خبر الاسد بقي خيار أهون الشرور لاوباما -هآرتس

الساعة 09:56 ص|29 يونيو 2014

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: هل ترغب وتستطيع الولايات المتحدة تغيير الاستراتيجية، وبدلا من تعليق آمالها على المعارضة في سوريا و"المنظمات المعتدلة"، تتجه الى حوار متجدد مع الانظمة في سوريا، في العراق وفي ايران - المصدر).

 

أوضح الرئيس الامريكي براك اوباما في مقابلة مع شبكة "سي.بي.إس" خلاصة غياب سياسة له في سوريا: "فكرة أن بوسع المعارضة أن تسقط ليس فقط نظام الاسد بل أن تقاتل ضد الجهاديين المتوحشين والمدربين جيدا، فقط لو بعثنا لنا ببعض السلاح، هي فكرة مغرقة في الخيال". وعلى ما يبدو أن اوباما محق – فارسال "بعض السلاح" لـ "المعارضة المعتدلة" ما كان ليجدي نفعا، ولكن هذا لم يكن طلب المعارضة.

 

في هذه الاثناء تدور حرب اقليمية، ليست حربا تخوفت منها الادارة ولكن لعلها ضروس بقدر لا يقل. العراق، وليس سوريا، يعتبر التهديد الاستراتيجي بسبب الاحتلال السريع للمناطق السنية غربي الدولة من قوات مشتركة للقبائل السنية ونشطاء داعش.

 

لقد طلبت المعارضة في سوريا سلاحا نوعيا، صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات. وقد طلبت قبل سنتين ونصف تدخلا عسكريا أو على الاقل اقامة مناطق حظر طيران حماية للاجئين وللمناطق التي احتلتها. وطلبت من اوباما فقط أن ينفذ تهديده في الهجوم على النظام اذا تبين أن الاسد يستخدم سلاحا كيميائيا.

 

ولكن هذه المطالب تزحلقت على زجاج مبنى الامم المتحدة حيث سيطرت بيد عليا روسيا والصين، واصطدمت بجدران البيت الابيض حيث ثار خلاف شديد بين وزارة الخارجية التي أيدت التدخل العسكري والبنتاغون الذي عارضه. بين من كان قلقا من الحرب الاقليمية، التي من شأن ايران أن تكون شريكا فيها، وبين من رأى أمام ناظريه قتل الشعب الفظيع الذي جبى حتى الآن حياة أكثر من 160 ألف شخصا ونثر الى مهب الريح بأكثر من 3 ملايين لاجيء ونازح.

 

واذا كانت الولايات المتحدة انشغلت قبل بضعة اسابيع في أن تختار من أصل نحو دزينتين من المليشيات في سوريا، "المنظمات المعتدلة"، التي يمكن أن تعقد معها الصفقات، فلا معنى الآن لهذه الصفقات. فالاختيار آخذ في التقلص.

 

في الحالة السورية هذا اختيار بين تأييد جارف للاسد واللامبالاة. في الحالة العراقية، الاختيار هو بين ضغط عديم الجدوى على نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، كي يشكل حكومة وحدة تمنح السنة نصيبا مناسبا في الحكم، والتصريحات العليلة ضد داعش. هجوم أول أمس من سلاح الجو السوري في العراق وقتل 57 مواطنا، يوضح جيدا الى أين يتجه الاسد. فهو يرغب في أن يثبت للغرب، وبالاساس للولايات المتحدة، بأنه هو الزعيم الوحيد الذي يستطيع العمل ضد المتطرفين. ومقابل الغرب، فانه ليس مقيدا بقيود سياسية حيث أن ايران والعراق يتطلعان الى سحق داعش، ومقابل الاسد فهما لا يرغبان في أن يعلقا أو يثيرا حربا طائفية. ومع أن ايران بعثت بعدة وحدات صغيرة الى العراق لكنها ستمتنع عن حرب جبهوية ضد السكان السنة. لقد سبق للعراق أن أثبت ضعفه، وهو سيكتفي في المرحلة التالية بقيادة بغداد والمحافظات الشيعية في الجنوب. وأوضح المالكي أمس: "لم ندعُ الهجوم (السوري)، ولكننا راضون عنه". الاسد بصفته "رسول مكلف" هو بالتالي حل معقول، حتى من ناحية الولايات المتحدة. وهكذا يجري تعاون غير رسمي مع ايران، دون أن تضطر واشنطن الى التبشير عن تغيير في سياستها.

 

على الارض ينشأ ظاهرا واقع مفزع تبدو فيه داعش كمن تحتل دولا عربية وتصب منذ الآن أساسات لدولة بلا حدود. ولكن الواقع مختلف قليلا. في سوريا تسيطر داعش على اجزاء في شرق سوريا، وهذا الاسبوع استكملت المنظمة سيطرتها على معبر الحدود بين العراق وسوريا قرب مدينة البو كمال، وهكذا انتقلت اليها كل نقاط العبور بين الدولتين. وخلافا للعراق، تتعاون داعش في سوريا مع النظام بل وتبيعه النفط من حقول النفط قرب دير الزور. تقاتل داعش السورية ضد مليشيات اسلامية اخرى في سوريا، تلك التي يصعب على الاسد القضاء عليها، مثل جبهة النصرة التي "رسميا" تتفرع عن القاعدة.

 

لقد أدارت داعش حتى نهاية أيار معركة ضروس ضد جبهة النصرة، وكل محاولة للمصالحة بين المنظمتين فشلت. وعُلم هذا الاسبوع بأن جناح الجبهة في البو كمال أقسم الولاء لداعش في هذه المدينة واتفق الطرفان على أن تسيطر داعش في الجانب العراقي، وجبهة النصرة – في الجانب السوري. ولكن، لا يوجد يقين في أن هذه المصالحة تمثل كل الجبهة، وذلك لأنه في الاراضي السورية لا تزال المنظمتين تتقاتلان. وهذا فقط مثال واحد على الفوضى في المليشيات الاسلامية التي يتعاون بعضها مع الجيش السوري الحر الذي وإن كان ثبت نفسه في عدة مواقع، إلا أنه لا ينجح في العثور على مليشيا واحدة ذات مغزى يمكنها أن تدفع الى الامام التطلع الى اسقاط الاسد.

 

في المعارضة السياسية ايضا، التي تعمل خارج سوريا، الامور صعبة وتقف على شفا الانفجار. ففي نهاية الشهر سينهي رئيس "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة" احمد الجربا، ولايته. وأنتجت النزاعات الداخلية على الخليفة تبادل علني للاتهامات بين مندوبي الحركات التي تشكل الائتلاف. "الاخوان المسلمون" السوريون، العنصر الكبير في المعارضة، غاضبون من الجربا، لأنه تمنى النجاح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناسبة انتخابه. السيسي العدو اللدود للاخوان المسلمين، ولا يحتمل، كما يعتقد زملاؤهم السوريون، أن تهنئه المعارضة. وحقيقة أن السيسي يسمح للمعارضة بالعمل في مصر لا تعتبر في نظرهم سببا كافيا لتأييده. وفي نفس الوقت، أعلن معاذ الخطيب، رئيس المعارضة قبل الجربا، بأن ارسال السلاح للثوار سيزيد فقط سفك الدماء ولن يؤدي الى حل، في الوقت الذي يواصل فيه الجربا جهوده لاقناع الولايات المتحدة بارسال سلاح نوعي.

 

في واشنطن تنطلق اصوات تدعو الى اقامة ائتلاف سياسي بين الولايات المتحدة، ايران، العراق، سوريا وروسيا ضد داعش، التي أصبحت الآن العدو اللدود. وحسب تقارير مختلفة، يوجد منذ الآن تعاون استخباري بين ايران والولايات المتحدة، رغم أن ايران تعارض التدخل العسكري في العراق، بينما المعركة في سوريا بدأت تبدو هامشية، وأقل خطرا من المعركة في العراق. ولكن في العراق بالذات أوضح بعض من رؤساء القبائل السنة بأنهم مستعدون لمقاتلة داعش والقضاء عليهم اذا قامت حكومة جديدة.

 

المعارك بين أبناء القبائل في شمال محافظة الانبار وقوات داعش بدأت منذ الآن تحتدم في اليومين الاخيرين، وحسب تقارير من العراق نجح أبناء القبائل في قتل قائد داعش في المنطقة. ويُعد تنكرهم لداعش الأمل الذي تعول عليه الولايات المتحدة في خطواتها السياسية للي ذراع المالكي نحو اقامة حكومته في بداية تموز. ويصد المالكي الضغط حاليا، ولكن يحتمل أن يستجيب للمطالب مع ضغط ايراني. والسؤال هو اذا كانت الولايات المتحدة ترغب وتستطيع تغيير الاستراتيجية، وبدلا من تعليق آمالها على المعارضة في سوريا و"المنظمات المعتدلة"، تتجه الى حوار متجدد مع الانظمة في سوريا، في العراق وفي ايران.