خبر يوجد ثمن للحرية / معاريف

الساعة 01:18 م|13 يونيو 2014

 

بقلم: آفي بنينو

 

المضمون: اسرائيل، كدولة تواجه وتتصدى لمشاكل امنية عديدة ومتنوعة، توجد منذ عشرات السنين دون مفهوم أمن قومي مكتوب وحديث العهد. هذا نوع من "الجريمة الوطنية" المستمرة، التي تمس بالمواطنين وبأجهزة الامن وتحسن لقادة الدولة ورؤسائها - المصدر).

 

1. هذا الاسبوع في مؤتمر هرتسيليا، حذر رئيس الاركان بيني غانتس من أنه اذا لم تسمح الحكومة وتقر للجيش الاسرائيلي خطة عمل متعددة السنين، سيوجد الجيش، في غضون بضع سنوات، في فجوات كبيرة في مجال الاهلية والجاهزية. غانتس محق. منذ ثلاث سنوات والجيش الاسرائيلي يغرق في الامور الجارية ويعمل، بشكل غير مسبوق تقريبا، بلا خطة عمل متعددة السنين، تسمح له بالتخطيط والتمويل لمشاريع بحث، تطوير، شراء وتسلح. هذه مشكلة الجيش الاسرائيلي (ومشكلتنا).

 

ولكن توجد مشكلة كبيرة وأكثر وطنية، تؤثر على سلوك الحكومة، المجلس الوزاري، جهاز الامن ومحافل اخرى: اسرائيل، كدولة تواجه وتتصدى لمشاكل امنية عديدة ومتنوعة، توجد منذ عشرات السنين دون مفهوم أمن قومي مكتوب وحديث العهد. هذا نوع من "الجريمة الوطنية" المستمرة، التي تمس بالمواطنين وبأجهزة الامن وتحسن لقادة الدولة ورؤسائها.

 

الواحد تلو الاخر، دون أي صلة بالموقف السياسي او الانتماء الحزبي، فر، يفر وسيفر على ما يبدو في المستقبل ايضا رؤساء وزراء من اقرار مفهوم أمن. الوضع الحالي، ولا سيما الغموض الذي فيه، يسمح لرؤساء الدولة بالحفاظ على "مجال مناورة" وعلى مرونة سياسية، دون أن يكونوا متعلقين بموقف ملزم أو بافكار مكتوبة.

 

ليست كل ديمقراطية غربية تسمح بمثل هذا الترف لمن يقف على رأسها. فمرتين في اثناء حياتي الامنية كنت مشاركا في دراسة معمقة لبلورة وكتابة مسودة لمفهوم أمن حديث العهد لاسرائيل. في المرة الاولى، قبل 17 سنة، صادق رئيس الوزراء الجديد في حينه نتنياهو على مبادرة وزير الدفاع اسحق مردخاي، لان يعرض على المجلس الوزاري مسودة لمفهوم أمن قومي.

 

 توجهنا ببراءة وتصميم للقيام بالمهامة. وعين في رئاسة الفريق اللواء احتياط دافيد عبري، الذي عمل في حينه كمساعد كبير لوزير الدفاع، واللواء شلومو يناي، رئيس قسم التخطيط في هيئة الاركان. وعين فريق ثانوي وادخل رجال الموساد، وزارة الخارجية، ديوان رئيس الوزراء، الصناعة الامنية وبنك اسرائيل. وتم تبادل أوراق عمل وبدا المنشغلون في المهامة مفعمين بالاحساس من الايمان والرسالة. واجتمعنا مرتين لايام كاملة من المداولات، في اجواء حرة ونقية. ورفعت المسودة بعد ذلك الى حضرة رئيس الوزراء للبحث فيها في المجلس الوزاري. ولكنه لم يجرِ أي بحث ولم يتخذ أي قرار.

 

بعد سنوات من ذلك، كوزير لشؤون الاستخبارات والاستراتيجية يبحث عن مضمون لوزارته، توجه دان مريدور، وهو شخص ضليع وخبير في شؤون الامن الحساسة، لبلورة مفهوم أمن مكتوب وحديث العهد لاسرائيل. فرحب نتنياهو، وتعاون وزير الدفاع باراك والجيش ورفعت مسودة جديدة. وهي، بالطبع، لم تبحث من حيث المضمون ولم تقر ابدا.

 

ان مفهوم الامن القومي حديث العهد فترض أن يشكل بوصلة وضمير للدولة السليمة. عليه أن يتضمن عموم العناصر التي يعتمد عليها الامن القومي، بما فيها الجيش، الاستخبارات، الديمغرافيا، البنى التحتية، المياه، استيعاب الهجرة، الاستيطان، الحدود وغيرها. مثابة "خريطة طريق" بموجبها يتم العمل في الحقل السياسي، الامني والعسكري.

 

وفي غيابه، يتصرف كل رئيس وزراء حسب فهمه: اذا اراد ينطلق الى الحرب أو يوقع على اتفاق سلام؛ واذا أراد، ينفذ فك ارتباط، اذا اراد ينسحب من المنطقة. يخيل لي أنه بعد 66 سنة من التفكيك الرقيق للبلماخ، حان الوقت لرسم مفهوم يحدد رؤيا. وبدونه نكون لا نزال، بقدر ما، دولة "معوقة".

 

 2. كان اجراء انتخاب الرئيس هو الاول الذي لعبت فيه الشبكات الاجتماعية دورا مؤثرا. فخط النفاذ الواسع يجعل كل مواطن في مصر، في تركيا، في اسرائيل وفي كل مكان في العالم أقوى من الحكم. فالمعلومات التي تتدفق على الفيسبوك والتويتر تنتقل الى الصحف الاقتصادية ومن هناك الى الصحف العامة ومن هناك الى السياسيين ومصمم الرأي. وليس المواطن فقط أقوى من حكمه، بل والشاري أقوى من البائع والعامل أقوى من رب العمل. هذا، يا سادتي، النظام العالمي – الاعلامي الجديد.

 

 ما شهدته تنوفا في أزمة الكوتج (الجبنة المخثرة)، وما تشهده وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي في أزمة الميزانية، شهده هذا الاسبوع المرشحون لمنصب الرئيس ممن اصبحوا فجأة مستثمرين ومبادرين في مجال العقارات. وهذا عمليا "انفجار ثانوي" أو "ما بعد الحفلة" للاحتجاج الاجتماعي، الذي يحتل بوتيرته قناة إثر قناة، محطة إثر محطة، كمن يرغب في القول: ما كان لن يكن بعد اليوم أبدا.

 

روبي ريفلين سيكون رئيسا ممتازا، رسميا، شعبيا ومع بهاء وهالة من جهة، وحساسية، رحمة، تواضع وحشمة من جهة اخرى. رهاني هو: علاقاته مع رئيس الوزراء ستكون جيدة لسنتين – ثلاث سنوات على الاقل، ورغم استياء بعض من المحليين والسياسيين. يحيا الرئيس، رئيس عشرة.

 

 3. عندما انطلق وزير المالية يئير لبيد هذا الاسبوع نحو هجوم سياسي ضد رئيس الوزراء مشكوك أن يكون أخذ بالحسبان بانه سيكون للمعركة السياسية نتائج أمنية. من معرفتي للنفوس الفاعلة، أقدر بان في غضون ايام سيجمل نتنياهو العلاوة لاستكمال ميزانية الدفاع، والتي ستترافق وبيان للصحافة عن "لجنة لوكر" التي تشكلت لفحصها.

 

 أشك أن يكون لبيد قد خرج الى هذه المعركة مع خبراء جاهزين بخطة تسليح وخطة نار وبطول نفس وتصميم. في السياسة ورقة الرسائل هامة، ولكنها لا تكفي من أجل النصر.

 

4. مشروع قانون النائبة آييلت شكيد والبيت اليهودي، والذي جاء لمنع القيادة السياسية من تحرير سجناء أمنيين مع دم على الايدي، هو قرار منافق وعديم المنطق والمسؤولية. وسيشكل مع الزمن قضاء لا يمكن الايفاء به، وسيهين الكنيست في لحظة الاختبار.

 

الولايات المتحدة، التي خطت على علمها الا تحرر ارهابيين مقابل جنود أسرى، اوضحت خطوطها الحمراء حتى لم تعد قائمة، حين أعادت نشطاء طالبان الى افغانستان مقابل الجندي بو برغدال. هذا بالضبط ما سيحصل عندنا، مع القانون أو بدونه، طالما توجد صعوبة في استبدال "الحي" الذي نعيش فيه، ستكون صعوبة في استبدال قواعد اللعب.

 

آمل بالطبع الا تكون حروب اخرى، الا يكون اسرى ومخطوفون. ولكن اذا ما وقع مثل هذا الحدث، فانه لا يمكن لاي رئيس وزراء أن يصمد امام هذا القضاء. في مثل هذه الاحداث – مثلا مع تحرير الشيخ احمد ياسين مقابل رجلي الموساد اللذين القي القبض عليهما في الاردن بعد محاولة التصفية الفاشلة لخالد مشعل، رئيس الوزراء هو رجل وحيد مطالب بان يقرر. الكل سيبحث ويوصي، ولكنه سيضطر الى أن يتخذ القرار وان يعيد الى الديار الجنود الذين بعث بهم الى ميدان القتال.

 

مثل اسحق شمير وارئيل شارون، ومثل ايهود اولمرت، سيحتاج كل رئيس وزراء في المستقبل الى درجات من الحرية تتيح له استخدام السجناء الامنيين كورقة مساومة. ولا يمكن للمجلس الوزاري أو رئيس الوزراء أن يكونوا مقيدين بمثل هذا القانون، وخسارة أن اقر.

 

البديل المناسب للقانون هو رمز أخلاقي لتحرير السجناء، يستخدم على المستوى الجماهيري وليس الأمني. ولهذا الغرض عين مئير شمغار، رئيس المحكمة العليا المتقاعد، الذي بلور استنتاجات وتوصيات للقيادة السياسية. غير أن ذات الحكومة التي بعثت بشمغار الى مهمته هي التي تجيز الان قانونا منافقا وزائدا لن يصمد أمام اختبار الواقع.