خبر تنظيم « جباية الثمن » نفذ الجريمة تحت حماية نتنياهو ..د. محمود محارب

الساعة 12:56 م|07 يوليو 2014

يعرف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وقادة الأجهزة الأمنية والشرطة الإسرائيلية منذ اليوم الأول من ارتكب جريمة خطف الفتى الفلسطيني محمد حسين أبو خضير من أمام بيته في شعفاط ومن ثم حرقه وهو حي، فوق أطلال قرية دير ياسين التي يطلق عليها الإسرائيليون "جفعات شاؤول". توجد في المكان الذي جرت فيه جريمة الخطف الكثير من الكاميرات الثابتة. وبحوزة حسين أبو خضير، والد الشهيد، العديد من مقاطع الفيديو التي يظهر فيها بوضوح المجرمان وهما يقومان بجريمة الخطف، وبالإمكان التعرف عليهما وتشخيصهما. وقد أعطى حسين أبو خضير نسخا من هذه المقاطع للشرطة الإسرائيلية، والتي من المفترض أن تكون لديها مقاطع كثيرة  أخرى من الفيديو من الكاميرات المثبتة على طول سكة القطار التي تسير على طول الشارع الرئيسي في شعفاط، إلى جانب الكاميرات المثبتة على الكثير من الدكاكين في المنطقة. لقد عرض لي حسين أبو خضير غداة يوم الخطف هذه المقاطع عدة مرات من جهاز هاتفه وهو يشير إلى المجرمين الاثنين وهما يسيران نحو ابنه محمد ثم يتحدثان معه عدة جمل ويقومان بخطفه إلى السيارة التي كانت بانتظارهما.

لا أدري كيف يأتي حسين أبو خضير بهذه القوة وبهذا الصبر والصمود. تعرفت على حسين منذ سنوات طويلة وبيته لا يبعد عن بيتي سوى بضعة مئات من الأمتار وله دكان للأدوات الكهربائية يقع في الشارع الرئيسي في شعفاط، ويساعده في العمل فيه أبناءه وكان من بينهم الشهيد محمد. وهو انسان خلوق بكل المعايير وكان دوما لا يلاقني إلا مبتسما وسائلا بين الفترة والأخرى: إلى أين تسير الأمور في هذه الدنيا. لقد قلبت جريمة الخطف والقتل كل الدنيا هنا.

يدرك نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل أن جريمة الخطف والقتل هذه ليست عملا فرديا عشوائيا، وأن من نفذ هذه الجريمة هو تنظيم "جباية الثمن" الذي بدأ نشاطه الإرهابي في عام 2008 ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم في المنطق المحتلة، ثم سرعان ما امتد نشاطه الإرهابي ليستهدف أيضا الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. ويدرك نتنياهو كذلك أن تنظيم "جباية الثمن" وأنصاره وجمهوره الواسع يتبنون فكراً عنصريًا عدوانيًا يستند إلى الكراهية البهيمية للعرب الفلسطينيين، ويدعو إلى طردهم  من فلسطين أو قتلهم، وإلى زيادة وتعزيز الاستيطان اليهودي في الضفة الفلسطينية المحتلة والإسراع في تهويدها وضمها إلى إسرائيل. وإلى أن تتم عملية طرد الفلسطينيين أو قتلهم، يدعو ويعمل تنظيم "جباية الثمن" إلى تحويل حياة الفلسطينيين إلى حالة من الصعوبة التي لا يمكن تحملها من جراء بطش المستوطنين وجيش الاحتلال بهم. ويتنافس منظرو وقادة تنظيم "جباية الثمن" في دعواتهم وطرح أفكارهم العلنية المنادية بطرد الفلسطينيين أو قتلهم.

ويشمل هذا جباية الثمن بداخله مجموعة من الحركات السياسية الصهيونية والتشكيلات السياسية – الدينية اليهودية المتواجدة بكثافة في المستوطنات الضفة الفلسطينية المحتلة ولها امتدادات في داخل الخط الأخضر، وهي: حركة كاخ المحظورة قانونيا منذ سنة 1994، ولكن رغم ذلك ظل قادتها وكوادرها ينشطون ويعملون وكأن تنظيمهم ليس محظورا، ونشطاء من أتباع حزب "البيت اليهودي" ومن الأحزاب الصهيونية اليمينية واليمينية الفاشية الأخرى ومن شبيبة التلال وكذلك حاخامات ونشطاء من التيار "الديني – القومي" الصهيوني، وحاخامات ونشطاء من التيار الديني اليهودي الحريدي وخريجو وطلاب المدارس الدينية اليهودية (اليشيفوت) المنتشرة في المستوطنات في الضفة الفلسطينية المحتلة وفي داخل الخط الأخضر.

ويستدل من كثافة وانتشار مساحة عمليات تنظيم "جباية الثمن" التي جرت منذ تأسيسه وحتى اليوم، ومن نوعية أهدافه وكيفية قيامه بعملياته، ومن التقارير التي تنشر عنه، أنه تنظيم سري له قيادة مركزية سرية تقوده وتوجه نشاطاته وعملياته الإرهابية وتحدد أهدافه بدقة. وقد أشار تقرير لجهاز المخابرات العامة الإسرائيلية (الشاباك)، جرى تسريبه لصحيفة هآرتس في أيلول (سبتمبر) 2011، إلى أن نشطاء تنظيم "جباية الثمن" باتوا يعملون في خلايا ومجموعات صغيرة محكمة التنظيم والسرية وأن بعض هذه الخلايا والمجموعات تراقب القرى والتجمعات الفلسطينية في الضفة الفلسطينية المحتلة وتجمع المعلومات عنها وعن طرق الوصول إليها وطرق الهرب، بعد تنفيذ العمليات ضدها. وأشار التقرير إلى أن هذه العمليات والنشاطات التي يقوم بها تنظيم "جباية الثمن" هي في حقيقة الأمر عمليات إرهابية. وقد أوصى قادة جهاز المخابرات الإعلان عن التنظيم تنظيما ارهابيا بعد أن قام ببعض العمليات ضد قوى من اليسار الصهيوني وحركة "سلام الآن"، وذلك من أجل منح جهاز الشاباك صلاحيات واسعة تمكنه من رصد ومراقبة ومكافحة واعتقال نشطاء وقادة هذا التنظيم الإرهابي وتقديمهم للمحاكمة. بيد أن نتنياهو رفض بشدة حتى الآن الإعلان عنه تنظيما ارهابيا. ويبدو أن صفقة ما غير رسمية  قد جرى التوصل إليها بين جهات في السلطة الأمنية- السياسية الإسرائيلية وقيادة "جباية الثمن" لتركيز عملياتهم ضد الفلسطينيين فقط.

وهناك شبه إجماع بين المحللين الإسرائيليين أن نشاط تنظيم ""جباية الثمن" ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، يحظى بدعم مجمل المستوطنين وقطاعات واسعة للغاية في صفوف المجتمع الإسرائيلي ولا سيما في صفوف أنصار اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي، وكذلك يتمتع بدعم أو بتشجيع أو بحماية أو بتساهل من قبل، جميع أذرع الحكم في إسرائيل وفي مقدمتها: الحكومة والجيش والشرطة والادعاء العام والمحاكم الإسرائيلية. ورغم آلاف الاعتداءات التي قام بها تنظيم "جباية الثمن" ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم ومزروعاتهم ومقدساتهم وبيوتهم فلم تقدم إسرائيل مرتكبي هذه الاعتداءات والجرائم للمحاكمة، وذلك رغم أن الذين قاموا بهذه الاعتداءات والجرائم- قادة وكوادر وأعضاء ومنفذين- معروفون لأجهزة الأمن الإسرائيلية.   ومن الواضح أن متخذي القرارات في إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نتنياهو وقطاعات واسعة في المؤسسة الأمنية – السياسية الحاكمة في إسرائيل حريصة على الحفاظ على تنظيم "جباية الثمن" من أجل القيام بمهام قمعية إجرامية بحق الفلسطينيين التي من المحرج أمام الرأي العام أن تقوم بها القوات الرسمية العسكرية والأمنية التابعة للدولة. وهذه الظاهرة معروفة لدى الدول الاستعمارية والقمعية. فكثيرا ما تلجأ الدول الاستعمارية والأنظمة القمعية إلى دعم أو تأسيس تنظيمات شبه عسكرية وشبه سرية التي تساعد الدولة الاستعمارية والقمعية وتعمل جنبا إلى جنب معها في تحقيق أهدافها في التحكم والسيطرة على الشعب الواقع تحت احتلالها أو سيطرتها، وتقوم بالقمع والبطش وبارتكاب الجرائم التي من المفضل لأسباب كثيرة ألا ترتكبها قوات وأجهزة الدولة الرسمية. وهذا بالضبط ما يقوم به تنظيم "جباية الثمن" في المناطق المحتلة وفي داخل الخط الأخضر ضد الفلسطينيين. فهو يشكل رأس الحربة والطليعة المقاتلة للحكومة الإسرائيلية وللمستوطنين ولليمين ولليمين الفاشي الإسرائيلي في السطو والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها وفي البطش بالفلسطينيين والتنكيل بهم وإذلالهم لإخضاعهم ولكسر إرادتهم في مقاومة الاحتلال والظلم.

منذ الاعلان عن خطف المستوطنين الثلاث زاد المسؤولون الإسرائيليون وقادة اليمين واليمين الفاشي الإسرائيلي وفي مقدمتهم قادة المستوطنين وكذلك وسائل الاعلام الإسرائيلية من وتيرة التحريض العنصري ضد العرب الفلسطينيين. ووصل هذا التحريض العنصري المنهجي والمنظم إلى ذروته عند الاعلان عن العثور على جثث المستوطنين المخطوفين الثلاث. فقد انفلتت حملة تحريض فاشية رسمية وغير رسمية ضد العرب الفلسطينيين دعا فيها قادة ونشطاء من الأحزاب اليمينية واليمينية الفاشية إلى جانب حاخامات كثر إلى الانتقام وقتل العرب وطردهم من فلسطين. وجابت المظاهرات الواسعة مدينة القدس الغربية والعديد من المدن الإسرائيلية الأخرى وهي تهتف الموت للعرب، وطاردت العرب في هذه المدن واعتدت عليهم. وفي هذا الجو الفاشي المشحون بالعنصرية وبالدعوة العلنية والمباشرة بقتل العرب والمدعوم علنا من الكثير من المسؤولين الإسرائيليين قام تنظيم جباية الثمن بتنفيذ جريمة خطف وحرق الفتى محمد أبو خضير وهو حي. ورغم أن مرتكبي الجريمة معروفون، فصورهم واضحة وبالإمكان التعرف عليهم بسهولة، لا زالت الحكومة الإسرائيلية تدعي أن مرتكبي هذه الجريمة غير معروفين.

ضرورة لجنة تحقيق دولية

تشكل هذه الجريمة مرحلة مفصلية جديدة وتصعيدا خطيرا في النشاط الارهابي الذي يقوم به تنظيم جباية الثمن. وإذا لم يتم التصدي له فمن المتوقع أن يستمر تنظيم جباية الثمن الارهابي في نهجه الجديد في القتل لا سيما وأن نهجه الجديد هذا يحظى بتأييد ودعم  من قوى اليمين واليمين الفاشي الإسرائيلي الذي يقود الحكومة الإسرائيلية.  ومن الضروري العمل بشكل سريع على تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جريمة خطف وحرق محمد أبو خضير وفي جرائم تنظيم جباية الثمن الإرهابي ضد الفلسطينيين وفي علاقة هذا التنظيم الإرهابي بالحكومة الإسرائيلية.