خبر اختطاف في الضفة لكن المواجهة قد تغدو شاملة ..حلمي موسى

الساعة 09:25 ص|23 يونيو 2014

لا تخفي الصحافة الإسرائيلية واقع أن الجيش الإسرائيلي في بحثه عن المستوطنين الثلاثة المختطفين في الضفة الغربية يتحسس خطواته في ظلمة مطلقة، وأنه في محاولته التغطية على العجز، الذي في أساسه استخباري، يحاول قدر الإمكان توسيع نطاق عمليات التفتيش من ناحية وعرض أهداف أخرى. وقد كرر في الآونة الأخيرة الحديث عن أنه يستهدف ضرب البنية التحتية لحركة حماس، وهو استهداف تكرر بشكل متواتر في كل سنوات الاحتلال والتي برهنت عن استحالة هدم البنية التحتية للمقاومة ما دام الاحتلال نفسه لا يزال قائما.

وحملت الصحف الإسرائيلية عناوين تشهد على العجز بدت كأنها مأخوذة كلها من هيئة تحرير واحدة. فاختارت «يديعوت أحرنوت» أمس مثلا عنوان «متر وراء متر» وأن الجيش «يقلب كل حجر». أما «معاريف - الأسبوع» فاختارت عناوين مثل «يقلبون كل حجر، يفحصون كل بئر» و«آلاف الجنود يمشطون الكهوف وآبار المياه في منطقة الخليل». ولم تخرج «هآرتس» على نطاق أن «الجيش يمشط مترا وراء متر» وكذا فعلت «إسرائيل اليوم» والتي أضافت أن الجنود «يقلبون كل حجر».

ورغم أن الصحافة الإسرائيلية، كما هو واضح، مجندة لخدمة الهدف الأسمى وهو الحفاظ على المعنويات العامة وتجنب توجيه الانتقادات للجيش والحكومة قدر الإمكان إلا انها تحاول إيجاد نوع من التوازن والظهور بمظهر مستقل. ولذلك فإنها تنقل بعض التقارير والآراء التي تعبر عن خيبة أمل من الجهد المبذول وأنه يتجه في غير الطريق الصائب وأن الحل لم يكن ولن يكون أمنيا فقط. وهي بذلك تمارس نوعا من الانتقاد للحكومة والمستوى السياسي الذي لا يزال يرفض التجاوب مع رغبة السلطة الفلسطينية في التوصل إلى اتفاق.

ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى معركة جارية بين جهات متناقضة ومتداخل. فمن ناحية تشن حكومة نتنياهو حربا شعواء ظاهرها ضد حركة حماس لكن جوهرها ضد الشعب الفلسطيني وحتى ضد السلطة الفلسطينية. إذ يصعب تخيل أن تمنح إسرائيل نفسها حرية حركة في إقامة الحواجز ومداهمة المؤسسات واعتقال المواطنين داخل مناطق السلطة من دون أن يمس ذلك بشدة بهيبة السلطة الفلسطينية وأدائها. وتزداد المفارقة حينما يضطر رئيس السلطة الفلسطينية بعد اتهامه لمن قام بعملية الاختطاف بالسعي لتدمير السلطة إلى الإعلان أن الاعتداءات الإسرائيلية تدمر السلام وأن «من يريد أن يعاقب الناس في اثناء رمضان ومن يقتل الناس في اثناء رمضان لا يريد السلام».

ومن ناحية أخرى تحاول قوى معارضة وحكومية في إسرائيل استغلال الوضع الناشئ لبث الحياة في المفاوضات المتوقفة. فقد فتح اتصال هاتفي بين نتنياهو وأبو مازن بشأن المختطفين الباب أمام تواصل أكبر، لكن نتنياهو سد الباب بالمزلاج. ففي تعليقه على خطاب أبو مازن أمام وزراء خارجية الدول الإسلامية في السعودية قال انه يريد أفعالا لا أقوالا وأنه ينتظر منه تفكيك تحالفه مع حماس. لكن المعارضة العمالية برئاسة اسحق هرتسوغ و«هناك مستقبل» برئاسة وزير المالية يائير لبيد و«حركة» تسيبي ليفني رأوا أن كلام أبو مازن «فعل شجاع» ينبغي البناء عليه. وبديهي أن موقف هؤلاء لا يطيب لنتنياهو الذي يعتقد أنهم يعرقلون سعيه ليس فقط لوأد حماس، وإنما أيضا لإضعاف أبو مازن.

لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فالكثير من المعلقين والساسة يخشون على الجيش الإسرائيلي من التورط في وضع يصعب الخروج منه. فالانغماس في نشاطات شرطية في الضفة الغربية يأتي أقله على حساب التدريبات في ظروف بالغة الحرج من الناحية السياسية والأمنية. ولكن تسخين الجبهة في الضفة الغربية لا يمكنه أن يمر من دون تسخين أشد خطورة في قطاع غزة. وقد أثبتت أحداث الأيام الأخيرة أن «تنقيط» الصواريخ والغارات الإسرائيلية باتت فعلا يوميا في القطاع. وهناك من يتخوف من أن لا تتوقف الأمور عند التنقيط وأن يتسع نطاق العمليات لتغدو معركة شاملة في القطاع تصير تل أبيب جزء منها.

ومن الجائز أن أحداث الأمس على جبهة الجولان دفعت عددا من المعلقين للحديث عن تعدد الجبهات واشتداد سخونتها في وقت واحد سواء في الضفة والقطاع أم على الحدود اللبنانية والسورية. وهذا يزيد من مطالب المعلقين وقادة عسكريين بضرورة توخي الحذر وتجنب التورط أكثر من اللزوم.

وكتب المعلق العسكري لـ«يديعوت» أليكس فيشمان معبرا عن هذه التخوفات أن «القلب يبقى في يهودا والسامرة لكن العيون غدت موجهة إلى قطاع غزة، فقد أخذت تلك المنطقة تسخن... تتحدث التقارير الصحافية في وسائل الاعلام الغزية عن استعداد السكان لمواجهة عسكرية مسلحة وعن جمع الطعام والادوية والمحروقات. فسكان غزة يشمون البارود في الجو». وأشار إلى الانتقادات التي تتعرض لها حماس جراء عدم الرد على ما يجري في الضفة الغربية وهو ما تفهمه إسرائيل التي خففت الحصار الاقتصادي. لكن إسرائيل، في نظر فيشمان، تعلم بأن ضعف كوابح حماس سيقود إلى توسيع المجابهة. ويشير إلى أن «حماس قد لا تريد هذه المواجهة لكنها كانت تستعد لها منذ كانت عملية «عمود السحاب» وهي تستعد ضمن ذلك لاطلاق قذائف صاروخية مستمر على وسط اسرائيل وادخال قوات خاصة دُربت في السنتين الاخيرتين من أنفاق هجوم. وليست هذه السيناريوهات بعيدة عن الواقع ويجب أن يكونوا مستعدين الآن في قيادة المنطقة الجنوبية لتدهور عسكري حول القطاع».