خبر مشروع التغذية -هآرتس

الساعة 09:41 ص|25 يونيو 2014

مشروع التغذية -هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: يتجادل الاسرائيليون الآن في أنه هل يحل تغذية المضربين عن الطعام قسرا أم لا، لكنهم لا يتجادلون في علة اضرابهم عن الطعام وهي احتجازهم دون محاكمة - المصدر).

          لا يمكن ألا نمتليء فخرا قوميا بسبب موجة الانسانية التي تهدد باغراق الدولة. والذي لم يتحدث هذا الاسبوع في "تغذية السجناء" وجد نفسه منبوذا من الجماعة. والذي أراد أن يفهم مواد القانون حظي بنظرة مخصصة للزوار من كوكب المريخ. "ينبغي التغذية" أو "ينبغي عدم التغذية". ولا وسط. هذا هو الخط الفاصل الجديد الذي لا يوجد سواه الذي يفصل بصورة مطلقة بين "المستنيرين" و"الظلاميين"، وبين اليسار واليمين، وبين مؤيدي السلام وطالبي ضم المناطق.

          هذا هو الصراع الذي سيحدد هوية الدولة لا أن تكون يهودية وديمقراطية بل "مُغذية" أو "غير مُغذية". وهل هي "انسانية بصورة تناسبية" أو دولة بربرية ترى أن تعذيب السجناء وسيلة مشروعة. ويجند خبراء بالاخلاق من الكنيستين أنفسهم ويُجندون ليُبينوا مبلغ كون هذه الخطوة انسانية أو غير انسانية. وقد بالغ خبيران هما البروفيسور يحيئيل بار ايلان من جامعة تل ابيب والبروفيسور ميخائيل غروس من جامعة حيفا اللذان أوضحا أن "الاضراب عن الطعام حتى الوصول الى حد الموت عمل عنيف". لا أقل من ذلك ("هآرتس"، 23/6). ونحن نعرف ما نفعل في مواجهة صراع عنيف. وربما يجدر أصلا أن يُعرف الاضراب عن الطعام بأنه ارهاب كي يمكن آخر الامر أن نحاكمهم لتنفيذهم عملا ارهابيا وأن نحولهم بذلك من مكانة معتقلين اداريين بلا محاكمة الى مكانة سجناء حظوا باجراء قانوني.

          يمكن أن نتساءل ايضا عن موقف الهستدروت الطبية التي تساوي التغذية قسرا بالتعذيب. قال الدكتور ليونيد إدلمان محذرا: "لن يتعاون اطباء اسرائيل مع القانون. فهذا اقتراح غير اخلاقي أو مهني أو عملي". فلو كان غير اخلاقي "فقط" فهل كان يُعاون؟ وليس من الفضول أن نذكر ايضا الاخلاقية الخالصة التي صاحبت في سنة 2008 الافراج عن المعتقل عمر أبو جريبان من مستشفى شيبا موصولا بابرة حقن للتغذية ضعيفة. وكان افراجا طُرح بعده ببضع ساعات قرب أحد المفترقات حيث مات. وحُقق مع رجال الشرطة وعوقبوا، لكن ماذا عن الاطباء الذين سرحوه؟.

          وماذا عن التقرير المزعزع الذي نشرته منظمة "اطباء بلا حدود" الذي يصف بالتفصيل التعاون بين اطباء ومحققي "شباك" مثل اعطاء موافقات طبية على الاستمرار على التحقيق والتعذيب برغم حالة المحقق معه الصعبة؟ لا يوجد في هذه "الاخلاق" بالطبع نقاش عام ولا تصريحات لاذعة لخبراء ومختصين ايضا. فلماذا يوجد في التغذية قسرا على الخصوص؟.

          لأنه لا صلة ألبتة بين تغذية السجناء الفلسطينيين قسرا والانسانية أو الاخلاق. أو كما قالت عضو الكنيست ميري ريغف بصدق يميزها: "ليموتوا في بيوتهم اذا أرادوا". لكن لا عندنا. ليست التغذية قسرا عملا في انقاذ معتقلين تتعرض حياتهم للخطر بل هي فقط درع واقية سياسية تنزلق عنها المواجهة الاخلاقية الحقيقية للاعتقال الاداري الذي هو علة الاضراب عن الطعام. كم هو مريح الانتشاء في الجدل في المعنى المأساوي لادخال أنبوب التغذية الى أنف السجين في حين لا يثير مجرد كون الشخص معتقلا اداريا أية فكرة.

          ترمي التغذية قسرا الى رسم حدود المسؤولية. فالذي يحدث في المناطق متروك للمناطق أما هنا فسنكون انسانيين. ولن ندع الاحتلال يُدخل قسوته بين ظهرانينا. سنتجادل حتى الموت في أنه كيف وهل من المناسب انقاذ مضرب عن الطعام، ألسنا انسانيين، لكننا لن نتجادل في علة اضرابه واعتقاله لأن هذا متروك "للشباك".

          بيد أن صرف الجدل عن الاعتقال الاداري وعن التعذيب وعن ظروف السجن الى التغذية يشهد مثل ألف شاهد على أن "قيم الاحتلال" هي التي تُملي هوية الدولة. فبمساعدتها نحدد ما هي الاخلاق وما هي القيم وما هي الحقوق وما هو التعذيب "المناسب" وما هو مجرد التعذيب. وهكذا أصبح الفلسطينيون هم مُشرعي اسرائيل الحقيقيين.

*     *    *