خبر تصفية الشتات الفلسطيني بصمت .. أيمن خالد

الساعة 11:21 ص|05 يوليو 2014

حتى قناة الجزيرة التي رأى فيها الفلسطينيون الصديق الذي نقل معاناتهم في فلسطين للعالم، وغيرها من منظومة الاعلام العربية والحديث هنا عن العرب، كلهم سكتوا عما يحدث لفلسطينيي الشتات، أمام صورة الوقائع اليومية المؤلمة، فثمة شعب بأكمله يفر من جغرافيا العرب للوصول الى شاطئ الأمان الأوربي، هي رحلة فيها الموت كبيراً وصارخاً، ما لا يمكن اغفاله، وبالتأكيد فيصل قاسم لن يستطيع عمل حلقة – اتجاه معاكس- لأنه سيحتار من سيحضر من الضيوف ومن أي دولة سيختار متحدثا يقدر أن ينفي ذلك ويقول ان العرب عروبيون فعلا مناصرون لفلسطين وأن الفلسطينيين يتوهمون.
لعل في قصة الطفلة اسراء عيد ذات التسع سنوات من – مخيم خان الشيح- والتي غرق والدها امام ناظرها قبالة الاسكندرية خير مثال على ذلك ، فالقراصنة الأولون أغرقوا الزورق وذبحوا قسماً من الهاربين عبر البحر واخذوا نقودهم، والقراصنة اللاحقون أنقذوا الطفلة وبعض الناجين واعتقلوهم معاً بعد ان نزعوا عنهم حتى الملابس الثمينة وبقية ما يملكون، هذه الطفلة روت لي وكأنها دراما غير واقعية، فقد مكثت ليلة في الماء مع الجثث وكان السمك يأكل وجه احد الرجال الغرقى امامها وهي تصرخ وتذود بيديها عن نفسها، فلو ان الطفلة وصلت الى الطرف الاخر من القارة لاستقبلها رئيس الدولة هناك، ولكن لأنها فلسطينية وفي دولة عربية، يتم سجنها شهرا.
ليست اسراء وحدها بل الاف الفلسطينيين يغامرون بأطفالهم في رحلة البحار وهناك أطفال كثر غرقوا ولم نعلم عنهم شيئاً، هناك قارب اخذ مجموعة كبيرة من الأطباء واخرين غيرهم لم يصلوا الى الطرف الاخر. هي رحلة أصبحنا نقوم بها باعتياد، نرسل الأطفال في زوارق الموت اسوة بما فعلت أم موسى عليه السلام، التي ارادت ان يفر من فرعون لينجوا من الموت، ونحن استعرنا القصة، فبتنا نضع أطفالنا في زوارق الموت بغية ان يهربوا من فراعنة العرب، وعندما يصلون الى أوروبا، هناك تفعل الإنسانية دورها فيشفقون علينا ويعملون ما هو معروف بلم الشمل.
لم الشمل هذا لم نحصل عليه منذ عام 1948 داخل الدول العربية المتنافرة ذاتها، وبالطبع يفر الفلسطينيون لأن المخيمات استعارت قصة يونس عليه السلام، فكثير من مخيماتنا في قلب الحوت، ويقضمها رويداً رويدا، ولكن هذا الحوت العربي لا يهدأ ولا نجد أيضا شجرة يقطين تحملنا اذا قذفنا الفك العربي القاتل، وفي القصة أيضا نستعير تجربة أيوب عليه السلام، فنجوع ونعرى ونتألم ولكننا لا نجد مغتسلا يحملنا الى الراحة، ونزيد على الجوع جوعاً وفقرا، فقصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ما هو معروف بالحصار في شِعبِ ابي طالب، وقصة الأَرَضَة المعروفة، فنحن لا نجد أَرَضَة تفك افك العرب. فهم أكلوا أوراق الأشجار حتى تشدقت شفاههم ونحن زدنا عليها في مخيماتنا بأن اكلنا أوراق الصبار، لنضيف لقاموس الكون ان الفلسطينيين أكلوا حتى أوراق الصبار من الجوع. وأما الصليب فلم ننزل عن الصليب بعد.
إسرائيل هجّرت الفلسطينيين ولكنهم خرجوا كعائلات وقرى كاملة، بينما هجرتنا اليوم هي فريدة من نوعها، لأن الأسرة الواحدة، كأصغر مكون انساني في الكون باتت هذه الاسرة ممزقة، فلم تعد مأساتنا ان نعيد شعبا لأرضه، ولا لاجئين لمخيمهم، ولكن الاسرة الصغيرة، نحن والأطفال والابناء لا نعلم كيف يمكن ان نلتقيهم ذات يوم، فكل هجرات الكون لها معايير محددة الا هجرة الفلسطينيين، فنحن قلنا لأولادنا لحظة وداعهم اذهبوا وابحثوا عن الحياة، لأننا فعلا لا نعلم الى أي مصير يذهبون، ولكنه الواقع المر الذي يجعل الفلسطيني يودع فلذة كبده ويطلب منها ان تذهب الى المجهول، لأن ذلك المجهول ارحم من العرب.
هجرة بهذا الحجم تذكرني بقصة الفلسطينيين العالقين في تونس او بين تونسوالبحر، أوبين الجزائر وتونس أوبين لبنان ولبنان، فنحن قبل ثورة تونس كنا ندخل تونس، لكننا اليوم مصدومين لأن مفكري الامس من علمانيين وإسلاميين فهؤلاء الحكماء كانوا يحسنون الكلام ولكنهم عندما أصبحوا حكاماً أصبحوا سلاطين.
ما أصعب المشهد للشتات الفلسطيني إذا كانت وعود النخبة بهذا الحجم، وما أقسى الأيام القادمة إذا كان القادة الفلسطينيون لديهم ما يشغلهم، فقد تحولت قضيتنا في نظر القادة إلى جمعية خيرية تجمع التبرعات لموظفي غزة والضفة فقط، وعلى الشتات أن يبحث عن شتات آمن.
كاتب فلسطيني