خبر ما زالت القضية مليئة بالضباب بعد اختطاف الفتيان بأسبوعين - هارتس

الساعة 12:34 م|27 يونيو 2014

بقلم: عاموس هرئيل

 

(المضمون: ما زال الجيش الاسرائيلي و"الشباك" لا يملكان أدنى اشارة الى مكان وجود خلية حماس التي خطفت الفتيان الثلاثة وقد يستمر جهد البحث زمنا طويلا حتى بعد نشر إسمي المشتبه بهما - المصدر).

 

قبيل نهاية الاسبوع تحولت عملية "عودوا أيها الاخوة" الى نمط أسلم عقلا. لا يمكن أن نُعرف الحادثة نفسها بأنها "سليمة عقلا" – لأنه لا يوجد شيء طبيعي أو مقبول في اختطاف ثلاثة فتيان تحت جنح الليل حينما ركبوا سيارة عارضة – لكن علاج الدولة وأذرع الامن بل وسائل الاعلام للخطف أصبح أكثر منطقيا. فقد توقفت الامواج المفتوحة في الراديو والتلفاز من تلقاء نفسها وعاد الجيش الى اعمال تمشيط ترمي الى العثور على المخطوفين وكف عن عمليات الاعتقال الواسعة التي كانت لها صلة ضعيفة فقط بمصير الفتيان. بل توقفت المراسم اليومية من التصريحات للسماعات. وعبرت مضاءلة زخم العملية عن اعتماد مجدد على الجهد الاستخباري. إن الاستخبارات يمكن أن تفضي الى طريق جديد غدا في الصباح، لكن من الممكن أن يستمر الجهد وقتا طويلا، فقد حدثت وقائع اختطاف سابقة مرت شهور بل سنوات الى أن حُل لغزها.

 

يوجد تشابه ما بين خطف الفتيان في غوش عصيون وعمليات خلايا حماس التي خطفت جنودا من الجيش الاسرائيلي من شوارع جنوب البلاد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وقد مرت ثلاثة اشهر تقريبا الى أن تم العثور على جثة الجندي آفي ساسبورتس. وتأخر ايجاد جثة الجندي ايلان سعدون سبع سنوات. وسجنت اسرائيل رئيس الخلية محمد شراتحة وأُفرج عنه بعد 22 سنة بصفقة شليط. وقد عملت خلايا الخطف آنذاك كما هي اليوم في سرية وضبط للنفس شديد. وعرف قليلون فقط في الغلاف المساعد بكل تفاصيل العملية.

 

ليس التنبؤ المتعلق بالعملية الحالية متفائل بسبب الصعوبة الواضحة التي يلاقيها "الشباك" في الاتيان بالمعلومات ذات الصلة. قبل اسبوع تحدثوا في جهاز الامن بقدر كبير نسبيا من الثقة عن أن التحقيق "يلامس لب الخلية"، لكن يبدو أنه لم يحدث تقدم كبير منذ ذلك الحين. وأجاب ضابط رفيع المستوى سُئل عن تقديره للمدة المتوقعة لانهاء القضية: "قبل اسبوع كنت متفائلا وخاب ظني. وأنا الآن حذر".

 

إن انحصار اعمال البحث في منطقة الخليل يشهد على أن الباحثين يعتقدون أن الخلية كررت خطة خطف الجندي نحشون فاكسمان في 1994 حينما كان خطف بسيارة عارضة وبعده تحصن مع الرهينة في مكان خفي أُعد قبل ذلك في المنطقة نفسها. والسؤال هل فُحص بقدر كاف من العمق عن امكان آخر ايضا كأن يكون الخاطفون قد أسرعوا وخرجوا مع ضحاياهم من المنطقة مستغلين التأخير الحرج في بدء مطاردة قوات الأمن لهم.

 

تمتع "الشباك" في السنوات الاخيرة بصورة ممتازة عامة عنه حوفظ عليها برغم ما في ذلك من التناقض في الفترات التي هاجت فيها في اسرائيل العمليات الانتحارية ايضا. وتبينت محدودية المنظمة بعد ذلك حينما لم تنجح في الاتيان بالمعلومات الدقيقة عن مكان وجود جلعاد شليط الذي اختطف الى قطاع غزة في 2006. وفي الواقعة الحالية مر الى الآن اسبوعان فقط وما زال يُحتاج الى الصبر لا الى قفز متعجل الى استنتاجات قاطعة. ومع كل ذلك يُحتاج الى تحقيق دقيق في الظروف التي عملت فيها الخلية قبل الواقعة تحت أنف "الشباك" وفي تأخر العثور على الخلية بعد العملية.

 

أمس الخميس سمح "الشباك" بعد تأخر اسبوعين تقريبا بنشر اسماء المشتبه فيهما الاثنين بتنفيذ الاختطاف. والاثنان وهما مروان القواسمة وعامر أبو عيشة نشيطان معروفان في الذراع العسكرية لحماس في الخليل، فقد دخلا وخرجا من السجن الاسرائيلي في السنوات الاخيرة، وهذه الحقيقة تزيد في حدة فشل "الشباك". فهذه بالضبط هي النواة الصلبة التي يفترض أن تكون تحت رقابة الجهاز الدائمة. وإن استقرار الرأي على نشر إسمي المخربين المعروفين لوسائل الاعلام منذ عشرة ايام ايضا شهادة اخرى على أن جهود اعتقالهما لم تنتج أي تقدم الى الآن.

 

 ما زال الغموض الى الآن مفاجئا برغم الجهد الكبير. في قضية شليط فُسرت الفجوة الاستخبارية بعدم سيطرة اسرائيل على غزة، وزُعم أنه منذ اللحظة التي خرجت فيها اسرائيل من القطاع نهائيا بعقب الانفصال انخفضت القدرة على التغطية الاستخبارية وعرفت حماس السيدة في القطاع كيف تخفي الجندي المخطوف بعيدا عن عيني اسرائيل، لكن ما كان يفترض أن يحدث هذا في الضفة الغربية حيث راجت الفكاهة عن الفلسطيني الذي يحلم في الليل بأنه ينفذ عملية ويأتي "الشباك" في الصباح حينما يستيقظ فورا لاعتقاله. هل يمر اسبوعان دون أدنى اشارة خفية عن مكان المخطوفين أو الخلية؟ هذا أمر يستحق التعجب على الأقل. وقد يشهد على ضعف نقطي أو على توزع جهد "الشباك" الاستخباري في مناطق كثيرة جدا (منها غزة وسيناء)، وقد يشهد على فقدان التوازن بين الاعتماد على مصادر تقنية والاعتماد على مصادر بشرية. ولا يقل كل ذلك إقلاقا عن الخلل المثير للقشعريرة في مركز طواريء الشرطة والذي ما زالت الشرطة تقصف بسببه منذ اسبوعين.

 

في المرحلة الاولى بعد الاختطاف يكون للدولة هدفان وهما الحصول على علامة عن حياة المخطوفين وبدء اجراء تفاوض في صفقة في حين يُعدون ايضا للخيار العملياتي للتخليص. ونشك في أن يؤثر توجه العائلات الى الامم المتحدة هذا الاسبوع في الخاطفين ليُسلموا تفاصيل عن مصير الفتيان. إن تقدما كهذا يتعلق بتفاوض يحاول فيه الخاطفون ابتزاز أكبر قدر ممكن من التنازلات.

 

لم تنشأ الى الآن كما نعلم أية صلة بين الخلية واسرائيل. إن صفقة شليط أدت بالخاطفين بعدها الى استنتاجين الاول أن اسرائيل قابلة للضغط عليها والثاني أن الصبر مُجدٍ وأن الثمن الذي تكون اسرائيل مستعدة لدفعه بعد زمن يكون أكبر من الثمن في البدء. ويحاول رئيس الوزراء نتنياهو الآن أن يقلب الطاولة برفض مطلق معلن للتفاوض وبدفع قدما بمسار العملية العسكرية. وهذا موقف سيُفحص عن مبلغ التمسك به مجددا اذا جاءت مع كل ذلك اشارة على حياة أحد المخطوفين.

 

 ما زال من الصعب أن نلاحظ رابحين من هذه القضية بعد الخطف باسبوعين. عرفت اسرائيل سريعا أن خلية محلية تابعة لحماس من الضفة وقفت وراء الخطف واستغلت هذه الحقيقة لمعركة على حماس ولحملة اعلامية دولية على حكومة الوحدة بين السلطة الفلسطينية وحماس. ووجد تصديق لزعم نتنياهو أن رئيس السلطة أبو مازن اختار شريكا ما زال يعمل في الارهاب. لكن رئيس الوزراء خطا خطوة بعيدة جدا بزعم أن كل الخاطفين جاءوا من المنطقة أ (في حين وقع الاختطاف في المنطقة ج التي تخضع لسيطرة اسرائيلية كاملة)، وبالتجهم الذي أظهره بازاء تنديد عباس القاطع الذي لا مثيل له بالاختطاف.

 

إن كلام عباس منحه نقاطا في الغرب لا عند الجمهور الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية في الضفة في ضائقة بسبب التهم بأنها أصبحت عميلة لاسرائيل. وفي هذا الاسبوع اختطف ثلاثة شرطيين فلسطينيين في رام الله وأُفرج عنهم فقط بعد أن أفرجت السلطة عن متظاهرين شاغبوا أمام مبنى للشرطة في المدينة احتجاجا على عدم مبالاتها بعملية الاعتقالات الاسرائيلية. وربحت حماس نقاطا من الجمهور في المناطق لأنها نجحت في ايلام اسرائيل واذلالها بالخطف. لكن الخطف ورطها مع عباس وأوقف المسار التدريجي للشرعية الدولية الذي حظيت المنظمة به على أثر انشاء حكومة الوحدة الفلسطينية.

 

وفي هذا الوقت بدأ قطاع غزة يغلي وقد زاد عدد الصواريخ التي أطلقت من هناك منذ كان الخطف، وزادت اسرائيل في الهجمات الجوية على القطاع. وقد أطلق محمود الزهار وهو من كبار قادة حماس في القطاع هذا الاسبوع تهديدا مفاجئا فقد زعم أن منظمته تملك اليوم صواريخ وقذائف صاروخية قادرة على اصابة كل نقطة في اسرائيل. وقدّر العميد ايتي بارون رئيس قسم البحث في "أمان" في محاضرة في مؤتمر هرتسليا في مطلع الشهر أن غزة فيها مئات الصواريخ ذات مدى اصابة يبلغ غوش دان. فهل توجد هناك ايضا صواريخ مع قدرة على التحكم بها من بعيد ومدى يبلغ الى شمال البلاد؟ ربما يشير الزهار اشارة خفية الى أن منظمته وجدت مؤخرا طرق تهريب بديلة.

 

في الاسبوع الثاني من العملية انتهى اضراب المعتقلين الاداريين الفلسطينيين في اسرائيل عن الطعام بعد اكثر من شهرين. ويبدو هذه المرة أن المعتقلين لم يلووا يد اسرائيل التي تشددت على أثر اختطاف الفتيان. وانتهى نضالهم بسبب عدم اهتمام جارف من الاعلام العربي المشغول بما يجري في العراق، وبسبب الاختلافات الداخلية بين قادة المعتقلين. فاذا كان الاختطاف يفترض أن يساعد على نضال المعتقلين فانه لم يُجد شيئا. إن عدد المعتقلين الاداريين سيضاعف قريبا ليبلغ 400 على أثر الاعتقالات الاخيرة.

 

أملى الاختطاف تشددا اسرائيلية في قضية اخرى ايضا وهي تجديد سياسة هدم البيوت في الضفة إذ أعلنت الدولة أنها ستهدم بيت زياد عوض سجين حماس الذي أفرج عنه بصفقة شليط، والذي قتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي قرب الخليل في ليل عيد الفصح، ويؤيد الجيش الاسرائيلي و"الشباك" ووزير الدفاع تجديد الهدم عقابا على عمليات شديدة.

 إن هدم البيوت وهو وسيلة استخدمتها اسرائيل استخداما كثيفا ولا سيما في سنوات الانتفاضة الثانية، أوقف في 2005 بناءا على توصيات لجنة عسكرية قضت بأن الهدم ليس وسيلة عقاب مناسبة وبأنه لا توجد أدلة على أنه قادر على ردع مخربين آخرين عن عمليات في المستقبل. وكان رئيس اللجنة هو اللواء أودي شني، وما زال رئيس هيئة الاركان الذي عين اللجنة مشاركا في اتخاذ القرارات في جهاز الامن بعد ذلك بتسع سنين واسمه بوغي يعلون.