خبر ما زالت حماس لا تظهر علامات الانكسار برغم الضغط- هآرتس

الساعة 11:15 ص|14 يوليو 2014

بقلم: عاموس هرئيل

ان قنوات التلفاز التي تصيب نفسها ومشاهديها بالجنون ببث حي متواصل طول اكثر ساعات اليوم، اهتمت اهتماما كبيرا أمس بعد الظهر باطلاق قذيفة صاروخية من القطاع وقعت في ارض غير مأهولة في منطقة حيفا. وادخلت صافرة انذار عابثة استعملت على اثر تقدير مبالغ فيه لمدى القذيفة الصاروخية، ادخلت حتى سكان نهاريا الى الملاجيء وقتا قصيرا بعد يوم من سقوط صواريخ من لبنان في الجليل الغربي. لا شك في ان حماس حطمت رقما قياسيا تنظيميا واقليميا حينما اطلقت قذيفة صاروخية الى مدى بعيد بصورة مميزة. لكن الضرر العملي الذي احدثته القذيفة الصاروخية كان صفرا مثل أكثر تلك التي سبقتها في الحقيقة.

 تتصرف الذراع العسكرية لحماس في الايام الاخيرة مثل مجموعة منقحين خائبة الامل تأمل انجازا بصورة يائسة. فقبل حيفا بيوم رتبوا لنا قصفا لتل ابيب في التاسعة مساءا مع اعلام مسبق مدة ساعة بغية اثارة الخوف في انحاء غوش دان كلها. لكن هذه المنظمة الارهابية الفلسطينية برغم نجاحها في جر ملايين الاسرائيليين الى الغرف الامنة والعودة منها، لم تسجل لنفسها الى الآن نجاحات حقيقية. صحيح ان حماية القبة الحديدية ليست كاملة لانه تقع احيانا اعطال تقنية، ويمكن ان تقع اعطال بشرية نادرة في استعمالها، وتوجد مشكلة بدأت تنشأ تتعلق بسلوك المواطنين في منطقة الوسط وقت الانذار. وكل ذلك يمكن أن يفضي في النهاية الى خسائر في الارواح نتيجة بعض القذائف الصاروخية.

 لكن منظومة القبة الحديدية ما زالت تعطي حماية مدهشة تغير قواعد اللعب. ولا ينجح مخزون القذائف الصاروخية الكبير الذي بني لتحطيم التفوق العسكري الاسرائيلي في المجالين الجوي والاستخباري في اختراق طبقات الحماية في هذه المرحلة. ويمكن أن نخمن ما الذي يعتقده الخبراء العسكريون من ايران وحزب الله الذين انشأوا نظريات قتال كاملة تقوم على ضرب الجبهة الداخلية الاسرائيلية الضعيفة اليائسة، ما الذي يعتقدونه في التوازن الجديد. ان تقوية الغلاف الدفاع الاسرائيلي بعد ذلك ببطاريات اعتراض صواريخ اخرى لابعاد مختلفة ستجعل تهديدها في المستقبل اصعب. احتفل عشرات في مخيم اللاجئين جباليا برشقة الصواريخ على تل ابيب اول امس لكن هذه في واقع الامر صورة نصر بائسة جدا.

 

          ان الجزء الاقل تشجيعا في المعادلة هو ان حماس تبدو الى الان مصممة في الاستمرار على القتال. وعلى حسب تقديرات أسمعت للمستوى السياسي مؤخرا لا توجد علامات على ان قيادة المنظمة قريبة من الانكسار في هذه المرحلة. وهي ترفض وقف اطلاق النار قبل ان تصل الى انجاز يبدو لها جوهريا بالاستمرار على القتال أو بقبول مطالبها في التسوية النهائية نفسها (ومن المهم هنا لحماس على وجه خاص امر التسهيلات التي تطمح الى الحصول عليها من مصر في معبر رفح). فقدت المنظمة في الحقيقة جزءا من منظومتها الصاروخية ودمرت بيوت اكثر من 100 من نشطائها الكبار بقصف جوي. لكن جهاز قيادتها وسيطرتها لم يكد يتضرر وبرغم القصف ما زالت تملك ما يكفي من القذائف الصاروخية للمدى القصير والمتوسط من اجل الاستمرار على اطلاق الصواريخ فترة طويلة بعد.

 

          ان اسرائيل مشغولة في هذه اللحظات كما كانت الحال في عمليات سابقة (حرب لبنان الثانية والرصاص المصبوب وعمود السحاب) بالبحث عن علامات انكسار. ويتبين في نظرة الى الوراء ان العاملين في الاستخبارات – والقيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل وبقدر اكبر – يخطئون بتقديرات متفائلة جدا لازمة العدو. ان الدمار في غزة كبير حقا ومن الواضح ان قادة المنظمة لن يفرحوا حينما يتبين لهم عند خروجهم من الانفاق والملاجيء ان بيوتهم دمرت وجرح ابناء عائلاتهم. ولا شك ايضا في ان حماس اشعلت النار في الجولة الحالية بسبب ازمة استراتيجية وانها ما زالت تحت ضغط كبير. لكن البث المتوالي في "الجزيرة" التي تركت الحرب في سوريا لحظة، عاد يصنف حماس على انها العزيزة على الامة العربية التي تنجح في ضرب اسرائيل حتى لو كان الواقع على الارض بعيدا عن ذلك. ان الاتصال بين قادة الذراعين العسكرية والسياسية لحماس بالعالم الخارجي محدود. ويصعب لذلك ان تصاغ صورة واضحة لتقديراتهم والحسابات التي يجرونها. والقادة الكبار الاسرائيليون الذين يبينون على التوالي ان حماس على بعد يوم أو يومين عن اعتراف بالهزيمة، يبدو انهم يعتمدون على أمل غامض اكثر من اعتمادهم على حقائق صلبة.

 

          ان الواقع الساكن نسبيا – الهجمات الجوية من هنا والقذائف الصاروخية من هناك دون حسم – يزيد بطبيعة الامر خيبة الرجاء في الجانب الاسرائيلي. واصبح طلب ان يدخل الجيش الاسرائيلي الى القطاع ويحسم المشكلة بمرة واحدة الى الابد يسمع اكثر فاكثر في مقابلات في الشارع مع مارة ولا سيما في مدن سقطت فيها صواريخ كثيرة (تتقدم اسدود قائمة الضرر الى الان فقد سقط نحو من 120 قذيفة صاروخية في محيطها وتم اعتراض 50). لكن لا يرى المجلس الوزاري المصغر ولا الجيش الاسرائيلي يسارعان الى العمل حتى الان، وقد عقد المجلس الوزاري المصغر امس في نهاية اليوم السادس من العملية في جلسة اخرى. فلو ان القيادة كانت مصممة جدا على العمل بكامل القوة على الارض ايضا لتم ارسال القوات النظامية الى القطاع منذ زمن. تدل التأخيرات على انها ما زالت حائرة في شأن بدء العملية البرية، وما زالت الى الآن تبقي مجالا لمخرج سياسي من الورطة. وبرغم انباء شتى في الاعلام العربي لا يبدو الى الان شق طريق، لكن الاهتمام الدولي المتزايد وما يبدو انه تدخل مصر فيما يجري مرة اخرى قد يساعدان على الحل آخر الامر.

 

          ومهما يكن الامر فانه يبدو ان رئيس الوزراء نتنياهو ما زال يدبر السياسة الاسرائيلية تدبيرا مقدرا حذرا جدا برغم الضغوط في الساحة السياسية وبعض وسائل الاعلام. فما زالت تجري في الخلفية الى الآن لعبة بينغ بونغ بين المستويين العسكري والسياسي في حين يوحي كل طرف من الطرفين ايحاءا خفيا الى الصحافة بأنه مستعد من جهته للعملية البرية بيد ان الامر يتعلق بالشريك الثاني. وما زال شد الحبل هذا لا يتجاوز مجال المعقول كما نعلم الى الان. والقرار النهائي لنتنياهو الذي يمكن ان ننسب حذره في اصدار امر العمل الى تجاربه القاسية مع جهاز الامن طول السنين – فتح نفق حائط المبكى والاغتيال الفاشل لخالد مشعل في الولاية الاولى، وقضية تصفية محمود المبحوح في الولاية الثانية حسب انباء اجنبية.

 

          بدأ الجيش الاسرائيلي أمس بحسب خطة أعلنها قبل ذلك، بدأ يطلب الى السكان في الاحياء الشرقية من مدينة غزة والبلدات في شمالها ان يخلوا بيوتهم. وفي المرحلة التالية سيبدأ قصف اهداف لحماس في المناطق التي ستخلى، ولا يبدو ذلك الى الان دخولا بريا واسعا الى القطاع لكنه استعداد متقدم لهذا القرار كما يبدو بوضوح.