خبر مواسم المقاومة.. مواسم الفرح ..نايف السلمي

الساعة 12:46 م|10 يوليو 2014

أعطى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر تعليماته لجيش الاحتلال بتصعيد العدوان على غزة. وبينما دعا رئيس السلطة الفلسطينية إلى التهدئة ووقف التصعيد، أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة التصدي للعدوان ومواجهة العدو، وكأنها تقول إن استجداء التهدئة لا يرد العدوان، ولا يدحر العدو.

كثيراً ما كانت المجالس الوزارية لإسرائيل منبر إعلان الحروب على العرب، وكانت الحكومات العربية منبر الإعلان الدائم عن خيار السلام الاستراتيجي!
في كل حرب تتكرّر على القطاع المقاوم، تتابع الجماهير العربية العمليات العسكرية النوعية التي تُفاجئ بها المقاومةُ العدو، وقد راكمت الاعتداءات الإسرائيلية السابقة خبرات المقاومة القتالية، وزادت من صلابتها وقدرتها على التصدي لعربدة إسرائيل، بينما تتابع معظم الأنظمة العربية هذا المشهد بحنق وغيظ كبيرين.

المقاومة في غزة هي التي ألجأت إسرائيل إلى فك الارتباط مع غزة في 2005، ومنذ ذلك العام، ولا حل دائم وأكيد لدى المؤسستين العسكرية والسياسية الإسرائيليتين للإشكال المزمن مع هذا القطاع، وقد تمنى أحد كبار الساسة الإسرائيليين أن يستيقظ فيجد غزة قد غرقت في البحر. في الحقيقة، كان يتمنى أن تختفي المقاومة من العالم المحيط به. الأمن هو غاية إسرائيل الأولى، بعد وجودها، والإخلال بأمنها يعني الإخلال بوجودها، والمقاومة فقط هي مَن يجتثّ هذا الأمن الأسطوري. لذلك، المقاومة هي القلق الأول على هذا الوجود.

أما في الصحافة العربية، فقد صرنا نلحظ امتلاءها بأدبيات ضد المقاومة وصواريخها التي لا تقهر العدو، ولا تنصر المظلوم، وكأن المشكلة لديهم هي في درجة قوة المقاومة وفعاليتها وقدرتها على إلحاق الضرر بالعدو. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الواجب على هذه الصحافة أن تُهاجم وتدين الأنظمة العربية التي تمنع المقاومة أن تكون أقوى، وأن تُثخن في العدو أكثر، بدلاً من أن تهاجم فعل المقاومة ذاته.

لا يعرف مثقفو هذه الصحافة وكتّابها أن المقاومين لم يكونوا نشازاً عبر التاريخ، ولا شذوذاً يجب تعديله. المقاومون هم البشر الطبيعيون، حين يتم الاعتداء عليهم. الفرنسيون ضد ألمانيا، الروس ضد ألمانيا، الفيتناميون ضد أميركا، الجزائريون ضد فرنسا، الليبيون ضد إيطاليا، الصينيون ضد اليابان، البوسنيون ضد الصرب، الشيشان ضد الروس... هذا تاريخ مَن تعرضوا للظلم، كانت المقاومة تاريخهم، أما مَن قَبِل الظلم ودان المقاومة، فقد محاه التاريخ، أو لطّخه بالعار الأبدي. النشاز والشذوذ الغريب أن تخرج من كل هذا، لتتدثّر بثوب زائف من العقلانية والرشد.

لا تعرف هذه الصحافة أن تُنصف العرب، إلا حين يرتدون ثوب الضحية، لا يُقاوم شعب ويتمرد على العدوان، وهو يرتدي ثوب الضحية. لذلك، تتنكر هذه الصحافة للشعب، حين يرتدي ثوب المقاومة. المقاومة لا ترتدي ثوب الضحية، ثوب الضحية ليس ثوب المقاومين. ثوب المقاومين هو ثوب الكفاح والقوة والشهامة والمروءة والثقة... ومَن يتعاطف مع المقاومة لا يفعل ذلك بدافع إنساني، بل يساندها بدافع الشعور بالواجب وتحمل المسؤولية والبحث عن الكرامة والشرف وموقف التاريخ. المقاومة لا تحتاج إلينا، بل نحن مَن نحتاج إليها لنكون. المقاومة موقف في الحياة ضد الظلم والحيف والشر والعدوان والمهانة والضعف، وإدانتها انحياز للظلم والحيف والشر والعدوان والمهانة والضعف.

المقاومة انحياز للكرامة، على الرغم من الألم، المقاومة كره للظلم، على الرغم من الوجع. لذلك، النظام الرسمي العربي، مهما اختلفت أجزاؤه، فإنها تتفق في معظمها على كره المقاومة وشيطنتها والعمل على محاصرتها، لأنه نظام ظلوم. والمقاومة حرب على الظلم والحيف والشر والعدوان والمهانة والضعف. وهذا النظام الرسمي العربي يريد مواطنين يستجدون حقوقهم ولا ينتزعونها، والمقاومة تنتزع ولا تستجدي. وبذلك، تكون قلقاً وجودياً على النظام الرسمي العربي.

المقاومة ليست برنامج تنمية، نقوم بها، لكي نتلقى علاجاً أفضل، أو نركب سيارات جديدة، أو نتلقى تعليماً أرقى... هذه كلها ملحقاتٌ نطاردها في الحياة، في أية حياة. المقاومة هي ما يجعلنا نحيا الحياة آمنين من مرارة الظلم، ومن عار التاريخ. بها نستعيد ذواتنا أمام ذواتنا، وننجو من ابتلاع الآخر لنا. بها نستعيد فعلنا الواعي المبرر. الإنسان هو كائن الفعل الواعي، والظلم مبرّر ردّ الظلم، والظلم تردّه المقاومة. المقاومة اليوم ترصّ الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة والداخل بشكل غير مسبوق، وتجمع العرب حول ذاتهم، وتعزل جيوب التسوية والاستسلام، وتُعرّي خياراتها. إنه رمضان الكريم. مواسم المقاومة. مواسم الفرح.