خبر ثلاث جبهات تواجه إسرائيل واحتمالات التوسع ..حلمي موسى

الساعة 12:59 م|07 يوليو 2014

بدت إسرائيل في نهاية الأسبوع الفائت في حيرة شديدة من أمر نفسها، ولا تعرف إن كان عليها التقدم أم التراجع. فالوضع يكاد يفلت من بين الأيادي ليس الإسرائيلية وحسب، وإنما أيضا الفلسطينية وأيادي الجوار القريب. والموضوع تحول من قصة عقاب هنا وهناك إلى قصة انتفاضة ثالثة في الضفة ومناطق 48 أو مواجهة عسكرية شاملة مع قطاع غزة أو الأمرين معا. وربما ان هذا ما دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بحثّ من المؤسسة العسكرية، لاختيار سبيل التوقف أو ما سمي بسياسة «الاحتواء» لمنع الأمور من التفاقم.

وليس صدفة والحال هذه، أنه بعدما بدا للكثير من الإسرائيليين أن المسألة الفلسطينية تتآكل، سواء بسبب فقدها حاضنتها العربية جراء الانشغال بالذات أم بسبب الصراعات الداخلية جاءت الهبة من القدس لتنتشر في مناطق 48، وتأكد الجميع من أن نار الوطنية الفلسطينية لم تخب. فالقدس المكلومة بالصمت الجارف من محيطها البعيد لم تجد وسيلة للتعبير عن غضبها سوى الهبة التي سرعان ما وجد فلسطينو 48 فيها هبتهم أيضا فاندفعوا للمشاركة فيها. فمحمد أبو خضير بدا لكل المقيمين في «أحشاء الوحش» تحت الاحتلال المباشر ابنا لكل واحد منهم شكل اختطافه وحرقه تعبيرا عن مخزون معاناتهم. ولاحظ كثيرون الغياب غير المبرر من جانب السلطة الفلسطينية بل وضعف التحرك في مواطن سيطرتها.

من جانبها كانت غزة، والسلطة فيها، تعيش بين نيران الضائقة والحصار ومجابهة العدوان والتضامن مع القدس ونزفها. ورغم التنازلات التي اضطرت حماس لتقديمها ضمن ما سمي اتفاق المصالحة وحكومة الوفاق إلا ان الضائقة والحصار تواصلا. لكن أحداث القدس ومناطق 48، وفرت لحركة حماس، خصوصا، فرصة للتعلق بأمل أن تكون أحداث القدس مقدمة لانتفاضة شاملة. لذلك، ورغم الإعلانات المتكررة عن المصلحة في استمرار التهدئة، استمر إطلاق الصواريخ والمجازفة باحتمالات التصعيد. لكن هذا كان، في نظر قيادة حماس، ثمنا معقولا يمكن عبره اصطياد عصفورين بحجره. فمن ناحية يصعب على المقاومة أن تلتزم الهدوء بينما الهبة متواصلة في القدس وسواها، ومن ناحية أخرى يتيح التصعيد إمكان تحريك بركة العلاقات الراكدة مع السلطة في رام الله أو تبريد العلاقات المتوترة مع الحكومة المصرية.

والواقع أن إشارات كثيرة دللت على أن أحداث الأسبوع الفائت في الضفة والقطاع قادت الأميركيين إلى التدخل ودفعت كلا من الأردن ومصر إلى عرض مساعي الوساطة كل في جانب. فاستقرار الوضع سواء في الضفة أو القطاع صار مصلحة مشتركة لكل هذه القوى منفردة أو مجتمعة. إذ يصعب على مصر والأردن الحفاظ على علاقات مميزة مع إسرائيل، خصوصا في الجانب الأمني، مطلوبة بشكل أكبر تحديدا في ظل الوضع الإقليمي، إذا اندلعت مواجهة شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة. ويصعب على السلطة الفلسطينية في رام الله تحمل حرب إسرائيلية على القطاع من دون تدخل، خلافا لما حدث العام 2009 في حرب «الرصاص المسكوب». كما أن إسرائيل لا تخفي خشيتها من وضع قطاع غزة في اليوم التالي لأي حرب شاملة مع حماس في قطاع غزة وترى خطر تواجد القاعدة ملموسا.

وفي هذه الحال ثمة أهمية كبيرة لما نشرته «هآرتس» عن قول رئيس الموساد، تامير باردو بأن النزاع مع الفلسطينيين وليس المشروع النووي الإيراني هو التهديد المركزي على الأمن القومي الإسرائيلي. ومن الجائز أن الإفصاح عن هذه الحقيقة الآن يعبر أكثر من أي وقت مضى عن الضائقة التي تعيشها الاستراتيجيا الإسرائيلية التي حاولت طوال الوقت البحث عن مخاطر جديدة من دون سعي إلى حل المعضلة الأساس. ويبدو هذا القول خطيرا جدا حينما يتم ربطه بطبيعة الائتلاف الحاكم في إسرائيل الذي بذل ويبذل كل جهد للحيلولة دون تسوية تاريخية تقوم على حل الدولتين.

وكما كان الحال مع بدايات انتفاضة 1987 وحمى انتفاضة الأقصى عام 2000 يعيش الإسرائيلي اليوم شعورا بأن حرب 1948 لم تنته بعد. لكن ما كان ممكنا فعله العام 1948 يصعب فعله اليوم حيث يبقى الفلسطينيون على أرضهم حتى رغم إعلان أفيغدور ليبرمان أن من يتظاهرون لا يستحقون أن يكونوا ضمن حدود دولة إسرائيل. لكن التصريحات الحادة من جانب ليبرمان ووزراء أقل أو أشد تطرفا لا تغير من واقع الأمر شيئا وهو أن إسرائيل ستبقى تعيش على حرابها وأنه مثلما تعذر عليها صنع سلام مع «مواطنيها» العرب على أرضهم سوف يتعذر جدا أن تصنع السلام مع الفلسطينيين في مناطق «السلطة» سواء في غزة أم الضفة.

بن كسبيت لخص في «معاريف الأسبوع» هذا الوضع بقوله: «السلام لن يكون في جيلنا، على ما يبدو، فماذا سيكون؟ ثلاث جبهات تهددنا حاليا مع احتمال التوسع: جبهة غزة، جبهة شرقي القدس، جبهة عرب إسرائيل. وعلى الخط يصعد الشباب في هضبة الجولان والرفيق نصر الله».

هنا لا يبقى فعلا أمام إسرائيل إلا فعل ما تدعي أنها تجيد فعله طوال الوقت وهو إدارة الأزمة والصراع وليس العمل على حلها. قد يختلف نفتالي بينت مع «سياسة الاحتواء» التي ينتهجها الجيش حاليا لكن هناك من يتهمه، مع المتطرفين أمثاله، بتمهيد التربة لما يجري من «احتراق البيت».