خبر إسرائيل و«الجرف الصامد»: إنّه الاقتصاد يا أحمق

الساعة 12:59 م|10 يوليو 2014

كتب : حلمي موسى

ليست حرب «الجرف الصامد» التي أعلنتها إسرائيل على غزة استثناء لقاعدة معروفة: «إنّه الاقتصاد يا أحمق»، فتلكؤ الجيش الإسرائيلي في البداية عن خوض هذه المعركة، برغم وجود قيادة يمينية متشددة تواقة للقصف والتدمير واستخدام القوة، نبع من أسباب اقتصادية وسياسية على حد سواء. والجيش الإسرائيلي الذي خاض قبل أقل من شهر معركة طويلة ضد وزارة المال من أجل الحصول على زيادة بمقدار مليار شيكل فقط، يعرف أن الحرب في غزة أو غيرها باهظة الكلفة.

ولذلك فإن الجيش، وفق تقارير إسرائيلية، لم يقبل بتصعيد المعركة والانتقال إلى شن الحرب قبل أن ينال أولاً خمسة مليارات شيكل. لكن هذه المليارات مجرّد دفعة أولى على حساب الحرب الجارية وهي لا تغطي نفقات هائلة أخرى وخسائر الاقتصاد الإسرائيلي بسببها.

وفي البداية، وقبل مرور يوم واحد على بدء حرب «الجرف الصامد»، كانت بورصة تل أبيب قد خسرت واحداً في المئة من قيمتها. ولم تكن هذه هي الخسارة الوحيدة إذ بدأت البورصة في الخسارة بشكل أقل منذ بدأ التصعيد الأخير إثر اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة.

وبالرغم من أن خبراء البورصة يعتبرون ذلك أمراً عادياً في أوقات التوتر، إلا أن هذا لا ينفي واقع أنها خسارة تقع. وبحسب أحد كبار الاقتصاديين الإسرائيليين، أوري غرينفيلد، فإن «التصعيد في الحلبة الجيوسياسية سبب في الأيام الأخيرة اهتزازات كثيرة في سوق الأسهم وسندات الخزينة. وكان أثر الأحداث ملموساً لدى كل طبقات المجتمع، خصوصاً البورصة التي تشكل مرآة لمزاج المستثمرين».

كما انعكس التصعيد في قلب الميل الذي كان قائماً من ارتفاع في قيمة الشيكل إلى انخفاض. وخلافاً لاعتبارات تتعلق بالاقتصاد الأميركي، وتحدد قيمة الدولار، فإن الدولار واليورو ارتفعا في القيمة في مقابل الشيكل بعد الإعلان عن «الجرف الصامد». وثمة توقعات بأن يزداد هذا الارتفاع مع استمرار المعارك.

ولكن كل ما سلف ليس أكثر من إشارات أولية حول الخسائر الاقتصادية التي تتكبّدها إسرائيل مع استمرار الحرب. فالخسائر في الأرواح في الجانب الإسرائيلي كانت حتى الآن معدومة، لكن ليس هناك ما يضمن عدم وقوعها مع استمرار القصف. ومع ذلك فإن الخسائر الاقتصادية واضحة وجلية منذ اللحظة الأولى، وهي خسائر مباشرة وغير مباشرة على حد سواء.

وخلال أيام التصعيد الأولى، التي كانت الصواريخ من غزة تتساقط على مستوطنات غلاف غزة بالتنقيط، رفعت إلى سلطة الضرائب 100 دعوى تطالب بالتعويض عن خسائر جراء الصواريخ أصابت عقارات أو سيارات. وقدرت قيمة التعويضات هذه بعشرة ملايين شيكل. وهذه التعويضات ليست سوى قطرة في بحر المطالبات بالتعويض التي ستتلقاها سلطة الضرائب بعد أن وصلت الصواريخ إلى حيفا، وزادت دائرة المتضررين إلى مدى يزيد عن 100 كيلومتر.

وبحسب تقديرات أولية فإن الخسائر حتى الآن بالمليارات بعدما اضطرت مصانع للإغلاق، وتوقفت ورش زراعية وإنشائية. وهناك أيضاً الخسائر في البنى التحتية لشركات الكهرباء والمياه والغاز وأيضاً للطرقات.

ورغم عدم وجود معلومات كافية حول هذا الأمر، إلا أن المعطيات كانت تشير إلى أن ثلث المنشآت الاقتصادية في غلاف غزة توقفت عن العمل قبل التصعيد. وإذا اعتبرنا أن نصف هذا العدد من المنشآت يمكن أن يكون قد توقف في المناطق الواقعة في دائرة الصواريخ، فإن الخسائر غير المباشرة تُعدّ أيضاً بالمليارات.

وفي كل حال، فإن المجلس الوزاري المصغر أقرّ للجيش تجنيد 40 ألفاً من أفراد القوات الاحتياطية. وهذا ليس مجرد رقم. وحسب معطيات الجيش فإن تكلفة خدمة كل جندي في أوقات الخدمة الاحتياطية هي 600 شيكل يومياً (تعادل 170 دولاراً). وبحساب بسيط فإن تكلفة خدمة هؤلاء فقط تبلغ 7 ملايين دولار في كل يوم.

وكان الجيش الإسرائيلي مؤخراً قد أوقف استدعاء جنود الخدمة الاحتياطية بسبب عدم توفر أموال لتمويل خدمة هؤلاء. ومن المؤكد أن حساب استدعاء هؤلاء ليس مدرجاً على الموازنة وسوف يطالب به الجيش في أقرب فرصة.

ولكن، كما التعويضات، فإن تكلفة خدمة جنود الاحتياط هي مجرد نقطة في بحر المصروفات. فهناك تكلفة إطلاق صواريخ «تامير» في منظومة «القبة الحديدية» لاعتراض الصواريخ المنطلقة من غزة، وهناك أيضاً تكلفة الطائرات والمروحيات والبوارج الحربية، وهي تكلفة تصل يومياً إلى مئات ملايين الشواكل.

وبحسب ما هو معلوم، فإن تكلفة القتال العسكري في حرب لبنان الثانية كانت تقدر بـ 350 مليون شيكل (100 مليون دولار) يومياً.

وفي الحرب الإسرائيلية على غزة في العام 2009، والمعروفة باسم «الرصاص المسكوب» كانت التكلفة اليومية 170 مليون شيكل (50 مليون دولار). ومن المؤكد أن تكلفة الحرب اليومية حالياً أعلى بكثير من تكلفة حرب الرصاص المسكوب اليومية.

وللعلم، فإن تحليق طائرة حربية يكلف 15 ألف دولار في كل ساعة، في حين أن تكلفة تحليق طائرة من دون طيار تبلغ 1500 دولار في الساعة. أما المروحية فتبلغ كلفة تحليقها 5 آلاف دولار في الساعة. ومعروف أن تكلفة كل بطارية من منظومة «القبة الحديدية» تبلغ 60-80 مليون دولار، وتكلفة كل صاروخ اعتراض 40-50 ألف دولار.

وخلافاً للاعتراضات قرب عسقلان وغلاف غزة، فإن القبة الحديدية في تل أبيب والقدس تطلق صاروخي اعتراض لكل صاروخ فلسطيني بهدف ضمان إصابته.

ولكن كل هذا غيض من فيض الخسارة التي تقع على القطاع الخاص. فقد أشارت صحيفة «كلكليست» الاقتصادية مثلا إلى أن صناديق الائتمان الإسرائيلية خسرت حوالي مليار شيكل في اليومين الأخيرين. وهناك الأضرار التي أصابت قطاع الصناعة نتيجة غياب العمال عن أعمالهم وعدم الوفاء بمواعيد التسليم. وقد ألزم وزير الاقتصاد نفتالي بينت عمال ميناء أسدود الذي يتعرض للقصف الصاروخي من غزة بمواصلة العمل حتى لا تلحق أضرار كبيرة بالصادرات. كما ألزم بينت عمالاً في مصانع خاصة وحيوية بالتواجد في أماكن عملهم تحت كل الظروف.

وطلب بينت من المسؤولين في وزارة المال والجهاز المصرفي الامتناع عن المساس برجال الأعمال الواقعين ضمن مدى إطلاق الصواريخ.

وفي كل حال، شكلت غرف الصناعة والتجارة الإسرائيلية غرفة عمليات لتقليص الأضرار. ويتعلق الأمر بمحاولة حماية 500 مصنع تقع في دائرة 40 كيلومتر من غزة.