خبر عزلة الرئيس - معاريف

الساعة 12:24 م|27 يونيو 2014

بقلم: آفي يسسخروف

 

(المضمون: لقد شعر ابو مازن هذا الاسبوع على جلدته كي هي عظيمة عزلة الزعيم، كل زعيم. فلم يسارع أي مسؤول في فتح أو في السلطة للوقوف الى جانبه. وفجأة وجدنا أن الاشخاص الذين لا يتوقفون عن اجراء المقابلات في وسائل الاعلام، ملأوا افواههم بالماء واختفوا - المصدر).

 

ظهر يوم الثلاثاء توقفت باصات مدرسة ضباط الصف على طريق عابر يهودا. مئات الجنود الذين كانوا فيها نزلوا رويدا رويدا نحو الوديان شمالي مدينة الخليل. الضباط المستقبليون، حاملو السلاح وبستراتهم المعقدة اخذوا بتمشيط دقيق للمنطقة. طوابير طوابير من الجنود تتنقل بين المنازل، تنظر في الكهوف، في آبار المياه وفي ساحات البيوت. صور اخرى من الحرب وهذه المرة أيضا، مثلما في كل الأيام السابقة، كان هذا عبثا. في الليلة السابقة وجد الجنود في أحد المنازل مخزن من القنابل اليدوية وبندقية. ولكنهم لم يجدوا لا الخاطفين ولا المخطوفين. منطقة الخليل هي منطقة واسعة مليئة بالثغور والمخابيء التي يجد حتى جيش كامل صعوبة في ان يمشط فيها كل متر، على فرض أن الخاطفين لا يزالون في هذه المنطقة. فقد كان لهم ما يكفي من الساعات في مساء الاختطاف وما يكفي من الوسائل للوصول الى كل نقطة في المناطق أو داخل الخط الأخضر لو كانوا يرغبون في ذلك. قبل اربع سنوات فقط كشفت قوات الامن في السلطة بيت في حي الحرس، في الطرف الشمالي من الخليل يخرج منه نفق يكاد يصل الى "عابر يهودا". وكانت حماس حفرت النفق أغلب الظن كي تنفذ عمليات على المحور والهروب بعدها.

 

الاستنتاج من تلك الحالة مثلما من التمشيطات التي لا تنتهي اليوم، هو انه دون مؤشر دقيق على مكان الخاطفين او المخطوفين سيكون من الصعب العثور عليهم ان لم يكن متعذرا. ومن هنا اتخذ قرار قادة الجيش بتخفيض مستوى العمليات طالما لا توجد معلومات محددة.

 

ولكن ليس هذا فقط. فهذه "الحملة" ضد شبكات حماس وصلت الى منتهاها لان جهاز الامن ايضا فهم بان عشية رمضان، لن يؤدي  تواجد كثيف للجيش الى تحرير أو ايجاد المخطوفين بل الى إثارة الخواطر أساسا. فإحباط الجمهور في المناطق يمكن أن يعبر عن نفسه في صدامات مع قوات الامن الإسرائيلية او في هجوم على محطة شرطة فلسطينية كما حصل هذا الأسبوع، الحدث الذي لا يريدون لا في السلطة ولا في إسرائيل رؤيته مجددا.

 

 العاب الجوع

 

تقليص القوات في الخليل فعل فعله. فقد بدت المدينة ظهر يوم الثلاثاء كمركز مشتريات هائل. الاف الاشخاص في موجة مشتريات جعلت قلب الخليل أزمة سير استثنائية حتى بمقياس هذه  المدينة الكثيفة. وفي كل الاماكن في الخليل كان لا يزال يمكن للمرء أن يرى يافطات حملة السجناء الامنيين المضربين عن الطعام، "مي وملح" – باعثة الهياج رقم واحد في الضفة في الاسابيع الاخيرة. ولكن في نفس الليلة جاء البيان بوقف السجناء الاضراب عن الطعام دون مقابل تقريبا. وبكلمات بسيطة، فهم المضربون بانهم تكبدوا فشلا ذريعا في محاولتهم لوقف الاعتقالات الادارية و/أو رفع قضيتهم الى قلب الاهتمام الفلسطيني  والدولة. ولشدة المفارقة، فان ما منع النجاح عن الاضراب الذي استمر 63 يوما كان "عمل التضامن" الاكثر وضوحا مع اضرابهم: اختطاف الفتيان الاسرائيليين الثلاثة. وفي ظل المونديال، الاختطاف، الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين في أرجاء الضفة ورمضان المقترب، فهم منظمو الاضراب عن الطعام بانهم ببساطة لا يثيرون اهتمام أحد.

 

  واصبح رفع العلم الابيض من جانب المعتقلين الاداريين بقدر كبير فشلا لحماس. فعلى مدى اسابيع ادعى رجال فتح والسلطة بان حماس هي التي تقف خلف الاضراب وتحاول استغلاله لاشعال المناطق. ومن هنا أيضا الشماتة التي ظهرت على وجوه ممثلي فتح عندما تناولوا انهاء الاضراب دون نتائج.

 

وبالفعل، جاء الاختطاف، مثل الاضراب عن الطعام، ليكون أداة مناكفة للمنظمة المقابلة. فبينما تبادر حماس الى الاضراب عن الطعام ومهرجانات التأييد للسجناء، لم تتردد السلطة في استخدام القوة لتفريق هذه المظاهرات. وبينما تختطف حماس ثلاثة فتيان في خطوة ترمي الى تعميق التأييد للمنظمة وبالاساس احراج رئيس السلطة أبو مازن، خرج الاخير في هجوم غير مسبوق على الخاطفين وهدد بمحاسبتهم عندما تتضح هويتهم. أما المصالحة الفلسطينية الداخلية التي بدت وكأنها تهديد وجودي على دولة اسرائيل، أسوا من النووي الايراني، فسرعان ما أصبحت منذ الاختطاف فكرة منقطعة عن الواقع آخذة في الاختفاء امام عيون الفلسطينيين المندهشة في الضفة وفي القطاع. ينبغي القول ان موقف ابو مازن القاطع ضد الاختطاف نجح في تحطيم اللامبالاة في الرأي العام الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين والسلطة. وفجأة كتبت المقالات في صحف التيار الرئيس عن "الزعيم" الذي يوجد للفلسطينيين، وحتى عن أن لاسرائيل يوجد شريك. غير أن ابو مازن يدفع وسيدفع ثمنا باهظا في الشارع الفلسطيني على هذه المواقف غير الشعبية. فالسلطة الفلسطينية تفقد السيطرة والتأييد بين جمهورها الذي لم يعد يتردد في مهاجمة ممثليها، الشرطة الفلسطينيين، في قلب المركز السلطوي في رام الله.

 

لقد شعر ابو مازن هذا الاسبوع على جلدته كي هي عظيمة عزلة الزعيم، كل زعيم. فلم يسارع أي مسؤول في فتح أو في السلطة للوقوف الى جانبه. وفجأة وجدنا أن الاشخاص الذين لا يتوقفون عن اجراء المقابلات في وسائل الاعلام، مثل رئيس الفريق المفاوض صائب عريقات، ورفيقه السابق في الفريق محمد اشتيه، وكثيرين آخرين، ملأوا افواههم بالماء واختفوا. فهم لم يتجرأوا على قول حتى ولو جملة في شجب الاختطاف أو معه أو الوقوف للدفاع عن الرئيس.

 

رأس اولئك المسؤولين في فتح، كما ينبغي القول، في مكان آخر في هذه المرحلة. فبعد شهر ونصف سينعقد "المؤتمر السابع العام" لفتح، والذي ستنتخب في اطاره قيادة الحركة: "اللجنة المركزية" و "المجلس الثوري". ولا يرغب احد منهم في أن يظهر في هذه المرحلة في  صورة غير وطنية بما فيه الكفاية، كمن ينتقد اختطاف الاسرائيليين الذي قد يؤدي الى تحرير السجناء.

 

في  المؤتمر نفسه لن يشارك محمد دحلان ولا رجاله الذين ابعدوا في ضوء التوتر بينهم وبين أبو مازن. ولا يزال سيكون مشوقا أن نرى من سينجح في أن ينتخب في المكان الاول ليكون أمين سر اللجنة. ظاهرا هذا منصب ليس ذا مغزى كبير. اما عمليا فمن ينتخب له سيعتبر الرجل الاكثر شعبية في فتح بعد ابو مازن، او بكلمات اخرى، خليفته. في هذه اللحظة يبدو أن مروان البرغوثي هو المرشح المتصدر لنيل عدد الاصوات الاكبر في التصويت. ولكن لا يزال من الصعب القول أي "قوائم تصفية" وأي تحالفات سنرى بين مسؤولي فتح المختلفين. جبريل الرجوب كفيل بان يفاجيء وكذا ايضا احد الأشخاص القدامى في الحركة، احمد قريع (ابو علاء) الذي في المؤتمر السابق لم ينجح في أن ينتخب للجنة المركزية بسبب احباط سياسي مركز فعله له رجال ابو مازن.

 

الخاطفون وحماس

 

ليس بسيطا أن يكون المرء هذه الايام أحد مسؤولي المخابرات الإسرائيلية العاملين في الخليل. فعلى كاهلهم تلقى مهامة العثور على الخاطفين والمخطوفين ولكن هذه مهامة اشكالية على اقل تقدير.

 

روى لي مسؤول سابق في أجهزة الامن الفلسطينية هذا الاسبوع بانه عندما نجح رجاله في اعتقال خلايا خططت لاختطاف إسرائيليين وحققوا معهم، تبين كم سهلا للخاطفين والمخطوفين ببساطة الاختفاء. فالأمر الأول الذي تبين في التحقيقات هو أن اعضاء هذه الخلايا (الجدية بينها) اعدوا مكان اختفاء مسبق. وفي الغالب كان هذا قبوا، أو نفقا، مثل الآلاف من الفضاءات التي يمكن إيجادها تحت المنازل في الخليل. في 2012 نجحت السلطة في الكشف عن فضاء كهذا في قرية عوريف. وكان خطة تلك الخلية المحددة هي جلب مخطوف الى المكان والاحتفاظ به هناك لزمن طويل. "في مثل هذا المكان سيكون كهرباء، وربما تلفزيون وبالطبع الكثير جدا من الطعام والشراب. ويختبىء الخاطفون  والسؤال هو متى سيتعين عليهم الخروج من مخبأهم"، قال لي المسؤول. "المشكلة هي انه من اللحظة التي يتخلصون فيها من الهواتف النقالة تكون القدرة على معرفة أي يتواجدون محدودة جدا".

 

          في حالة الفتيان الإسرائيليين الثلاثة، واضح على الأقل لأجهزة امن السلطة من هم الخاطفون. هؤلاء هم رجال حماس بوضوح. ليس ممن لهم علاقة هزيلة وخفية مع الحركة بل ممن تربوا في حضن رجال حماس الاخرين.

 

          ولكن حتى يوم امس كان محظور نشر هويتهم لاعتبارات غير واضحة. فالخاطفون أنفسهم يعرفون بانهم مطلوبين وضالعين في الاختطاف. وابناء عائلاتهم ايضا وكل طفل فلسطيني في منطقة الخليل. والأسبوع الماضي روى لي صديق إسرائيلي يهودي بان طلاب إسرائيليين عرب يتعلمون معه في الكلية كانوا يعرفون اسماء الخاطفين: مروان القواسمي وعامر ابو عيشة. وبدلا من خلق ضغط ونشر اسمائهم منذ  بداية المطاردة، فضل رجال استخباراتنا المشاركة في لعبة التظاهر وكأن احدا لا يعرف غيرهم من هم الخاطفون.

 

          ولكن فضلا عن مسألة هوية الخاطفين ما يزعج الجيش والمخابرات الاسرائيلية في هذه اللحظة هو سؤال آخر: من ساعد الخاطفين في اقامة البنية التحتية للاختطاف؟ هل عملوا من تلقاء أنفسهم ام ربما باسناد اقتصادي ومادي آخر من الخارج؟ ظاهرا، إمكانية أن تكون الخلية من الخليل عملت من تلقاء ذاتها فقط هي امكانية قائمة دوما. ولا يزال معقولا أكثر، في ضوء الحاجة الى اعداد بنية تحتية (مكان اختباء، غذاء لفترة طويلة، سيارات وما شابه)، ان احدا ما ساعدهم – ماليا على الاقل.

 

          أحد محافل الامن ادعى الاسبوع الماضي بان الاشتباه المركزي هو ان صالح العاروري، المتواجد في تركيا، واصله من الضفة هو الذي ساعد هذه الخلية ايضا الى اخراج الاختطاف الى حيز التنفيذ. ولكن هذه المحافل ايضا اعترفت بان ليس لديها ادلة على ذلك. وبالمقابل تدعي محافل فلسطينية رفيعة المستوى بان مخططي العملية هم رجال مركزيون من حماس، سعوا أساسا الى إفشال المصالحة. وعلى حد قولهم توجد اليوم مجموعة كبيرة في المنظمة، عارض بشدة المصالحة مع فتح في الشروط التي وافقت عليها قيادة غزة: فهم لم يوافقوا على التنازل عن الحكومة ولا عن الشكل الذي امتنعت فيه قيادة حماس في غزة عن حل مشكلة الرواتب. وبالنسبة لهم كان الاختطاف فرصة حقيقية لتعزيز التأييد الجماهيري للمنظمة من جهة ووقف المصالحة من جهة اخرى.

 

          وما الذي هو أكثر نجاعة من اختطاف ثلاثة إسرائيليين لتصفية حسابات سياسية داخلية؟