خبر ثمن الخسارة يمنع الانتفاضة التالية الى الآن -هآرتس

الساعة 09:58 ص|06 يوليو 2014

ثمن الخسارة يمنع الانتفاضة التالية الى الآن -هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: ما زال حماس تطلق الصواريخ على اسرائيل عن فرض أن نتنياهو يخشى المواجهة العسكرية، وقد أضيف الى ذلك الاحداث في البلدات العربية في الداخل وفي شرقي القدس، فهل نحن على أبواب انتفاضة ثالثة؟ - المصدر).

 

مبادرة سلام امريكية بدأت بأمل ما وانتهت الى خيبة أمل عامة؛ وقتل مزعزع لاسرائيليين على أيدي فلسطينيين؛ وموت ولد فلسطيني ينشيء موجة غضب عارم في المناطق وفي داخل الخط الاخضر؛ وشباب عرب اسرائيليون يتلثمون ويخرجون لرشق سيارات جيرانهم اليهود بالحجارة في الشوارع المجاورة؛ وتجنيد واسع في الشرطة لمحاولة لجم العنف – إن توالي صور الايام الاخيرة يهييء غير قليل من المصادر للمقارنة بالاسابيع الحرجة الاولى بين اواخر ايلول ومنتصف تشرين الاول من سنة 2000 حينما انطلقت الانتفاضة الثانية. فليس من المفاجيء أن تعود نفس اللغة المبتذلة شيئا ما للاستعمال.

 

هل نشهد الآن بخلاف المخاوف التي ظهر وهمها في 2011 و2013، هل نشهد بداية الانتفاضة الثالثة؟ الجواب السهل هو أن قول ذلك ما زال سابقا لأوانه فالتاريخ لا يكرر نفسه بدقة.

 

توجد اشياء كثيرة تغيرت بين سنة 2000 وسنة 2014. فقبل 14 سنة لم تكن حماس تحكم قطاع غزة ولم تكن تملك آلاف الصواريخ القادر بعضها على اصابة غوش دان. ومن جهة اخرى كان ياسر عرفات الذي كان يحتال بلا صعوبة بين الحديث عن السلام وتشجيع الارهاب، كان يقود الفلسطينيين في حين يتبرأ وريثه محمود عباس حقا وصدقا من استعمال الارهاب. وأهم فرق هو في ثمن الخسارة. إن سنوات الانتفاضة الثانية الخمس التي اعتيد أن تحدد بين صعود شارون الى جبل الهيكل والانفصال عن غزة جبت ثمنا باهظا ضخما من الشعبين. وبرغم احداث الايام الاخيرة، وبرغم عدم وجود حل سياسي، ما زالت ذكرى تلك الايام منقوشة نقشا عميقا نسبيا. وكان يكفي ذلك في جولات تصعيد سابقة لمنع اشتعال طويل. لكن الامر هذه المرة ما زال غير واضح تماما.

 

كان يبدو قبيل نهاية الاسبوع وقتا قصيرا أنه يمكن أن يفرض وقف اطلاق النار مرة اخرى بين اسرائيل وحماس على حدود القطاع. وفي يوم الخميس اعلنت اسرائيل أنها تمنح حماس فرصة لوقف اطلاق النار، وأما "الهدوء سيُرد عليه بالهدوء". ووردت الانباء أول أمس بتعجيل الوساطة المصرية. هاجم سلاح الجو في الحقيقة القطاع ردا على اطلاقات الصواريخ الاخيرة، لكنها كانت الى الآن هجمات محددة لم توقع جرحى.

 

بدأ اطلاق القذائف الصاروخية من القطاع يقوى كثيرا بعد خطف الفتية الاسرائيليين الثلاثة في غوش عصيون في 12 حزيران وبلغ ذروته في الاسبوع الماضي. فيجب على اسرائيل أن تتفحص امكان أنه يجري هنا مسار أعمق هو مسار انهيار تدريجي للتفاهمات التي أُحرزت بعد عملية "عمود السحاب" في القطاع في تشرين الثاني 2012. كانت السنة ونصف السنة اللذان تليا العملية الاهدأ على حدود القطاع منذ اكثر من عشر سنين. وقد حسن الهدوء الامني النسبي شعور السكان في بلدات غلاف غزة، بالأمن وأحدث هناك ايضا زخما اقتصاديا كبيرا. وكان لوقف اطلاق النار مرساتان رئيستان هما الردع الاسرائيلي لحماس التي اضعفت اضرار العملية الاخيرة سيطرتها على القطاع، والتهديد المصري في الاساس لقيادة المنظمة.

 

إن الانقلاب العسكري في القاهرة قبل سنة بالضبط جاء بالجنرالات الى الحكم وهم الذين لا يبغضون حماس فقط ويرونها ذراعا خطيرة لمن يكرهونهم، أعني الاخوان المسلمين، بل يتعاونون مع اسرائيل من وراء الستار. وقد فقدت المنظمة ايضا الدعامة القوية التي هيأتها لها حكومة الا خوان في القاهرة واستطاعت بموازاة ذلك تقريبا أن تشاجر راعيتها الاخرى ايران بسبب التنديد المعلن الذي صدر عنها على المذبحة التي ينفذها نظام الاسد في سوريا في معارضيه السنيين. وقد خنقت غزة تحت ضغط اسرائيل ومصر لكن حماس خشيت أن توجه العمل على اسرائيل. وقد تغير شيء ما في معادلة الردع في الاسبوع الاخير الذي اشتغلت فيه خلايا حماس علنا باطلاق قذائف راجمات الصواريخ على البلدات الاسرائيلية المجاورة للحدود (واطلقت منظمات اصغر قذائف صاروخية).

 

إن تفسير هذا الاجراء له صلة على الخصوص بالازمة الاستراتيجية التي دفعت المنظمة اليها. فقد كادت السلطة الجديدة في القاهرة تقطع تماما صناعة التهريب في الانفاق وفرضت قيودا قاسية على استعمال الفلسطينيين لمعبر رفح. ووقعت حماس مرغمة على اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، لكن أملها في أن تخلصها السلطة من الازمة الاقتصادية خاب الى الآن، فلم ينجح رئيس السلطة عباس بالحصول على دعم اقتصادي من قطر للقطاع، وبقي عشرات آلاف العاملين في حكومة حماس في القطاع بلا أجور، وزاد النقص في المحروقات ويطول انقطاع الكهرباء الى 12 ساعة كل يوم. وقد حطم رجال حماس في الاسبوعين الاخيرين عشرات آلات الصرف في غزة كي لا يستطيع العمال الموالون لفتح والذين ما زالوا يتلقون أجورا من رام الله، كي لا ينجحوا في سحب مالهم.

 

يبدو أن التقدير الرئيس وراء استمرار حماس على اطلاق النار هو أمل أن يمكن ضمان انجازات نقطية من اللاعبتين الاخريين في المواجهة (مصر والسلطة الفلسطينية)، كتسهيل الحركة في معبر رفح وضمان دفع الرواتب، عوض وقف اطلاق النار.

 

وتقوم في الخلفية ايضا قضية الخطف في غوش عصيون. كان اختطاف الفتية الاسرائيليين بحسب ما هو معلوم الى الآن، كان في الاساس مبادرة محلية من خلية لحماس في الخليل. لكن القيادة الغزية أملت أن تكسب منها وأن تستخرج بها تفاوضا للافراج عن سجناء عوض مخطوفين أو جثث، يعرض مرة اخرى مزايا طريق الكفاح المسلح. لكن عثور الجيش الاسرائيلي على الجثث سلب حماس الانجاز المحتمل. فبقي لها من وجهة نظرها الاستمرار على اطلاق الصواريخ آملة أن

 

تستخلص انجازا ما. وعلى حسب تحليل حماس، تخشى حكومة نتنياهو مواجهة عسكرية في القطاع ولهذا يمكن الاستمرار على الضغط. لكن قيادة المنظمة اخطأت في معرفة نوايا رئيس الوزراء حتى في الاسبوع الذي سبق عملية "عمود السحاب". وقد كلفها ذلك الخطأ آنذاك ضربة قاسية نسبيا من اسرائيل واغتيال رئيس الذراع العسكرية للمنظمة احمد الجعبري. ويجب على اسرائيل من جهتها أن تأخذ في حسابها محاولة حماس مفاجأة عسكرية كعملية في داخل النقب أُحبط امثالها عدة مرات في السنوات الاخيرة.

 

إن الميدان المقلق الثاني يتصل بالاحداث في القدس وتأثيراتها في عرب اسرائيل وفي الوضع في الضفة الغربية. إن تحقيق الشرطة في قضية قتل الفتى من شعفاط، محمد أبو خضير، يميل كما يبدو الى اتجاه القتل القومي على أيدي يهود لكنه لم يصل الى استنتاجات حقيقية بعد. ولا يعني ذلك كثيرا الجمهور في شرقي القدس الذي قاد أمس اعمال شغب جماعية بعد جنازة الفتى. وإن الشعور بأنه نشأ هنا دوار اعمال انتقام مستقلة خطير جدا. على أثر جنازة الفتية الاسرائيليين الثلاثة شغب جمهور يهودي في مركز القدس وفي صباح الغد قتل الفتى أبو خضير في ظروف لم تتضح بعد.

 

في نهاية الاسبوع هاجم مشاغبون عرب سائقين يهودا في مظاهرات في شوارع المثلث، ونشر ملثمون سكة القطار الخفيف في شرقي القدس. وكانت المظاهرات في المثلث أعنف ما شوهد في داخل الخط الاخضر منذ بضع سنين. وستضطر الشرطة الى الاستمرار على نشر قوات معززة في القدس وقرب بلدات عربية خشية أن يشتعل العنف مرة اخرى. واذا كان يوجد عزاء صغير في احداث نهاية الاسبوع فهو أن الشرطة استطاعت أن تجتاز المواجهة دون إحداث خسائر في الارواح بين المتظاهرين في القدس.