خبر الدبابات جاهزة لكن لا احد يسرع الانطلاق الى عملية برية في غزة / هارتس

الساعة 09:31 ص|13 يوليو 2014

بقلمعاموس هرئيل

 

(المضمونلا يستطيع الجيش الاسرائيلي أن يحل بمرة واحدة والى الأبد مشكلة القذائف الصاروخية من غزة دون أن يحتل قطاع غزة كله، لكن لا يوجد في اليمين الاسرائيلي دعم حقيقي لهذه العملية المصدر).

 

أعلن الجيش الاسرائيلي أمس بخطوة مهمة استعدادا لاحتمال دخول بري الى قطاع غزة. فالجيش ينوي أن يبدأ الطلب الى سكان فلسطينيين في الاحياء القريبة من جدار الحدود المحيط بالقطاع أن يخلوا بيوتهم. وسيبدأ الجيش الاسرائيلي بعد التحذيرات التي ستُبلغ بمنشورات وبمكالمات هاتفية، سيبدأ قصف هذه الاحياء – ويكون ذلك في البدء باطلاق نار تحذيري وبعد ذلك باطلاق متعمد. والتفسير الاسرائيلي الرسمي لذلك هو أنه سيوجد هنا "اجلاء سكان لحمايتهم". لكن هذه الخطوة الجديدة لها هدفان في واقع الامر هما ردع الرأي العام في القطاع بسبب النتائج المتوقعة لاستمرار اطلاق حماس للصواريخ، والمس بنظام المنظمة الدفاعي قبيل الدخول البري.

 

 وما زال يلاحظ الى الآن برغم صفوف الدبابات التي تتجه الى الجنوب وألوية المشاة التي تتأهب حول القطاع، أن اسرائيل لا تسارع الى الخروج الى المرحلة البرية من العملية. فالتوجيه الى القوات يتأخر ويبدو أن ذلك عن محاولة لاستنفاد الاتصالات السياسية. وقد كثرت منذ ظهر أمس الانباء عن صوغ مخطط سياسي ممكن. وقد بدأ المجتمع الدولي يستيقظ في الحقيقة – ويتوقع وصول قطار جوي يحمل وزراء الخارجية الى المنطقة من منتصف هذا الاسبوع – لكن قد تمر بضعة ايام اخرى على الأقل قبل أن يمكن التوصل الى تسوية.

 

 هذه هي المرحلة التي يدخل فيها الوسطاء المختلفون في الصورة كما كان الامر في العمليتين الاخيرتين في غزة وفي حرب لبنان الثانية. وهم يعملون في الاكثر في قنوات متوازية ومتنافسة ويتبين في النهاية فقط من الذي يأتي بصيغة الخلاص. وتوجد الآن ايضا أنباء منشورة عن جهود الولايات المتحدة والرباعية وقطر والسلطة الفلسطينية لم يتضح أيها سينضج. وزار أمس مبعوث الرباعية طوني بلير مصر والتقى رئيسها عبد الفتاح السيسي. وكانت الشروط التي ذكرت في الحديث بينهم بحسب تقارير اخبارية ليست رسمية تماما: وقفا تاما لاطلاق النار وللاعمال العدائية عن جانبي الحدود (والعمليات بواسطة الانفاق ايضا على نحو ضمني) وتسهيل مرور السلع والناس. وتتعلق المادة الثانية بمصر أكثر من تعلقها باسرائيل لأن حماس كانت تطلب منذ زمن طويل من القاهرة أن تُمكّن من تسهيل الحركة في معبر رفح. وقد يكون هذا آخر الامر هو المشجب الذي يُعلق عليه الاتفاق الذي ينهي القتال.

 

ينبع الاهتمام العالمي المتزايد بما يجري في غزة من مناظر الدمار والخسائر التي بُثت من هناك في نهاية الاسبوع. وتأمل اسرائيل أن تقنع تلك الصور حماس آخر الامر بأنها دفعت ثمنا باهظا جدا ولم تحرز شيئا. وهي تُقصر الآن حبل العمليات الذي يتيحه المجتمع الدولي لاسرائيل. فعلى حسب قول الامم المتحدة أُحصي في غزة 135 قتيلا حتى خروج يوم السبت، 70 بالمئة منهم في تقديرها مدنيون. وهذا في الحقيقة متوسط عدد القتلى في يوم قتال واحد في الحرب الاهلية في سوريا، لكن العالم ما زال يلاحظ في غزة قدرة على التدخل ووقف اطلاق النار.

 

 بقيت حماس في نهاية الاسبوع ايضا مع القليل جدا من الانجازات في العمليات الحربية. وفي يوم السبت ضوئل كثيرا عدد اطلاقات الصواريخ لكنه ورد آنذاك نبأ عظيم الوقع في الثامنة مساءً عن رشقة متوقعة على غوش دان بعد ساعة. وأحرزت حماس في الحقيقة أكبر قدر من انتباه وسائل الاعلام الاسرائيلية لكنها لم تحرز صورة الذعر الوطني ولا أضرارا ايضا. وقد اعترضت القبة الحديدية رشقة الصواريخ كما حدث في مرات سابقة. ويبدو الى الآن أن المنظمة تتميز في الأساس بألاعيب العلاقات العامة، من قصف بحسب اعلان مسبق الى اختراق مواقع انترنت اسرائيلية. وإن القبة الحديدية والاستعداد المدهش لكل سلطات الطواريء في الجبهة الداخلية يحافظان الى الآن على عدد قليل جدا من المصابين برغم أن الميزان قد يتغير بعد.

 

برغم نتائج اعتراض الصواريخ الممتازة (نصبت في نهاية الاسبوع بطارية ثامنة من القبة الحديدية)، يظهر تأييد متزايد من الجمهور الاسرائيلي لتوسيع العملية الى عملية برية. وقد يحدث هذا آخر الامر تحت الضغط السياسي الذي تخضع له الحكومة لعرض انجازات في العملية، لكن يحسن كف التوقعات، فالجيش الاسرائيلي لا يستطيع أن يحل بمرة واحدة والى الأبد مشكلة الصواريخ دون أن يحتل ارض القطاع كلها ويجري فيها اعمال تمشيط واسعة مدة اشهر. والنتيجة المطلقة آنذاك ايضا غير مضمونة ولا يوجد في اليمين أصلا تأييد حقيقي لهذا الاجراء. وحتى لو كانت التقديرات الاستخبارية دقيقة وأن الجيش الاسرائيلي نجح في القضاء على ألفي قذيفة صاروخية فلسطينية (تضاف الى نحو من 700 قذيفة أطلقت من غزة) فما زال يوجد في القطاع ما يكفي ويزيد من القذائف الصاروخية للاستمرار في الجولة الحالية: يبلغ عددها نحو من 8 آلاف منها 200 على الأقل ذات مدى متوسط تستطيع أن تصيب من المنطقة شمالي أسدود حتى ظاهر حيفا.

 

 والاستنتاج هو أنه لا يمكن الحديث عن بدء انجاز بالقضاء على اطلاق النار دون مداورة برية واسعة في عمق القطاع. ويبدو أن معضلة الحكومة تنحصر الآن في أهداف أكثر تواضعا. والى ذلك لنفرض لحظة أن العملية انتهت الى نجاح لامع وأن السلطة الصديقة الحالية في مصر بعد عملية "الجرف الصامد" بخلاف ما كان في "عمود السحاب"، واصلت اغلاق الانفاق في رفح ومنْع تهريب سلاح جديد. إن اكثر القذائف الصاروخية ذات المدى المتوسط التي تطلق في هذه الايام من غزة من صنع محلي، أي أن المواد والعلم المطلوبة لصنعها موجودان في القطاع وسيصعب على اسرائيل أن تمنع تجديد المسار. إن أملها الرئيس أن ترجع الفلسطينيين الى الوراء، الى نقطة بداية أدنى (من جهة عدد الصواريخ والقدرة على الصنع) في التسلح استعدادا لجولة قتال في المستقبل.

 

 إن الشيء المطروح للبحث مع استمرار المعركة الجوية هو عمل بري لزيادة الضغط على حماس. والفرض هو أنه يمكن به اصابة أملاك المنظمة (مخازن قذائف صاروخية اخرى ومواقع اطلاق؛ ومسلحين يُقتلون وهم يحاولون أن يصدوا تقدم قوات الجيش الاسرائيلي) وأن تعالَج في الفرصة نفسها عدة أخطار تكتيكية لاحباط خطط حماس لاحداث مفاجآت في العمليات. وقد نجح الجيش الاسرائيلي و"الشباك" في الايام التي سبقت بدء العملية الحالية في احباط محاولة حماس تنفيذ عملية طموحة بصورة مميزة بواسطة انفاق في منطقة كرم أبو سالم. وهم في جهاز الامن يعتقدون أن حماس حفرت نحوا من ثلاثين نفق هجوم قرب الجدار ابتغاء استعمالها للعمليات حينما يحين الوقت، كما ورد في صحيفة "هآرتس" في بداية السنة.

 

إن دخول الجيش الاسرائيلي البري الى قطاع غزة سيلاقي جهدا دفاعيا من حماس التي ستستعمل الصواريخ المضادة للدبابات والمتفجرات ونظاما دفاعيا من انفاق تحت الارض. ويتوقع أن تزيد في الوقت نفسه محاولات اطلاق القذائف الصاروخية على المراكز السكنية في اسرائيل، وستضطر الحكومة المصغرة الى أن تفكر في أنه هل يوجد قدر كاف من المعلومات الاستخبارية الدقيقة، وهل توجد اهداف يمكن احرازها بعملية برية محدودة قبل الموافقة عليها. وستكون حيرة الوزراء بين الخشية من أن يبدوا مستعدين لانهاء المعركة بتعادل مع حماس (التي ستعرض التعادل على أنه انتصار كبير) وبين الخشية من التورط واصابات في قوات الجيش الاسرائيلي. وقد اصبحت الساعة السياسية تتكتك في الخلف.

 

يبدو بحسب الرسائل التي تصدر عن الجيش الاسرائيلي أنه يهمه أن يُبين أن تأخير الموافقة على عملية برية لا ينبع منه بل من المستوى السياسي. لكن يبدو في واقع الامر اذا استثنينا بعض الاصوات الشاذة القليلة نسبيا أن القيادتين العليين السياسية والامنية مجمعتان على أنه لا ينبغي تعجل عملية في عمق القطاع. ومن المثير للاهتمام أن الجنرال (احتياط) يوآف غالنت الذي تولى قيادة عملية "الرصاص المصبوب" وضغط في تلك الفترة لتوسيع العملية البرية أكثر مما وافقت عليه الحكومة المصغرة (وهو موقف لم يُقبل) يعتقد هذه المرة أن العملية الحالية استنفدت نفسها ويجب وقفها قبل ارسال القوات الى الداخل.

 

إن حسابات الحكومة المصغرة بريئة هذه المرة نسبيا من حسابات الانتقام لأن نسبة الاعتراضات العالية للقبة الحديدية الى الآن قللت الى أدنى قدر عدد المصابين في الجانب الاسرائيلي. والذي يشتكي من أن النسبة بين القوتين تسد آذان الاسرائيليين عن صرخات المعاناة التي تُسمع في غزة، يحذف من المعادلة نقطة حرجة وهي أنه لولا نجاحات القبة الحديدية لبلغ عدد القتلى الاسرائيليين عددا ذا منزلتين بيقين. ولو كان هذا المعطى لزاد الضغط على الجيش الاسرائيلي ليهاجم من الجو بصورة غير تناسبية وليرسل قوات برية، أي أنه كان سيزيد جدا في عدد القتلى في الجانب الاسرائيلي وفي الجانب الفلسطيني.