خبر القدس: يوميات الانتفاضة الثالثة ..حسام غوشة

الساعة 09:36 م|07 يوليو 2014

لم نعش يوماً - نحن مواليد الانتفاضة الأولى في القدس - حذراً كالذي نعيشه اليوم. ولم نمشِ يوماً في شوارعنا (بما فيها المستوطنات) ونحن نتلفتُ حولنا. صحيح أننا عايشنا الكثير من المواجهات التي راح ضحيتها المئات كمجزرة الحرم الإبراهيميّ وانتفاضة الأقصى وغيرها، كما شهدنا عشرات الاعتداءات من قبل المستوطنين، لكننا في النهايّة لم نخف يوماً، وكنّا نثق بصحبتنا ورفاقنا أو حتى بحائطٍ إسمنتي يحمي لنا ظهورنا.

فالمُحتلّ جبان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سيفرُّ من أمامك لو لم يتمكنّ من غدرك، ما عليكَ إلّا أن تسبقه بخطوة، خطوة واحدة؛ هكذا تربينا وهكذا علمتنا التجارب، فصرنا نسرح ونمرح في قدسنا "المُوحدّة" ونجد في شقّها الغربيّ ما "يسرُّ" نظرنا و"الخاطر" متساهلين مع ثوب الأسرلة الذي تخيطه لنا الحركة الصهيونيّة حتى ظُنَّ أننا سنرتديه لا محالة.

استيقظنا صباح الأربعاء الماضي (2 تموز) على صوت المروحيّات تقطَّع صوت المؤذن وهي تحوم في سماء بيتنا في شعفاط، لم تحضر جرافات البلديّة لتستكمل اقتلاع الزيتونات الخضراء لتستبدلها لاحقاً بإسفلت أسود يليق بالمستوطنات التي سرقت مراعي غزلاننا من كل جانب. وكان النبأ أن المستوطنين خطفوا طفلاً من الحيّ وأحرقوه حياً بعد أن نكَّلوا بجثمانه في أحراش دير ياسين. تبدّلت أوراق الرزنامة المعلّقة على الحائط لتسجّل التاسع من نيسان/ أبريل 1948 في نفس المكان، وربما هي الصنوبرات نفسها من شهدت أبشع المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونيّة بحق الشعب الفلسطيني في قرية دير ياسين بهدف إرهاب الناس وإرغامهم على هجر قراهم خوفاً من الوقوع في يد التتار الجدد.

لم تستسلم الضحيّة، توحّدت الأعمار عند الخامسة والعشرين كما الشمس في بطن السماء، واستقرّت عند بيت عائلة الشهيد محمد حسين أبو خضير. ومن المكان الذي اختطف منه قبل ساعات ثارت ثورتهم على كلّ ما يمتّ للاحتلال بصلة، حتى وفد السلطة الفلسطينيّة - التي يتغنى رئيسها بقدسيّة التنسيق الأمني مع الاحتلال - طُرد من المكان. وفي كرّهم وفرّهم نحو الجنود المختبئين خلف مدرعاتهم عند آخر الشارع، أُعلنت المنطقة والأحياء المحيطة ببيت الشهيد بعفويّة تامّة تحت السيطرة الشعبية الفلسطينيّة، وفي دقائق مُسحت محطات القطار الخفيف التي تمرّ بالمنطقة عن الوجود وخُلعت السكك والأعمدة من مكانها، ليُفشل الشبّان أحد أهم أهداف القطار الخفيف التي وضعتها بلديّة الاحتلال لتطويع المدينة وما تبقى من سُكّانها بوصل مستوطنات "شرقيّ القدس" بـ"مركز المدينة" وغربها ويكبِّدونها ملايين الدولارات من الخسائر، ولتصدح الحناجر "من شعفاط طلع القرار من عِنّا ما في قطار".

عشرات الإصابات بالرصاص المطاطيّ طال بعضها عدداً من الصحافيين الذين استُهدفوا بشكل مباشر.

حلّت ساعة الإفطار، ولم نشعر بنقص العدد، فالناس تتدفق إلى شعفاط دون توقّف رغم إغلاق معظم مداخلها، وكانت الفتوى قد جاءت منذ الصباح الباكر بجواز الإفطار للشبّان طالما أنهم في ساحة المواجهة. وعلّق أحدهم مازحاً: "يلي بدو يشرب ميّ يضرب بأقل تقدير سطل حجار حتى لا يؤثم على إفطاره".

غابت الشمس وأضاء الرّب هلاله، بينما أطفأنا نحن أهلتنا حداداً على شهيدنا الفتيّ. ووجهنا ألعابنا الناريّة شُهباً أرضيّة صينيّة الصنع باتجاه عدونا، وأعدنا لمستوطنيه زجاجات الكوكاكولا بالسكَّر والبنزين مذيلة بفتيلٍ مشتعل من ثوب الأسرلة لتخيب ظنونه. لم ننم ولن نتركه لينام، وعلى قول شجرة الصنوبر الشامخة في دير ياسين المنتظرة عودتنا نضحك ونتشاكس في ظلِّها "الحذر واجب يا ستي".