خبر مستشارو ضريبة الكلام / اسرائيل اليوم

الساعة 01:27 م|13 يونيو 2014

 

بقلم: درور إيدار

 

(المضمون: الفلسطينيون غير مستعدين ألبتة للاعتراف بحق اسرائيل في الوجود حتى في جزء مما يسمى ارض اسرائيل. وهذا هو جذر الصراع - المصدر).

 

يوجد شيء ما غير نزيه وسخيف شيئا ما في البروز الدائم لمستشار نتنياهو الدوري الى وسائل الاعلام بعد انتهاء عمله فورا. ففي عمق التوجه الى وسائل الاعلام توجد رغبة "في تطهير سمعتهم" عند النخبة اليسارية التي تبغض نتنياهو (واكثر الشعب) الى درجة الخروج عن الطور. ولن تجدوا ظاهرة مشابهة في اليمين عند مستشارين عملوا مع زعماء من اليسار. ويظهر مرة بعد اخرى عدم تسامح اليسار الراسخ مع شاذين فيه يتجرؤون على اسماع صوت مختلف أو على انتقاد اعتقاداته الاساسية.

 

 أكرر وصيتي بقراءة كتاب الدوس هاكسلي "عالم جديد وشجاع" الذي نشر في 1932 قبل كتاب جورج اورويل "1984" بكثير وفي حين تناول اورويل مجتمعا كليانيا وكان النموذج الذي كتب عنه هو الاتحاد السوفييتي، وصف هاكسلي مجتمعا ديمقراطيا متقدما ليبراليا. وكان الوخز العميق أن ذلك المجتمع الليبرالي حكمته شمولية فكرية لم تُمكن الافراد من التعبير عن آرائهم ولم تسمح بانحراف عن نشيد الجوقة. فقد اضطر الجميع هناك الى أن يكونوا ليبراليين محددين بحسب المباديء التي أمليت في مجتمعهم، وهل يُذكركم هذا بشيء ما؟.

 

       ايديولوجية يُحتذى بها

 

الاعتراف الاخير محفوظ للدكتورة اوريت غليلي – تسوكر التي عملت مع نتنياهو ثلاث سنوات ولم تنجح "في التأثير فيه ليقوم باجراءات تاريخية في المجال السياسي"، وهذا هو الاسم الشيفري في اليسار  لعمل انتحاري سياسي لا مسؤولية فيه. ولن يعترف العالم الذي صفق ولا وسائل الاعلام التي روجت لذلك بخطئها بازاء تحطم تصورها على صخور الواقع الاقليمي. فهي ترى أن الواقع ملاحظة هامشية لا شأن لها في تصورها العام.

 

 ممن يُحتذى بهم عند هذه المجموعة شارل ديغول "الذي سار بعكس شعبه وأنهى الاحتلال الفرنسي في الجزائر". وفي مرة اخرى اقترح زئيف شترنهل على نتنياهو "أن يكتب اسمه في التاريخ مثل ديغول لا مثل إبن البروفيسور بنتسيون نتنياهو". وهذه ايديولوجية يُحتذى بها هي الثورة على الشعب وعلى الأب وخيانة السندين الاساسيين. اجل إن "الشعب" لا يرى علاقة بين الاحتلال الفرنسي في الجزائر ووجود اسرائيل في قلب ارض حياتنا. فقد كانت العودة الى صهيون الى هذه الاماكن في الاساس. وهذا هو التسويغ الاخلاقي والقانوني والديني الذي افضى الى الشرعية السياسية في العالم ايضا. لكن الجزائر في مقابل ذلك لم تكن قط جزءً من روح عامة فرنسية تاريخية. وهذا الفرق عميق جدا حتى إن المقارنة الداحضة تدل على أن المقارنين لا يبحثون عن الحقيقة بل عن تسويغ لاستمرار تمسكهم باعتقاداتهم السخيفة.

 

 كان أخطر زعم في المقابلة الصحفية "المطهرة" لـ غليلي – تسوكر يتعلق بالطلب من الفلسطينيين أن يعترفوا بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي: "هذا الشرط الذي اشترطه نتنياهو في بداية التفاوض مع الفلسطينيين يرمي الى أن تفضي الاتصالات الى لا مكان". وليس هذا القول الاستكباري اخلاقي لأنه استمرار للنهج الثابت الذي يرى أن اسرائيل مذنبة رئيسة في عدم صنع سلام أو في "تفجير المحادثات". وهكذا تحدث كل كاتب أو متحدث يساري تقريبا في السنوات الاخيرة.

 

وبموازاة المقابلة الصحفية نشر متحدث حكومة حماس مدونة في صفحته في الفيس بوك أظهر فيها سراً إذ قال: "هل تعلمون ما يقوله محمود عباس وراء الابواب المغلقة؟ إنه يقول: أيها الاصدقاء دعوني أستمر على قول ما اقوله لوسائل الاعلام. فهذه الكلمات موجهة الى الامريكيين والاحتلال (أي اسرائيل) – لا اليكم. لكن المهم هو ما يتفق عليه بعضنا مع بعض. وبعبارة اخرى، حينما أخرج واقول إن الحكومة هي حكومتي وهي تعترف بـ "اسرائيل" وما أشبه، فذلك شيء لا بأس به لأن هذه الكلمات ترمي الى الضحك على الامريكيين. لكننا نتفق على أن الحكومة لا صلة لها بالسياسة" (أي بالسياسة الخارجية). وقد حدث شيء مشابه في 2006، فقد قال (عباس): "لا تدققوا في كل شيء اقوله لوسائل الاعلام. دعوكم من التصريحات للاعلام. إن المشكلة ليست فيه (في عباس)؛ بل المشكلة هي مشكلة من يصدقه. هه هه هه".

 

 إن هذا الكلام المزدوج هو جذر الدبلوماسية الفلسطينية. وفكروا في الامر: إن أبو مازن واجهه امكانان: مفاوضة الاسرائيليين مع مختلف المكاسب التي يكسبها من ذلك، وبازاء ذلك منظمة ارهاب تراه وترى حكومته كفارا، وسياستها المعلنة أن تقتل اكبر عدد من اليهود كما جاء في ميثاق حماس الذي هو برنامجها السياسي. إن أبو مازن اختار أن يترك التفاوض – كل تفاوض حتى مع اهود باراك واهود اولمرت ولفني الآن – واعلن بدل ذلك الوحدة مع حماس مع علمه بأن الانتخابات المشتركة قد تفضي الى وصول هذه المنظمة الى الحكم كما حدث في غزة. ويوجد في هذا الاختيار قول واضح يلائم موقف متحدث حماس المذكور آنفا. وهذا الامر يبعثر تشخيصات المستشارة الدبلوماسية والمشاركين لها في تصوراتها.

 

 إن الوزير يئير لبيد يدعو اسرائيل الآن الى أن تعرض على الفلسطينيين خريطة في بداية جولة المباحثات التالية. ويعرف لبيد شيئا أو اثنين عن طبيعة المساومة المعمول بها في بازار الشرق الاوسط. ما هي الحكمة في الكشف عن اوراق اللعب في بداية التفاوض؟ لسنا في اوروبا. وما الذي كسبه من هذه التصريحات سوى دفع ضريبة كلامية الى الجزء اليساري من حزبه؟.

 

 تحسن العودة الى المنطق الحديدي في طلب اسرائيل الى الفلسطينيين الاعتراف بها دولة يهودية. إن اليسار والفلسطينيين مهتمان بعرض الصراع الاقليمي على انه مسألة اراض فقط. واذا كان الحديث عن اراض فلدينا أوغاد هم المستوطنون. لكن هجمات العرب القاتلة على يهود البلاد بدأت قبل انشاء الدولة بكثير. وقد اتيحت في المئة سنة الاخيرة فرص غير قليلة لانهاء الصراع حتى بتكاليف مبالغ فيها مثل اقتراح اهود اولمرت في آخر مدة حكومته على أبو مازن واشتمل ذلك على تقسيم القدس وموافقة جزئية على طلب العودة الفلسطينية، ولم يحدث شيء؛ فقد كان جذر الخلاف وما زال مبدئيا وهو رفض قبول عودة اليهود الى صهيون، وعدم الاعتراف بحق اليهود في ارضهم أو في جزء ما منها على الأقل.

 

 يحسن أن نسأل دائما في مثل هذه الجدالات الحمقاء: هل يوجد زعيم فلسطيني يعترف بحق الشعب اليهودي في اراضي ارض اسرائيل في حدود 1948؟ أو حتى في حدود اقتراح التقسيم في 1947؟ ولا يعترف اعترافا عاما باسرائيل بل اعترافا (وقبولا) بالحق والصلة التاريخية والدينية والاخلاقية والقانونية لليهود في جزء ما من ارضهم؟ هل تعرفون زعيما فلسطينيا واحدا كهذا؟ هذا هو اختبار الفحص عن نوايا جيراننا. أما سائر القضايا مهما تكن مهمة فهي تفاصيل فقط في هذا الاطار الاساسي.