خبر كلنا مذنبون .. هآرتس

الساعة 09:45 ص|04 يوليو 2014


بقلم: حيمي شليف

(المضمون: . نتنياهو ليس مذنبا، ولا وزراءه أو رفاقه في الرأي، مهما كانوا متحمسين: نحن المذنبون. نحن فقط. اليهود في إسرائيل مع اخوانهم في المنفى؛ اولئك الذين يغمضون عيونهم على مشاهد رهيبة، يغلقون اذانهم لسماع هتافات الموت المخيفة، يستوعبون التحريض تجاه الفلسطينيين ويرون في الانتقاد الذاتي دليل ضعف إن لم يكن خيانة  - المصدر).

القمصان البنية، الـ اس – ايه، فتحوا حملة العربدة التي قاموا بها في 9 اذار 1933. "كثيرون، بدا معظمهم يهودا، تعرضوا أمس للاعتداءات في شوارع برلين واسقطوا على الأرض. واصيب بعضهم بشدة. ولم يتبقَ للشرطة غير حمل الجرحى عن الارضية ونقلهم الى المستشفيات"، هكذا أفادت "مانشستر غارديان" في الغداة، "القمصان البنية ضربوا اليهود الى أن تلطخت وجوههم وأذرعهم بالدماء". وولتر غيسلنغ كتب في مذكراته: "أمام ناظري، طارد الجنود الهجوميين، والزبد في افواههم كالحيوانات المفترسة، شخصا ما وجلدوه في وضح النهار".

وأني اقدر بان معظمكم بدأتم بالغضب حتى قبل أن تنتهوا من قراءة الجملة السابقة. "كيف يتجرأ على مقارنة أحداث فردية باعشاب ضارة مع المانيا النازية"، تتذمرون، "هذا استخفاف رهيب بالكارثة". انتم محقون، بالطبع، غير أن ليس لدي نية في أن اقارن او أن اجد خطوط شبه متوازية. أبواي فقدا معظم عائلتيهما في الحرب العالمية الثانية. ولا ينبغي لاحد أن يقنعني بان الكارثة هي الجريمة النكراء في تاريخ الإنسانية، وبالتأكيد في العصر الحديث: فهي صنف بحد ذاته، حتى مقارنة بحالات اخرى من قتل الشعب.

ولكني يهودي، وكيهودي – وبالتأكيد كمن خلفت تجربة الكارثة لابويه ندبة عميقة فيه – فثمة مشاهد تحز لي في الذاكرة الجماعية، وان كنت لم اكن ولدت عندما وقعت. عندما أرى كتائب عنصرية يهودية تركض في شوارع القدس تهتف "الموت للعرب"، ويعثر افرادها على عرب حسب ملابسهم، منظرهم او لهجتهم، فيطاردوهم في وضح النهار، و"يزبدون كالحيوانات المفترسة"، ويضربوهم قبل ان تصل الشرطة – فان التداعي يكون شبه تلقائي. هذا هو التفكير الاول الذي يأتي في رأسي. وحسب علمي، هذا يفترض أن يكون التفكير الاول الذي يأتي في رأس كل يهودي.

اسرائيل 2014، بمساوئها، ليست في ذات الكون الذي كانت فيه برلين في 1933، فالحكومة لا تشجع اعمال الزعرنة والقتل، والتي يسمونها لسبب ما "اخذ القانون في الايدي". وهي لا تتصرف كالنازيين في الاشهر الاولى بعد استيلائهم على الحكم الى أن بدأ مواطنو المانيا الشكوى من الاضطرابات في الشوارع ومن الضرر الإعلامي والاقتصادي. وأنا مستعد لان أفترض بان الشرطة تفعل كل ما في وسعها كي تعتقل قتلة الفتى الفلسطيني. اصلي كي يتبين بان القتل لم يرتكب بدافع قومي. ولكننا كلنا نعرف: عصبة الزعران اليهود ليست شاذة. ليس هذا انفجارا لمرة واحدة لغضب لا يمكن التحكم به في أعقاب الجريمة النكراء لاختطاف ثلاثة الفتيان وقتلهم. فالعنصرية المتزمتة لا توجد في فراغ. هذه ظاهرة تنتشر من الهوامش الى اجزاء كبيرة في المجتمع، وهي تتغذى بمشاعر الظلم، الضحية، مشاعر الدون وكذا ايضا التفوق؛ ويطورها سياسيون وكُتّاب – بعضهم صادقون، بعضهم انتهازيون – ملوا الديمقراطية وضعفها. وهم يتطلعون الى إسرائيل، وكيف نقول ذلك برقة، اسرائيل الشعب الواحد، الدولة الواحدة، ولاحقا، الزعيم الواحد ايضا.

شهدنا في الايام الاخيرة صفحة فيسبوك تدعو الى الثأر على قتل الشبان الثلاثة، والتي حظيت بالاف الاعجابات ومئات الدعوات لتصفية العرب بصفتهم هذه. صفحة مشابهة تروج لاعدام اليساريين المتطرفين اجترفت عشرة الاف اعجاب مع اقتراحات عملية مشابهة. وكل يوم يتلوث المجال العام بالمعقبين الذين ينفثون السم، وفيهم نوع من العنصرية مع دعوات التشجيع للتدمير، القتل وقتل الشعب.

الى هذه العربة تسلق ايضا نواب، منتخبون من الشعب، يغطون التحريض الذي على ألسنتهم بآيات من التوراة يحثون على "الثأر" والتعاطي مع اعدائنا مثلما مع العمالقة. ديفيد روبين، الذي يعرف نفسه رئيس بلدية شيلو السابق، كان اكثر صراحة بقليل – ففي مقال نشره بالانجليزية في موقع القناة 7 كتب يقول: "العدو هو عدو، والطريق الوحيد للانتصار في الحرب هو تصفية العدو، دون التعاطي أكثر مما ينبغي مع مسألة من هو الجندي ومن هو المدني. نحن اليهود سنوجه دوما قنابلنا قبل كل شيء الى اهداف عسكرية، ولكن لا حاجة لان نشعر بالذنب عندما نخرق سكينة الحياة، نجرح أو نقتل مدنيي العدو، الذين يكاد يكون جميعهم مؤيدي فتح وحماس".

فوق كل هؤلاء يحوم بنيامين نتنياهو ووزراؤه، الذين يثابرون على وصف النزاع بتعابير مطلقة من الخير والشر؛ يعرفون الاعداء ككارهين من الولادة، محكومين لان يكون قتلة، مصنوعين من جبلة ارهابية واحدة؛ ممن لا يبدون ابدا ذرة فهم أو رحمة لملايين الاشخاص الذين يعيشون منذ نحو نصف قرن تحت الاحتلال، ويطورون عن عمد الاحساس بان العالم ضدنا ولهذا فمسموح كل شيء؛ ويفتحون هكذا، رويدا رويدا بوابات الجحيم.

هناك من يستخلص استنتاجا موحدا بين اجواء التحريض التي بعد اتفاقات اوسلو والوضع اليوم، ويدينون في الحالتين نتنياهو: وهم يجدون أوجه الشبه بين الخط الذي ربط ميدان صهيون مع ميدان ملوك اسرائيل، والخط بين الخطاب لمناهض لفلسطين واندلاع وباء العنصرية. ولكن هذا حل سهل اكثر مما ينبغي، ومغلوط ايضا. نتنياهو ليس مذنبا، ولا وزراءه أو رفاقه في الرأي، مهما كانوا متحمسين: نحن المذنبون. نحن فقط. اليهود في اسرائيل مع اخوانهم في المنفى؛ اولئك الذين يغمضون عيونهم على مشاهد رهيبة، يغلقون اذانهم لسماع هتافات الموت المخيفة، يستوعبون التحريض تجاه الفلسطينيين ويرون في الانتقاد الذاتي دليل ضعف إن لم يكن خيانة.

وفي هذا المكان فان المقارنة سارية المفعول بالفعل: القول الشهير لادموند باراك، "كل ما هو مطلوب كي ينتصر الشر هو الا يفعل الاخيار شيء"، كان صحيحا في برلين في بداية الثلاثينيات، ومن شأنه أن يكون صحيحا في اسرائيل اليوم ايضا. اذا واصل الاخيار الا يفعلوا شيئا، فان الشر سينتصر، ولن يستغرق هذا زمنا طويلا.