خبر مكانة أميركا في نظرية الأمن القومي الإسرائيلية .حلمي موسى

الساعة 12:50 م|16 يونيو 2014

يشكل مؤتمر هرتسليا الذي عقد هذا العام للسنة الرابعة عشرة على التوالي فرصة كبيرة لتبادل الآراء والمواقف وعرض مختلف القضايا التي تشغل بال صناع الرأي والقرار في إسرائيل. ويتميز المؤتمر بأنه يجمع بين القادة السياسيين ورجال الأكاديميا ولا يقتصر فقط على رجال الطرفين من إسرائيل، وإنما يحاول جلب أصحاب رأي وموقف من دول أخرى ومن فلسطين أيضا.

ورغم أن الأنظار توجهت هذا العام أكثر من أي شيء آخر الى الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل مع مسائل التسوية والمفاوضات مع الفلسطينيين إلا ان نقاشا لا يقل أهمية كان يجري حول نظرية الأمن القومي الإسرائيلية. وتركزت النقاشات في هذا المجال ليس فقط حول التغييرات في قراءة الواقع واستلزامات ذلك على نظرية الأمن القومي وإنما أيضا في التغييرات المفهومية العالمية التي طرأت على مفاهيم الأمن القومي.

ورغم أن في إسرائيل حكومة يمينية تعتمد منهجا أقرب إلى الفاشية في تعاطيها السياسي إلا أن تركيز النقاشات في مؤتمر هرتسليا حول العلاقات مع أميركا وأهميتها كواحدة من أعمدة الأمن القومي الإسرائيلي بينت محدودية استقلال الموقف الإسرائيلي. فتعاظم الخلافات مع الإدارة الأميركية في الشأنين الإيراني والفلسطيني أظهر بدرجة كبيرة ضيق هامش المناورة الإسرائيلي إقليميا ودوليا عندما لا توفر الإدارة الأميركية سندا جديا. وقد بدا هذا أساسا في المفاوضات الجارية بين القوى العظمى وإيران بشأن مشروعها النووي حينما لم تأخذ هذه الدول باشتراطات إسرائيل المتشددة. كما تجلى ذلك عندما اعترفت أغلب دول العالم، خصوصا أميركا والاتحاد الأوروبي، بحكومة الوفاق الفلسطينية التي حاولت إسرائيل بكل وسعها نزع الشرعية عنها.

وفي كل حال فإن الخلافات الإسرائيلية الأميركية انعكست أيضا على العلاقات الأمنية خصوصا بعد تصريحات وزير الدفاع الجنرال موشي يعلون عن تراجع الدور الأميركي في العالم وفي منطقتنا وعن خذلان السياسة الأميركية لإسرائيل. وكما هو معروف قادت هذه التصريحات إلى مواقف متشددة في وسائل الإعلام الأميركية من مسؤولين حكوميين لم ترق لهم تصريحات المسؤولين في «الدولة الأكثر رعاية» من جانب الإدارة الأميركية.

والواقع أن مؤتمر هرتسليا شهد ارتباكا في الحديث الإسرائيلي عن العلاقات مع أميركا. إذ أشار وزير الاستخبارات، يوفال شتاينتس إلى أن هناك مسؤولية كبرى للإدارة الأميركية على العالم. وادعى أنه رغم تفضيل إسرائيل للخيار الدبلوماسي الذي تنتهجه الدول الغربية مع إيران إلا انه ليست بالضرورة أن تكون الصفقة التي يتم التوصل إليها جيدة. وفي نظره «من الواجب، ويمكن، إجبار الإيرانيين على التنازل عن قدرة الحافة النووية، ولكن هذا يتطلب أن نفهم أن ليس كل اتفاق يكون جيدا. فإيران النووية تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل وأيضا خطرا وجوديا على العالم بأسره». وطالب بأن «تتصرف الأسرة الدولية بمسؤولية ومنع المخاطر المتوقعة ليس فقط لإسرائيل والشرق الأوسط، وإنما للعالم بأسره».

لكن وزير الدفاع السابق، شاؤول موفاز، وبعد أن شدد على وجوب ترميم إسرائيل لقدرتها الردعية خصوصا أن حربين متقاربتين على غزة تثبتان عدم وجود ردع، قال انه ينبغي توفير رد إسرائيلي على خطر الصواريخ. وأشار إلى أن وجود أكثر من 170 ألف صاروخ موجهة نحو إسرائيل يثبت أن «الكمية تحولت إلى كيفية. وهذا خطر استراتيجي، إذ لم يسبق لإسرائيل أن اضطرت للتعامل مع صواريخ بمثل هذه الكمية والنوعية». وهنا أشار إلى وجوب معالجة التدهور في العلاقات الإسرائيلية مع الغرب عموما ومع الولايات المتحدة خصوصا. وفي نظره يجب على إسرائيل أن تتخلى عن تمسكها باستراتيجية «شعب لوحده يعيش ولا يأخذ الأغيار بعين الاعتبار». وشدد على أن مواضيع مستترة لا يمكن إدارتها من دون «كيمياء بين الزعماء». وأعطى مثالا على ذلك «الولايات المتحدة تجري منذ عام مفاوضات مع إيران. إسرائيل لا تعلم بها. وأنا لا أتذكر أنه خلال الاعوام الثلاثين التي أعرفها، لم تشارك إسرائيل في موضوع هام بهذا القدر. لذلك فإن ترميم العلاقات أمر يفرضه الواقع».

عموما فإن النقاش الواسع حول نظرية الأمن القومي في مؤتمر هرتسليا شهد قيام حوالي 30 من رجال «معهد السياسات والاستراتيجيا»، والذي يدير المؤتمر، بعرض نظرية أمن قومي جديدة. وبحسب هؤلاء الخبراء فإنه ينبغي إضافة أربعة مداميك جديدة لنظرية الأمن القومي التي بلورها في حينه رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأول، دافيد بن غوريون. والمداميك الأربعة الجديدة هي الوقاية والإحباط، والتحالفات الإقليمية والعلاقات مع الولايات المتحدة وكذلك التكيف.

ومن الواضح أن النظرية الجديدة التي جرى الحديث عنها ترى في العلاقات مع الولايات المتحدة مدماكا رسميا في نظرية الأمن القومي خلافا لما كان قائما حتى اليوم باعتبارها كذلك عمليا. ومن الجائز أن التركيز على إدراج العلاقات مع أميركا رسميا يرمي إلى تحميل المسؤولية لأي قيادة سياسية إسرائيلية للحفاظ على هذه العلاقة والتعامل معها بأعلى درجة من الحكمة. وواضح أن التركيز على هذا البعد ينبع من الأخطاء التي اقترفتها حكومة نتنياهو في تعاطيها مع الإدارة الأميركية وخوف الخبراء من تفاقمها مستقبلا.

ولا بد من الإشارة إلى أن جانبا من توتير العلاقات مع الإدارة الأميركية نبع أساسا من إحساس إسرائيلي بفائض القوة من جهة ومن تحليل افترض أن دولا أخرى مثل الصين والهند وروسيا تكسر وحدانية الزعامة الأميركية للعالم.