خبر نتنياهو يكبح اندفاعه خوفاً من تداعيات جريمة شعفاط

الساعة 07:56 ص|03 يوليو 2014

قادت حملة الكراهية الواسعة التي تشنّها السلطات والأحزاب الإسرائيلية إلى أول عملية انتقام بالدم من صبي فلسطيني في حي شعفاط في القدس الشرقية المحتلة ثأرا لمقتل المستوطنين الثلاثة.
وهددت هذه العملية والأجواء المرافقة لها بإفلات الأمور من بين أيدي قوات الاحتلال التي حاولت بعد العربدة العسكرية والاستيطانية الأولى ضبط التحركات. وقد حمّلت السلطة الفلسطينية إسرائيل مسؤولية إحراق الصبي الفلسطيني بعد اختطافه، وطالبت الأسرة الدولية بالتدخل لحماية الشعب الفلسطيني من البطش الإسرائيلي.
وفي إطار الخشية من عدم القدرة على السيطرة على الأوضاع رفض الجيش الإسرائيلي التراجع عن موقفه بشأن كبح الاندفاعة نحو التصعيد، خصوصا في قطاع غزة، فهو يشعر بأن التصعيد غير المدروس مع القطاع كفيل بالتدحرج إلى حرب واسعة، وهي تتطلب أموالا واستعدادات غير متوفرة حالياً.
وقد انضم إلى محاولات التهدئة زعيم المعارضة العمالية اسحق هرتسوغ الذي شدّد على وجوب "ألا تسمح إسرائيل للمتطرفين، لا من طرفنا ولا من الطرف الفلسطيني، بإملاء جدول الأعمال". وشدّد على أن "المتطرفين من الجانبين يحاولون جرّنا جميعاً إلى دائرة دموية، لكن معظم المجتمع اليهودي والعربي يتحفّظ إزاء ذلك، ويريد العيش بسلام".
لكن الأقلية التي يتحدث عنها هرتسوغ باتت في الواقع غالبية في المجتمع الإسرائيلي، وهذا ينعكس في تركيبة الائتلاف الحكومي وموقع اليمين المتطرف فيها من ناحية، وفي مواقف الآلاف من الجنود والشباب الإسرائيلي الداعي إلى الثأر. واعلن متحدث عسكري ان الجيش سيتعامل "بحزم" مع الجنود الذين يظهرون على شبكات التواصل الاجتماعي رافعين شعارات عنصرية تدعو الى الثأر لمقتل الاسرائيليين الثلاثة.
وقد حاول اليمين عبر عقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغّر بشكل يومي على مدار الأيام الثلاثة الأخيرة تغيير الوجهة، وتصعيد الموقف ضد غزة بشكل أساسي. لكن الاجتماع الأخير مساء أمس، اضطر إلى مناقشة تطورات الوضع في القدس الشرقية بعد حدوث هبّة تهدد بالتحول إلى انتفاضة في أرجاء الضفة الغربية. وقد طلب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي دعا في البداية للتصعيد، من وزرائه إلى ضبط تصريحاتهم، والكف عن إطلاق التهديدات وتسريب ما يجري من مداولات.
ومن الجائز أن تطورات الهبّة الفلسطينية في القدس الشرقية أشعرت حتى المتطرفين داخل حكومة نتنياهو بأن الوضع أخطر من تركه يفلت من بين الأيادي. وواضح أن حالة الكراهية المعبّر عنها في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والصور التي تنشر، لم تعد تخدم الدعاية الإسرائيلية التي حاولت استغلال مقتل المستوطنين. فاختطاف الصبي الفلسطيني وإحراقه، كأضعف الإيمان، لا يقل بشاعة في نظر العالم، عن اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة. وهو في نظر كثيرين، وليس بالضرورة فلسطينيين، أبشع، لأنه يصدر عن جهة قوية تملك كل أدوات التنكيل وتمارسها بشكل مباشر، وليست بحاجة لممارسة عنف بشكل غير مباشر أيضا.
وقاد العنف الإسرائيلي المباشر، وغير المباشر، إلى إجبار السلطة الفلسطينية على مطالبة نتنياهو إلى إدانة اختطاف وقتل الصبي الفلسطيني بالطريقة نفسها التي دانت فيها اختطاف المستوطنين الثلاثة. وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحكومة الإسرائيلية "بالعمل فورا، واتخاذ التدابير الفعلية لوقف اعتداءات المستوطنين ووقف قتل الفلسطينيين" بعد أن بلغ عدد الشهداء المدنيين منذ مطلع حزيران 15 شهيداً.
واضطر نتنياهو لنشر نبأ اتصاله بوزير الأمن الداخلي اسحق أهرونوفيتش، وطلب منه بذل كل جهد للتحقيق في من يقف خلف قتل الصبي الفلسطيني. لكن في الوقت، الذي وجّهت فيه إسرائيل الاتهام لفلسطينيين محددين باختطاف المستوطنين الثلاثة، تعمد ادعاء أن خلفية قتل الصبي الفلسطيني غير معلومة، وأنها تجري تحقيقا في الأمر. ودعا نتنياهو "كل الأطراف إلى عدم أخذ القانون بيدها، فإسرائيل هي دولة قانون، والجميع ملزم بالعمل وفق القانون".
ولكن، وخلافا لتحقيقات الشرطة الإسرائيلية بشأن اختطاف المستوطنين، حيث لم يكن هناك طرف خيط فإن اختطاف الطفل الفلسطيني تم أمام الناس، وجرى الإبلاغ عن قيام ثلاثة شبان يهود باختطافه. لكن الشرطة الإسرائيلية، كعادتها، تعجز عن حل أي لغز يتعلق بالمستوطنين، حتى بعد العثور على جثة الصبي.
وفي كل حال فإن التخبط لا يزال سيد الموقف في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر. والجيش الإسرائيلي ينشر أرقاما كبيرة عن أعداد المعتقلين في الضفة الغربية، وعن عدد المؤسسات التي أغلقت في إطار ضرب البنى التحتية لحركة "حماس"، على أمل أن يقلّل هذا من الحماسة للتصعيد العسكري. وفي كل حال يبدو أن الميل للتصعيد مع قطاع غزة يتراجع في الظروف الراهنة رغم استمرار إطلاق الصواريخ. وقد تلاشت تقريبا دعوات "السور الواقي 2" في الضفة الغربية، كما تلاشت الدعوات لإعادة احتلال قطاع غزة، والتي تصدر بشكل مناوب عن وزراء "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا".
وبالعموم أصبح نتنياهو، وهو يحاول جلاء طريقه في ظل هذا التخبط، يتحدث عن ثلاث مهمات، أولها الوصول إلى قتلة المستوطنين ولكل من شارك في الاختطاف، "لا يهم أين يحاولون الاختفاء، سنصل إليهم حتى إذا تطلب الأمر وقتا". والمهمة الثانية هي "أن نضرب وبشدة إناس وبنى حماس في يهودا والسامرة (الخليل)... أما الهدف الثالث فهو العمل ضد حماس في قطاع غزة".
ورغم اتهام الجيش من جانب جهات يمينية بعدم القيام بكل الأمور، إلا أن نتنياهو أكد أن الجيش يعمل و"إذا برزت الحاجة لتوسيع المعركة فسنفعل". أما وزير الدفاع موشي يعلون فشدد على أن الجيش يواصل الرد على إطلاق الصواريخ من غزة "لكن هذا هو الوقت، كما دائما، للتصرف بمسؤولية واتزان وحكمة وعقل، والتفكير من الرأس وليس من البطن، وأن نكون صابرين".