خبر غزة تقاوم وتصمد ولن تركع../ د. محمود محارب

الساعة 08:58 ص|12 يوليو 2014

العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هو استمرار وتصعيد للعدوان الإسرائيلي الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بعد عملية الخليل. فقد استغلت الحكومة الإسرائيلية عملية خطف ثلاثة المستوطنين لتحقيق أهداف سياسية ليست ذات صلة بهذه العملية، وكان في مقدمة هذه الأهداف توجيه ضربة قاسمة لحماس والفصائل الفلسطينية وإنهاء اتفاق المصالحة بين فتح وحماس ونزع الشرعية الدولية عن حكومة الوفاق الفلسطينية لتفكيكها في أسرع وقت. وفي هذا السياق فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عقوبات جماعية على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ونكلت بهم وقتلت العشرات واعتقلت ما يقارب ألف فلسطيني كانت غالبيتهم من قادة وكوادر ونشطاء حماس بما فيهم جميع أسرى حماس الذين كان قد اطلق سراحهم في صفقة شاليط، وأعلنت أنها لم تعد تلتزم بهذه الصفقة وشرعت في اتخاذ إجراءات قانونية شكلية من أجل إعادتهم إلى السجن لقضاء الأحكام المؤبدة التي كانت قد صدرت بحقهم. وفي الوقت نفسه هددت الحكومة الإسرائيلية حركة حماس في قطاع غزة بأشد الضربات وحمّلتها مسؤولية الخطف وأرفقت هذه التهديدات باعتداءات جوية متكررة استهدفت مواقع تابعة لحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى. وقد كان واضحا أن الحكومة الإسرائيلية هدفت إلى إرهاب قيادة حماس والفصائل الأخرى وفرض عليها قبول خرق إسرائيل لكل من اتفاق صفقة شاليط واتفاق التهدئة الذي جرى التوصل إليه بوساطة مصرية في أعقاب عدوان إسرائيل الأخير على قطاع غزة في نوفمبر 2012. وقد أصرت الحكومة الإسرائيلية في الاتصالات غير المباشرة بينها وبين حماس، التي قامت بها عدة دول، على "التهدئة مقابل التهدئة" وعلى رفضها الالتزام باتفاقية صفقة شاليط وباتفاقية التهدئة الأخيرة وخاصة في ما يتعلق باستمرارها في سجن أسرى حماس الذين حرروا في صفقة شاليط واستمرارها في سياسة الحصار ضد قطاع غزة والمنافية لاتفاق التهدئة. في حين طالبت حماس في هذه الاتصالات بأن تلتزم إسرائيل بهاتين الاتفاقيتين لا سيما اطلاق سراح أسرى صفقة شاليط وإنهاء سياسة الحصار الإسرائيلية، وحرصت في الوقت نفسه على الرد على العدوان الإسرائيلي بوتيرة منخفضة وعدم التصعيد. ولكن في ضوء ازدياد المنافسة العدوانية في صفوف قيادات  أحزاب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي  في البدء في العدوان على غزة، وعدم وجود ميزان قوى عسكري بين المقاومة في قطاع غزة وإسرائيل، وانشغال الدول العربية في أوضاعها الداخلية وفي التناقضات البينية في ما بينها، وفي ضوء فقدان المجتمع الدولي إرادته للجم إسرائيل من ارتكاب العدوان،  قرر الكابينيت الإسرائيلي لشؤون الأمن شن عدوان واسع على قطاع غزة. وفي هذا السياق خوّل الكابينيت رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي استدعاء 40 ألف من قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي وفق ما تستدعيه الضرورة. وكذلك شرعت الحكومة الإسرائيلية في تحضير الجبهة الداخلية والرأي العام في إسرائيل لهذا العدوان، وأنه قد يستمر فترة طويلة والتي ستتعرض فيها إسرائيل لهجمات صاروخية من قطاع غزة يصل مداها أكثر من مئة كيلو متر. 


ومن الملاحظ أن إسرائيل فشلت في هذا العدوان في مفاجأة تنظيمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة كما فعلت في العدوانين السابقين، وكذلك فشلت في ضرب وإصابة الصواريخ التابعة لحركات المقاومة في قطاع غزة.


ورغم أن إسرائيل تهدد بشن عدوان بري على قطاع غزة لاحتلاله أو لاحتلال أجزاء منه، إلا أنه من المستبعد جدا أن تشن إسرائيل عدوانا بريا واسعا أو شاملا بغرض احتلاله لأن ذلك سيكلف الجيش الإسرائيلي خسائر في الأرواح من ناحية، ولأنه يعني أيضا ارتكاب مجازر واسعة ضد المدنيين الفلسطينيين ما يقود إلى تدخل دولي، وأيضا لأن إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة بحاجة إلى تأييد دولي وإقليمي وهو غير متوفر في الأوضاع الحالية. إلى جانب ذلك هناك هدف إسرائيلي استراتيجي واضح جدا وهو العمل دوما على الحفاظ على واقع الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية وبين فتح وحماس، وعملية برية واسعة التي تهدف إلى احتلال قطاع غزة كله تتناقض مع هذه الاستراتيجية وتقود إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية على الصعيد الشعبي وعلى صعيد العلاقة بين فتح وحماس وأيضا في ساحات التصدي الميداني للعدوان. لذلك ستعمل إسرائيل إلى تحقيق أهدافها أساسا بواسطة قواتها الجوية والبرية والبحرية المحيطة بقطاع غزة، وربما القيام ببعض العمليات والاختراقات البرية المحدودة الأهداف بما في ذلك احتلال مناطق غير مأهولة التي تمكنها من تقسيم قطاع غزة إلى عدة مناطق، ولكن من دون محاولات جدية لاحتلال المناطق المأهولة بكثافة لأن ذلك سيدفعها ثمنا غاليا في الخسائر.


وتهدف إسرائيل من هذا العدوان إلى استعادة ما تطلق عليه الردع ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وكسر إرادة المقاومة عند الشعب الفلسطيني بواسطة ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قتل أكبر عدد من القادة والكوادر العسكرية والسياسة وقصف بيوتهم وهدمها على رؤوس أصحابها علما بأنها تعرف أن هؤلاء القادة والكوادر غير موجودين في بيوتهم، وتدمير البنى التحتية المدنية في قطاع غزة وتدفيع الشعب الفلسطيني ثمنا غاليا لإبعاده عن المقاومة. بيد أن صمود المقاومة في قطاع غزة، قادة وكوادر وشعب، وتحليها بالإرادة الصلبة  وتصميمها على الدفاع عن النفس وصد العدوان وقصفها العمق الإسرائيلي بالصواريخ ردا على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين، إلى جانب تفعيل مختلف عوامل قوة الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده والحفاظ على الوحدة الفلسطينية وتعزيزها والتحرك الفلسطيني على الصعيد العربي والإقليمي والدولي والتوجه إلى المنظمات الدولية لحشد المجتمع الدولي للتصدي للعدوان الإسرائيلي والمطالبة بفرض عقوبات عليها، إن من شأن ذلك كله أن يوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وينهي الحصار الظالم ويدفع إسرائيل ثمن عدوانها وجرائمها.