خبر المصالحة الفلسطينية بين التجميد والانهيار ..هاني المصري

الساعة 12:31 م|01 يوليو 2014

المصالحة مجمّدة ومهددة بالانهيار لأنه منذ تشكيل الحكومة لم يطبق أي بند من بنودها. ولا يتوقف الأمر على ما سبق، بل إن الحكومة لم تقم بواجبها إزاء قطاع غزة على كل المستويات والمجالات، وليس ما يتعلق برواتب موظفي حكومة «حماس» فقط. وقد اقتصر ما حدث حتى الآن على تسلم الوزراء لوزاراتهم ممن سبقهم، ما ترك فراغًا تتصاعد الدعوات لملئه، وصلت إلى حد تحذير موسى أبو مروزق من اضطرار «حماس» إلى العودة لحكم غزة، ودعوة النائب عن «حماس» يحيى موسى وزراء حكومة التوافق إلى الاستقالة الجماعيّة لرفع الغطاء عن الرئيس عباس وحكومته.

كما لم يتحرك الملف الأمني قيد أنملة، بما في ذلك البند الخاص في «اتفاق القاهرة» بإعداد ثلاثة آلاف عنصر أمني (ألف لكل من الشرطة والأمن الوطني والدفاع المدني)، ولا تمت مرابطة الحرس الرئاسي على المعبر والحدود لكي يفتح المعبر أمام المسافرين ذهابًا وإيابًا. وعند التعمق في أسباب التباطؤ نجد أنها تتعلق بعدم وضوح الاتفاق على مهمة هذه القوات وعلاقتها بالأجهزة الأمنيّة العاملة في غزة، التي تدين بالولاء لـ«حماس»، وتلك التي استنكفت عن العمل بعد الانقسام، وليس واضحاً كيف ستعود إلى العمل في ظل وجود الآلاف الذين حلّوا محلهم طوال السنوات السبع الماضية.

هناك تفسير تبسيطي يربط تجميد المصالحة بالعدوان الشامل الذي شنته القوات المحتلة بذريعة عمليّة الخليل، بينما هذا العدوان يفترض الإسراع في استكمال إنهاء الانقسام، وليس الخضوع لمطالب حكومة نتنياهو التي لا تنفك تطالب بإنهاء المصالحة.

ما يجري يتعلق بعدم وضوح ما اتفق عليه، وبالنواقص التي تعتريه، وبالخلافات الكبرى حول مضمون وتفسير الاتفاق، كما أنه وثيق الارتباط باعتبار طرف أن المصالحة طريق لعودة السلطة إلى قطاع غزة من دون شراكة وطنيّة لا مع «حماس» ولا مع غيرها، على اعتبار أن الوقائع التي حدثت أدّت إلى إضعاف «حماس» بما يمكّن من هزيمتها وليس احتواءها، ولو اقتضى الأمر تجاوز بنود «اتفاق القاهرة» الذي تم التوقيع عليه في مرحلة صعود الإسلام السياسي، ممثلاً بـ«الإخوان المسلمين»، الذين تعتبر «حماس» امتدادًا لهم، ونعيش اليوم في مرحلة سقوطهم.

الدليل على ما سبق أن تشكيل الحكومة جرى عمليًّا بالتشاور كما كانت تنص عليه الورقة المصريّة بصيغتها الأولى، وليس بالتوافق مثلما نصّ «اتفاق القاهرة». كما أن الرئيس توعّد «حماس» باتخاذ موقف إذا ثبتت مسؤوليتها عن عمليّة الخليل، وسط إشارات وتصريحات من مصدر مسؤول، بأن هذا الموقف سيكون إنهاء اتفاق المصالحة معها، لأنها تريد الحفاظ على التهدئة في غزة وتفجير الوضع في الضفة.

أما الطرف الآخر الذي تمثله «حماس»، فتعامل مع المصالحة بمرونة شديدة، لأنه يريد أن يتخلص من عبء الحكومة التي لم تصرف رواتب موظفيها كاملة منذ ثمانية أشهر، كما أنه يهدف من خلال المصالحة إلى الحفاظ على سيطرته الفعليّة على قطاع غزة من دون حكومة، وإلى تفعيل المجلس التشريعي ولجنة تفعيل المنظمة، واستكشاف إمكانيّة فتح معبر رفح، وتغيير العلاقات بينه وبين مصر بعدما وصلت إلى مرحلة العداء، إلى حين تغيّر الظروف مرة أخرى في مصر والمنطقة لمصلحة «الإخوان المسلمين». وإذا لم يتحقق له ما أراد أو جزء أساسي منه، فلماذا يحافظ على المصالحة؟

المصالحة الوطنيّة ينبغي أن تستجيب لمصالح الشعب وليس لمصلحة فصيل أو فصيلين. أما المصالحة الفصائليّة فتعني المحاصصة، ولن يهب الشعب لإنقاذها. لذلك نرى حالة من عدم الاكتراث من الشعب حول مصيرها.

المصالحة المطلوبة غير ما يجري حاليًّا، وتتطلب اتفاقًا على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وعلى الأهداف الوطنيّة الأساسيّة وكيفيّة تحقيقها، وشراكة حقيقيّة من خلال قيام سلطة واحدة تتنازل فيها «حماس» و«فتح» عن سلطتيهما لمصلحة سلطة تخضع للمصلحة الوطنيّة وإعادة بناء «منظمة التحرير»، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وتكون قادرة على أن تكون قولًا وفعلًا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

إذا ثبت أن «حماس» هي المسؤولة عن عمليّة الخليل، فإنها بذلك بعثت برسالة إلى الجميع بأنها في أزمة نعــم، ولكنها تملك ورقة المقاومة التي يمكن أن تعيد خلط الأوراق كلها من خلال استخدامها، ويمكن أن تجعل حياة السلطة في الضفة صعبة ومحرجة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة شعبيّتها وتراجع شعبيّة الرئيس و«فتح»، ما يعني أن المطلوب إشراك «حماس» وإعطائها مخرجًا وليس إخراجها من دون شيء، ولا الخضوع للشروط والإملاءات الأميركيّة والإسرائيليّة.

لا يستطيع الرئيس أن يلوم «حماس» إذا ثبتت مسؤوليتها عن عمليّة الخليل، لأن اتفاق المصالحة لم يحقق لها أي شراكة، ولم يتضمن اتفاقًا على البرنامج السياسي، حيث فسّر الرئيس ذلك بالقول إن برنامج حكومة الوفاق برنامجه، أما «حماس» فقد فسّرت ذلك بأن الحكومة حكومة وفاق وطني وبلا برنامج سياسي، وأن الاتفاق يتيح لها العودة إلى تفعيل خيار المقاومة.

إن ما حدث حتى الآن، سواء من خلال تجميد اتفاق المصالحة عمليًّا تحت وطأة تغليب المصالح الفئويّة والضغوط الخارجيّة، أو التهديد بإنهائه، يبرهن بشكل لا لبس فيه أنه لا مصالحة حقيقيّة من دون مضمون سياسي واضح ومتفق عليه يجيب، على الأقل، عن أسئلة المقاومة والمفاوضات.

فلا يكفي القول بعد أن أوصلتنا المفاوضات إلى الكارثة التي نحن فيها، بأنها من اختصاص المنظمة، وأن ما يتفق عليه يُعرَضُ على استفتاء لتمرير المفاوضات العقيمة والضارة التي جرت وتلك التي يمكن أن تجري. بل يجب الاتفاق على أسس ومرجعيات وأهداف المفاوضات، ومتى يمكن المشاركة فيها ومتى يمكن رفض ذلك بشكل حازم.

ولا يكفي الاستناد إلى أن المقاومة حق وواجب (وهذا صحيح تمامًا، فالمقاومة رافعة النهوض الوطني ولم تدمرنا) حتى يعطي كل فرد أو مجموعة أو فصيل لنفسه الحق في استخدامها كوسيلة لتحسين أوضاعه الداخليّة أو للدفاع عن النفس فقط أو ضد أي أهداف إسرائيليّة من دون أن تكون جزءًا من إستراتيجيّة ومرجعيّة وطنيّة مشتركة.

المفاوضات والمقاومة ووضع السلطة ومكانتها وكيفيّة التعامل معها بعد الحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينيّة، لا بد أن تندرج في إطار رؤية تستند إلى اتفاق على «ركائز المصلحة الوطنيّة العليا»، وترسم إستراتيجيات ومرجعيات وطنيّة مشتركة. فالوحدة تقوم على مواجهة المخاطر المشتركة، وعلى تنظيم الخلافات والتنافس في إطار الوحدة، فحتى الدول العريقة والمستقلة والقويّة تتحد في مواجهة العدو المشترك والمخاطر المشتركة، ومن دون الاتفاق على ذلك لن تقوم للفلسطينيين قائمة.