل من غزة كي لا تعود يطلبون في حماس أن تفتح الحدود لهم وتُقضى حاجاتهم.

          يلقى طلب رجال حماس اسقاط الحصار رفضا من مصر واسرائيل اللتين لا ترغبان في الدمل الغزي. ولا يتوقع أحد أن يجب على اسرائيل أن تمد غزة بالكهرباء والمنتوجات الاساسية – التي تترجم الى مواد متفجرة وقذائف صاروخية تطلق عليها – أو بالاسمنت الذي لا يُستعمل في البناء بل في أنفاق ومدن تجري منها عمليات اطلاق الصواريخ وخطف مواطنيها وقتلهم.

          يتذكر قليلون كيف طبقت القيادة الموحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحماس عمليات القطيعة مع العمل في اسرائيل. وكيّفت اسرائيل نفسها مع الوضع وبقي الغزيون عاطلين.

          وفي شأن المصريين، من الواضح كثيرا لماذا يرفضون ايضا سعي حماس. إن تعاون حماس التآمري مع الاخوان المسلمين انشأ العلاقة المصرية المعادية للمنظمات الارهابية التي تحكم غزة الآن. وينبغي أن نضيف الى ذلك حقيقة أن المصريين يكفيهم الفقراء المعدمون عندهم وهم لا يرغبون في الزيادة الفلسطينية. ولهذا السبب يدفع المصريون غزة التي كانت تحت حكمهم حتى 1967 نحو اسرائيل. ولأن اسرائيل مصممة على رفضها أن تتبنى معسكر الارهاب الغزي فان سكان القطاع متعلقون بمصر بصورة وجودية لكنهم لا يستوعبون ذلك كما ينبغي.

          بصق قادة حماس الكبار بمجرد رفضهم اقتراحات الوساطة المصرية لوقف اطلاق النار مع اسرائيل، في وجه مصر التي هي دولة أيدت القضية الفلسطينية وضحت من اجلها بأفضل مقاتليها. ومصر تنتظر الآن أن تنتقم ممن أهانوها على رؤوس الأشهاد. فلا يمكن عند العرب تجاوز هذه الوقاحة والاستخفاف بصمت.

          سيكون من الصعب على قادة المنظمات الفلسطينية في غزة أن يصلحوا ضرر فقدان مصر ساعة أن حاولت أن تساعدهم، وقد أهانوها في وقت تعمل فيه على أن تعيد لنفسها مكانتها المركزية في العالمين العربي والغربي والى جانبها دول الخليج والسعودية. وقد رفضوها وهي تحتال لتشكيل جبهة عربية لمواجهة ايران ولمواجهة الدس الراديكالي الاسلامي في الداخل. وفي وقت يدأب فيه السيسي في حشد شرعية سياسية في الداخل والخارج لقي وقاحة قادة حماس الذين أداروا له ظهورهم زاعمين أنهم لم يشاوروهم في تفاصيل وقف اطلاق النار.

          الويل للمهزومين. كان من المناسب الآن على الخصوص أن تسعى حماس، فقد أصبح شريان حياتها الوجودي متعلقا بالارادة المصرية الخيرة، أن تسعى الى باب الحاكم. وإن تفضيل قطر وتركيا البعيدتين جغرافيا عن جيب الارهاب الغزي هو حماقة. ولن تمر ريشة الى حماس اذا لم توجد رغبة مصرية والدليل على ذلك أنه علقت في الفترة الاخيرة فقط ملايين الدولارات من اموال الارهاب التي أرسلتها قطر الى غزة لعدم القدرة على نقلها الى القطاع. وكانت اسرائيل على الخصوص هي التي استجابت لبادرة مصر الخيرة واستجابت لوقف اطلاق النار بوساطتها. وبذلك أكدت مكانة هذه الدولة الضخمة أمام الغرب والولايات المتحدة المترددة، وأكدت دورها القديم – الجديد بصفتها زعيمة رائدة في العالم العربي، وبازاء الجبهة التي أخذت تتشكل لمواجهة ايران.

       مجرمو حرب كبار

          في حالات كثيرة ينتهي "الفشل" عند اليهود الى لجان تحقيق والى استقالة. أما عند الفلسطينيين فتتميز اخفاقات رهيبة كعملية الجرف الصامد بترفيع القيادة وبالقضاء على المعارضين.

          إن لجنة تحقيق في احداث هذه العملية ستفضي كما يبدو حتى بقادة حماس الكبار – الذين ارسلوا كثيرين الى عمليات انتحارية – الى استنتاج أنه يجب عليهم أن ينتحروا بسبب الكارثة التي جلبوها على شعبهم، هذا من وجهة نظر فلسطينية. لكنهم غير قادرين على تنفيذ ذلك.

          يشير تسلسل الاحداث الى أن حماس دفعت الى طريق مسدود على إثر خطوات مصر على حدود القطاع. وحاولت المنظمة الخلاص من الحصار الاقتصادي والعسكري والمعنوي الذي كان مطبقا على رجالها فاستقر رأيها على نكث تفاهمات وقف اطلاق النار التي توصلت اليها مع اسرائيل في 2012. وتسعى حماس الآن مرة اخرى الى تحقيق هذه التفاهمات وكأنها لم تهاجم ولم تقتل ولم تُهزم.

          يرفض رجال حماس ايضا برغم النتائج البائسة التي اكتسبوها من موجة القذائف الصاروخية الفاشلة، يرفضون أن يستوعبوا ايضا الضربة الاستراتيجية التي مُنوا بها. تعلمون أن احدى مهام الحرب الاستخبارية لجيش ذي رؤيا هي أن يخدع جيش العدو وأن يصرفه الى التسلح المتعب بسلاح لا صلة له بالواقع، والقصد من ذلك دفع العدو الى هدر موارد قوته في وسائل لا جدوى منها أصبح يوجد عند الجيش المدافع عن نفسه رد عليها منذ زمن، وهذا بالضبط ما فعله الاسرائيليون بحماس (وربما بالدول والمنظمات الارهابية المحيطة باسرائيل ايضا).

          تبين لهم بعد أن تسلحوا بالقذائف الصاروخية أن القبة الحديدية اعترضتها بسهولة. واذا استثنينا قتيلا واحدا وتخويفا وأضرارا جسمانية وأضرارا بممتلكات المواطنين فان استثمار القاتلين الضخم قد طُمر. وسيضطر قادة المنظمة الكبار من فوق قمة تخطيطهم الاستراتيجي الفاشل اذا رفضوا الرجوع عن ذلك، سيضطرون الى العودة الى المنزلة البائسة التي تشمل أنفاق ارهاب ومحاولات تنفيذ عمليات انتحار وخطف جنود. إن حماس الآن في الدرك الأسفل كما يقول المثل العربي: "وزاد الطين بلة". ولا ينتظر قيادة المنظمة أي تطور يبشر بالخير سوى الدبابات المسرعة والطائرات الحربية.

       حالة جنونية وشعور بالمرارة في غزة

          لم تصبح حماس "واسطة العقد" من وجهة نظر العالم، كما أملت. بالعكس زاد وضعها سوءً بسبب رفضها وقف اطلاق النار واصرارها على اطلاق قذائف صاروخية على المراكز السكنية في اسرائيل. وحتى لو استجابوا لاقتراح مصري في المستقبل فان صورة تحويل المنظمة للسكان الفلسطينيين الى دروع بشرية تجعل قادتها تحت التعريف القانوني لمجرمي حرب بدرجة مضاعفة.

          إن سكان غزة قطيع محكوم بقوة السلاح، فلا يستطيع أحد منهم أن ينتقد مسلحي المنظمة. ولا أحد في القطاع لا يعلم أن قادة حماس والجهاد الاسلامي طول هجمات رد الجيش الاسرائيلي يلوذون الى ملاجيء وأنفاق تحت الارض أو لاماكن مدنية مثل المستشفيات والمدارس في حين يكون الجمهور معرضا لنتائج الحرب.

          إن النسيج الداخلي للمجتمع الغزي هو دائما في خطر تهتك دائم، وهو يشبه في فقره طنجرة ضغط يصدها الخوف من بنادق حماس المُعدة. إن أكثر الغزيين مستعدون حقا للاحتفال للقضاء على مواطني اسرائيل لكن لا أحد منهم مستعد أن يدفع ثمن الغباء الذي تعرضه حماس في مواجهاتها المتكررة معها.

          إن القدرة على الاحتمال التي يظهرها المجتمع الفلسطيني في غزة لا تنبع من اختيار ومن موطيء قدم صلب بل من اضطهاد وضرورات الواقع التي تمنعهم حتى من الحق في الشكوى، ولما كان الامر كذلك فانه يمكن أن نسمع الشكوى الغاضبة والشتائم بالاحاديث الحميمة فقط أو في تقارير صادقة منقولة من الميدان.

          في وضع المجتمع الفلسطيني البائس يستغل قادته غضب الجموع ويحقنونهم بالأفيون الديني وبأكاذيب عن اخفاقات اسرائيل ونهايتها القريبة، وفي هذا الاطار زعم قادة حماس أن اسرائيل منيت باخفاقات استخبارية ولم تعرف مواقع القذائف الصاروخية التي جمعتها المنظمة بل لم تحذر من ظهور الطائرات الصغيرة الهاوية في الميدان، لكن حقيقة أنهم يعدمون أبرياء في خلال القتال زاعمين أنهم عملاء اسرائيليون تشهد بأن المنظمة اخترقتها الاستخبارات الاسرائيلية وتشهد بهستيريا رجالها بازاء انجازات وكالات الاستخبارات الاسرائيلية.

       وماذا عن المسجد الأقصى؟

          في اطار الجهد لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وجهت أذرع حماس الارهابية القذائف الصاروخية على القدس بل تفاخرت بذلك بصوت جهير. وفقدوا باطلاقهم الاجرامي للصواريخ الشرعية القليلة التي كانوا ينسبونها الى أنفسهم بمطالبهم الدينية المتعلقة بالمدينة. ينبغي أن نتذكر أن القدس كانت القبلة الاولى التي غيرها محمد  بعد ذلك، وهناك من يُعرفونها أنها في المنزلة الثالثة في الأهمية عند المسلمين.

          ومهما يكن الامر فان مجرد جعل القدس هدفا للافناء يبدو اعترافا بأن هذه المدينة ليست مقدسة عند المسلمين، بل الحديث عن هدف نوعي رمزي بالنسبة لكبار القادة من حماس. أي أن هذا اعتراف فعلي بأن الحديث عن عاصمة اسرائيل. وإن مجرد قصدهم الى ضرب المدينة المقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين أشار الى استعدادهم الأساسي للمس بالاماكن المقدسة المركزية لهذه الديانات ومنها المسجد الأقصى.

          زعم أعيان عرب في القدس في الفترة الاخيرة أن حماس تحاول أن تضر بالاماكن المقدسة للاسلام والمسيحية كي تزعم بعد ذلك أن اليهود فعلوا ذلك. ويقولون إنهم يأملون في المنظمة أن يتحرك العالم العربي المنقسم لحروبه الداخلية ويتحد على اسرائيل اذا أصيبت هذه الاماكن المقدسة بصواريخ. وفي التطرق لاطلاق الصواريخ على المدينة المقدسة ما يعطي الغرب مفهوما ما عن طريقة تفكير المتطرفين الاسلاميين الذين يخططون لتسويد الاسلام على العالم. وتذكرون أنه حتى في ايام هجوم الحلفاء على ايطاليا الفاشية لم يخطر في أي عقل محموم أن يُقصف الفاتيكان، ولن يُحجم الارهابيون الذين يفجر بعضهم المساجد على رؤوس بعض عن فعل ذلك بكنائس الغرب في يوم ما.

       تلقي الضرب والسكوت

          حصلت اسرائيل على مهلة وعلى ضوء اخضر من الدول العربية ومن الغرب لتضرب الرافض بسبب الرفض الفلسطيني لوقف اطلاق النار. ولم يبق للفلسطينيين الذين شاهدوا الرفض سوى أن ينتظروا استمرار الضربات لبناهم التحتية وأن يسكتوا.

          يجب أن تُبقي نهاية هذه المعركة لاعبي حماس المتألمين المحطمين على المسرح وألا تستبدلهم بغيرهم، فهذا هو بقاء الردع لأن اللاعبين الجدد اذا أتوا وحينما يأتون من المؤكد أنهم سيبقى عندهم ذلك الباعث المدمر نحونا، لكنهم سيضطرون الى أن يتعلموا مرة اخرى فصول التراث تلك التي أورثها الاسرائيليون أسلافهم، وليس ذلك من الحكمة.

          ينبغي أن نتذكر أن ليس البحث في أنه هل تستطيع اسرائيل أن تدخل غزة وأن تقضي على حماس وسلاحها، بل ما هي الفائدة وما هي التكاليف من هذا الفعل غير الحكيم. ولما كان رجال حماس من أبناء القطاع فانهم يضطرون آخر الامر الى اجراء تقديرات وضع وملخصات صدورا عن المسؤولية عن أبناء شعبهم المحطمين المستنزفين.

          إن الفوضى التي ستبقى اذا قُضي على المنظمة لن تُبقي عنوانا للايلام. وإن بديل أن يدخل المنطقة مغامرو الجهاد من العالم كله هو بديل سيء لأن هذه المنظمات يفرحها أن تسفك دماء مستضيفيها الفلسطينيين كي تغذي آلة الجهاد في سبيل الله. ولا شك في أن اسماعيل هنية مثلا الذي دفع اثنان من أبناء إخوته ثمن مشاركتهم في الارهاب الموجه على اسرائيل، يترجم ألم الثكل هذا الى رغبة في الانتقام لكنه يترجمه ايضا الى خوف والى ارتداع. وإن هذه الاثمان المؤلمة هي في أساس الردع الذي يجب أن تحتفظ به اسرائيل في وجه حماس.

          يجب على اسرائيل أن تستغل الاضواء الخضراء الكثيرة في مسار حركتها وأن تضرب حماس بلا رحمة. ويجب على اسرائيل في اطار الضربات في المستقبل أن تختار لنفسها طريق عملياتها دون ضرورات غوغائية.

          يجب أن يشمل كل اتفاق على وقف اطلاق النار فتح المعابر من الجانب المصري فقط مع خيار التجارة مع الجانب الاسرائيلي. لكن بشرط أن يُنقض نظام الصواريخ بوساطة جهات دولية وبرقابة مصرية (وعندهم الباعث على تحقيق انجاز من هذا النوع). ويجب أن يشمل الاتفاق التزام حماس بأن تكف عن حفر الانفاق وتدمر تلك الموجودة وتلتزم بوقف الارهاب.

          ونقول بالصدق المطلوب إن احتمال تحقيق هذه المطالب ضئيل ولهذا يجب على اسرائيل أن تستغل موارد زمان السحق الذي منح لها كي تدمر هذه القدرات بقدر المستطاع. ويجب عليها أن تطور قدرات تقنية تستعمل بطاريات لاطلاق آلي على مصادر اطلاق النار الفلسطينية دون مشاركة يد اسرائيلية.

          وهكذا يصبح مصير السكان رهن إصبع كل مخرب فلسطيني يضغط على زناد القذائف الصاروخية التي تطلق علينا. وسيتفهم العالم ذلك. فهل عندهم وقت حتى ذلك الحين؟ وعندنا ايضا.