خبر بدأت ازمة الحافز في الجيش الاسرائيلي / هارتس

الساعة 01:20 م|13 يونيو 2014

 

بقلم: عاموس هرئيل

 

(المضمون: انخفاض الحافز الى الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي كما تُبين استطلاعات أخيرة وهو أمر يثير القلق في هيئة القيادة العامة - المصدر).

 

تثير نتائج استطلاع اجراه مؤخرا قسم علوم السلوك بين جنود الخدمة الدائمة في الجيش الاسرائيلي، تثير قلقا غير عادي في هيئة القيادة العامة. ولا يكشف الجيش عن المعطيات الكاملة لكن يبدو برغم أن اتجاه الامور كان واضحا منذ عدة اشهر أن النتائج كانت اصعب مما يمكن توقعه. إن الضباط والنقباء في جيش الخدمة الدائمة يقلقهم مستقبلهم الشخصي ومستقبل المنظمة؛ فقد اجاب عدد اكبر هذه السنة عن سؤال "هل تفكر في ترك الخدمة؟" بـ نعم اكثر مما كان في السنوات الست السابقة؛ ولوحظت زيادة في عدد الضباط الشباب الذين يريدون نقض عقودهم أو يرفضون اطالة مدتها. وبدأ انخفاض الحافز عند من يخدمون الخدمة الدائمة يُذكر بفترات بائسة كالازمة في اواخر حرب لبنان الاولى وبعدها حينما رفض جنود ممتازون ببساطة التوجه الى أن يصبحوا ضباطا، والازمة التي كانت اقصر التي حدثت في السنتين اللتين تلتا حرب لبنان الثانية.

 

          حينما يُسأل جنود الخدمة الدائمة عن تعليلاتهم يذكرون ما يوصف بأنه معاملة هجومية بل آثمة من المجتمع الاسرائيلي نحو هيئة الضباط. ومن التناقض أن هذا التوجه – الذي عبرت عنه خطب وزير المالية ومقالات في الصحف الاقتصادية وغير ذلك – لا يظهر في الاستطلاعات السنوية التي يُدرج الجمهور فيها مقدار ثقته بمؤسسات الدولة. فما زال الجيش في رأس القائمة في هذه الاستطلاعات. وقد يكون التغيير هناك مسألة وقت فقط، لكن من المعقول اكثر أن يكون المواطنون يُفرقون بين الموالاة العامة للجيش الذي يُسوون بينه وبين المقاتلين الشباب في غولاني والمظليين، وبين الانتقاد المتزايد لظروف الرواتب ولاعتزال رجال الخدمة الدائمة الكبار للخدمة العسكرية.

 

          يعتقد الجيش من جهته أن التفرقة الغوغائية مؤخرا بين مقاتلين "يستحقون كل شيء" وبين من يخدمون في الجبهة الداخلية الذين يوصفون بأنهم طفيليون، سطحية وخطيرة. وذكّر رئيس هيئة الاركان بني غانتس الذي خطب في هذا الاسبوع في مؤتمر هرتسليا أنه في مقدمة العملية للامساك بسفينة السلاح الايرانية في البحر الاحمر قبل ثلاثة اشهر عمل مقاتلون من سلاح البحرية في الحقيقة، لكن استعدادات الجيش قد اعتنى بها مئات الموظفين من الاستخباريين الى التقنيين.

 

          لا يتصل انخفاض الحافز المعنوي فقط بمعاملة المجتمع للضباط. فنموذج الخدمة الدائمة الحالي في مراحل انهيار. والمصالحة التي توصل اليها جهاز الامن مع وزارة المالية قبل بضع سنين على رفع تدريجي لسن التقاعد لمن يخدمون في اعمال في الجبهة الداخلية لا تحرز هدفها. وقد عين غانتس مؤخرا لجنة برئاسة العميد حاجي طوبولونسكي من سلاح الجو للفحص عن افكار جديدة. والتوجه الذي يلوح في الأفق هو تنويع في مسارات الخدمة العسكرية على نحو يُمكن من جعل عدد أكبر من الضباط يوقعون على فترات قصيرة نسبيا لا تجعلهم يحظون بمخصص تقاعد فوري حين اعتزال الخدمة في سن مبكرة.

 

          إن الجيش في مشكلة الآن. ويعترف ضابط كبير في جهاز الامن قائلا: "علقنا مع نموذج لا ينجح. إن الجيش يشيخ، وعروق ترفيع ضباط هيئة القيادة العامة مغلقة في وجه الشباب، أما من هم اكبر منهم سنا فيُسرحون من الخدمة في سن أكبر يصعب عليهم فيها الاندماج في الجهاز الاقتصادي. وتُحدث الطريقة الحالية وضعا لا يكون الجهاز فيه مستريحا من ضابط يقترب من سن الاربعين يتركه في صفوفه حتى التقاعد الكامل، حتى لو كان يؤدي عمله على نحو متوسط فقط".

 

          قال وزير الدفاع موشيه يعلون في هرتسليا إنه أعلنت هدنة في الاختلاف بين وزارته ووزارة المالية في الميزانية الامنية. وتستمر الاتصالات بين الطرفين بتواضع وموضوعية اكبر. على حسب تقرير ليونتان ليس في صحيفة هآرتس أمس يطلب رئيس لجنة الخارجية والامن الجديد الآن، عضو الكنيست زئيف الكين، حل الخلاف في ميزانية الامن في غضون ايام وإلا دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يعلون ووزير المالية يئير لبيد للجدل بحضرة اعضاء اللجنة. طلب جهاز الامن زيادة ملياري شيكل فورا للوفاء بنفقاته حتى نهاية السنة. وهاكم مقامرة حذرة: سيستقر رأي نتنياهو آخر الامر على منح الجيش نصف المبلغ لكنه سيلف ذلك بحيل حسابية معقدة تُمكن لبيد من أن يزعم أنه انتصر.

 

          أعلن غانتس في هرتسليا في نص لم يُسمع له مثيل هنا من رئيس هيئة اركان أنه يعترف بأهمية الحاجات المدنية في الميزانية: التربية والرفاه والشوارع وغرف الطواريء. "نحن ندرك أننا لسنا وحدنا في الجيش بل نحو جزء من دولة اسرائيل"، قال. "والجيش منفتح لنقاش كل اصلاح ممكن". ويبدو أنه كلام صادق. ولو أضاف غانتس مثلا اعلان تجميد مؤقت لزيادة رئيس هيئة الاركان الفاضحة (6 بالمئة) على مخصصات تقاعد رجال الخدمة الدائمة، عوض ثلاث سنوات خدمة في الخدمة النظامية في الاسبوع الذي كف فيه سلاح الجو عن التدرب لحظيت تصريحاته بصدى أعلى.

 

       يوم غفران سايبر

 

          ليست قائمة التهديدات التي عرضها رئيس لواء البحث في "أمان" العميد ايتي بارون، في المؤتمر، ليست جديدة وهي ايران والسايبر، والذرة والقذائف الصاروخية، وحزب الله والجهاد العالمي. والذي يحسن بارون صنعه – ربما اكثر من كل ضابط كبير آخر في الجيش – أن يفسر هذه التطورات بلغة البشر بحيث يستطيع المواطنون العاديون فهمها. لم تكن تلك محاضرة ترمي الى التخويف، برغم أن بعض المعطيات غير مشجعة هذا اذا لم نشأ المبالغة. إن نشر القذائف الصاروخية وصواريخ حزب الله في لبنان والمنظمات الفلسطينية في القطاع يغطي الآن بصورة فعالة كل نقطة في داخل اسرائيل. ويصف بارون محيطا استراتيجيا معقدا، فقد قل التهديد العسكري التقليدي لاسرائيل بسبب الزعزعة في العالم العربي وضعف التهديد الكيميائي ايضا مع القضاء على مخزونات السلاح الضخمة في سوريا. لكن كثرة المشاركين والتطورات المبالغ فيها تزيد في احتمال تدهور لم يخطط له. وقال إن تصور عمل العدو يعتمد منذ تسعينيات القرن الماضي على فرضين اساسيين الاول أن اسرائيل تتمتع بتفوق عسكري تقني اساسه التأليف بين القدرات الجوية والاستخبارية. والثاني أن اسرائيل لها نقاط ضعف يمكن بالضغط عليها النقص من تفوقها.

 

          يعتمد الرد العربي على قدرة التحمل (مضاءلة الاصابة الاسرائيلية بواسطة اخفاء البنى التحتية الارهابية في تجمعات سكنية مدنية) وعلى ردع اسرائيل (بتقوية تهديد الجبهة الداخلية في الاساس). ومن هنا نشأت فكرة أن حرب اسرائيل يجب أن تكون حرب استنزاف، فاسرائيل لا تستطيع أن تحارب زمنا طويلا بسبب حساسيتها للمصابين ويستطيع حزب الله أن يدعي النصر كما حدث في لبنان في 2006 بأنه لم يخسر المعركة.

 

          إن الظاهرة الأهم مؤخرا تتعلق من وجهة نظره بالجهد الذي تقوده ايران لتحسين القدرة على الاصابة الدقيقة والتي قد تفضي الى محاولة حزب الله أو حماس تقصير أمد الحرب القادمة اذا نشبت. "تنبع الفكرة من دروس سلبية جمعوها من المواجهات العسكرية الماضية في لبنان الثانية والرصاص المصبوب وعمود السحاب في غزة. والقصد الى الهجوم بصورة كثيفة مع نيران كثيرة دون أن نستطيع أن نعبر عن قدراتنا التقنية". وقال بارون إن زيادة التهديد للجبهة الاسرائيلية الداخلية قد تجعل من الصعب على الجيش الاسرائيلي أن يبلغ الى الحسم في المواجهة العسكرية التالية ولا سيما اذا جرت في عدد من الجبهات لا توجد بينها بالضرورة صلة الزامية.

 

          ووصف بارون حرب السايبر باعتبارها مجالا يتطور سريعا قد تلاقي فيه اسرائيل ايضا هجوما مباغتا بقوة غير متوقعة. وقال: "اذا حاولت أن أتعرف مفاجأة محتملة فانها موجودة فيما يشبه يوم غفران سايبري". وبرغم أن رئيس لواء البحث خصص جزءً لا يستهان به من محاضرته لازدياد قوة القاعدة في المنطقة، فانه لم يكد يقف عند ما يجري في العراق. ففي ذلك الوقت تقريبا سقطت مدينة الموصل في أيدي رجال المنظمة. وقد أصبح نجاح القاعدة المجدد في نهاية الاسبوع اكثر الانباء اثارة في الساحة الدولية.

 

       بعد البطولة

 

          استضاف مؤتمر هرتسليا هذه السنة ايضا خبراء استراتيجيين من الخارج كان من أبرزهم ادوارد لوتباك وهو خبير استراتيجية امريكي ينفق جزءً كبيرا من وقته في الاشارة على حكومات في شرق آسيا. ولوتباك يهودي من مواليد رومانيا في الـ 71 من عمره مكث في اسرائيل بضع سنوات في ستينيات القرن الماضي ويتحدث العبرية بطلاقة. وقد اضاف وجهة نظر جديدة نسبيا الى التشخيص الغالب في السنوات الاخيرة في شأن نقل مركز السياسة الخارجية والاقتصادية الامريكية الى العلاقات بشرق آسيا على حساب الشرق الاوسط. فقد قال لصحيفة "هآرتس" إن آسيا تتيح فرصة مميزة لاسرائيل ايضا.

 

          "إن أهم تطور في الساحة الدولية اليوم هو نشوء حلف اقليمي في شرق آسيا يرمي الى احتواء تأثير الصين. ويشتمل الحلف الذي أخذ يتشكل على الهند واليابان ودول كثيرة بينهما". ويزعم أن الصين "كانت سيئة دائما في الاستراتيجية، وهذا ما جعل اجانب يحتلونها مدة سنوات كثيرة. وهي تنجح الآن ايضا في اغضاب كل جاراتها وتخويفها حينما تطلب لنفسها اراضي بصراعات جغرافية مختلفة".

 

          ويعتقد لوتباك أن اهتمام دول المنطقة المتزايد بشراء وتطوير وسائل دفاعية سيقوي علاقاتها باسرائيل. وأخذت تبدو علامات ذلك في اليابان والهند ايضا بعد تبدل السلطة هناك على أثر الانتخابات. وبرغم النقد المتزايد في العالم لسياسة ادارة اوباما الخارجية، والحيرة التي يظهرها أمام الازمة في اوكرانيا ومهادنة سوريا وايران، لا يسارع لوتباك الى القاء التهمة على الرئيس الحالي ويُذكر بأن "امريكا رفضت الهجوم على منشآت ايران الذرية حتى في ايام جورج بوش".

 

          وهو يفسر عدم الحماسة المفهومة عند الولايات المتحدة للبحث عن حروب جديدة بمصطلح ابتدعه قبل بضعة عقود وهو الحروب ما بعد البطولية. "ولد ذلك في فترة كنت فيها مستشارا لوزارة الدفاع الامريكية ورأيت عددا من خطط الحرب التي صاغها الجنرالات هناك. وقد وضعوا تقديرات تتعلق بالخسائر المتوقعة للقوات الامريكية كانت قديمة ببساطة وغير مقبولة من جهة حضارية. واحتيج في العقود الاخيرة الى تحديث شأن الخسائر. في فترة الحربين العالميتين كانت عائلات كثيرة تُسلم بفقدان إبن أو اثنين في الحرب. ومنذ ذلك الحين قلت الخصوبة وقلت نسبة وفاة الاولاد بسبب الامراض وارتفع مستوى العلاج الطبي فتغيرت توقعات المجتمع المدني في الغرب للخسائر في الحروب كليا".

 

          في حرب ما بعد البطولة يحدد للجيش هدفان رئيسان هما محاولة الامتناع عن خسائر منه ومضاءلة المس بمدنيي العدو. وهذا هو القتال الذي تقوم به الآن دول ديمقراطية غربية، تقوم بحروب غير وجودية وتتمتع بتقنية متقدمة تُمكن من اصابة دقيقة عن بعد. في الحرب العالمية الاولى، يقول لوتباك الذي لا يبدو مشتاقا الى تلك الايام: "كان الجنرال يستطيع أن يخسر عدة آلاف من الجنود قبل الفطور وأن يتابع شأنه كما كان مخططا له. وقد خسرت الولايات المتحدة حربيها الاخيرتين في افغانستان والعراق كما خسرت المعركة في فيتنام. وأدركت القيادة العسكرية أن المفاهيم تغيرت. فقد قلّ عدد الخسائر التي يستطيعون أن يبيحوها لأنفسهم وعمل الجيش الامريكي بحسب ذلك، بحذر شديد".