خبر خوف مستحق على الديموقراطية في مصر.. فهمي هويدي

الساعة 06:27 ص|11 يونيو 2014

الخوف على الديموقراطية في مصر الآن له ما يبرره، حتى أزعم أن التذكير بها والتحذير من تراجع مؤشراتها من أوجب واجبات الوقت.

(1)

يوم الأربعاء الماضي 4/6 اجتمع أعضاء هيئة التدريس بقسم العظام في كلية طب عين شمس (عددهم نحو 120 طبيباً) لانتخاب رئيس جديد للقسم بعد انتهاء مدة رئاسة الدكتور عبد المحسن عرفة له. وفيما هم ينتظرون اكتمال العدد تلقوا رسالة أبلغتهم بأن الاجتماع ألغى (حدث ذلك في طب الإسكندرية أيضاً)، لأن انتخابات رؤساء الأقسام والعمداء قد أوقفت، انتظاراً لقرار المجلس الأعلى للجامعات بخصوص العودة إلى نظام التعيين مرة أخرى. وكان اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب، أحد الإنجازات التي ناضل من أجلها أساتذة الجامعات ونجحوا في تحقيقها بعد ثورة «25 يناير»، بحيث استطاعوا فرض تعديل قانون الجامعات لكي يقرر مبدأ الانتخاب. إلا أن وزير التعليم العالي في الحكومة الحالية، الذي انتخب في السابق عميداً لكلية الهندسة، صرح بأنه يفضل العودة إلى نظام التعيين، الأمر الذي اعتبره كثيرون تراجعاً سلبياً عن فكرة استقلال الجامعات، فضلا عن تعارضه مع نصوص القانون الذي سبق تعديله.
لم يكن سراً أن هذه الخطوة تمت بتوصية أمنية، وأنها إحدى حلقات الاتجاه إلى تأميم الجامعات وبسط سلطة المؤسسة الأمنية عليها. ومعروف أنه في خطوة سابقة تم الرجوع عن قرار إلغاء الحرس الجامعي الذي كان ثمرة نضال طويل للتيار الوطني بين الأساتذة، الأمر الذي انتهى بإقامة الحرس داخل حرم الجامعة. وهو ما توازى مع إجراءات أخرى استهدفت قمع الطلاب الناشطين، من خلال فصلهم النهائي من التعليم العالي كله وليس حرمانهم من دخول الامتحان أو حتى فصلهم من كلياتهم وحدها، إضافة إلى تشريد آخرين بطردهم من المدن الجامعية. وهي الإجراءات التي طالت مئات عديدة من الطلاب، خصوصاً الذين اشتركوا منهم في التظاهرات. وقد قتلت الشرطة أحدهم أثناء وجوده داخل حرم كلية هندسة القاهرة.

(2)

في اليوم التالي لفض اجتماع أطباء العظام في جامعة عين شمس انتظاراً لاستكمال خطوات تأميم الجامعات (الخميس 5/6) أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قبل مغادرته منصب الرئاسة سبعة قوانين خلال ساعة واحدة بمعدل قانون كل 8 دقائق، كما قال موقع مصر العربية. أحد هذه القوانين استهدف تأميم المساجد، ونص على أن الخطابة وإلقاء الدروس الدينية في المساجد والساحات العامة مقصور على متخرجي الأزهر المصرح لهم بذلك من وزارة الأوقاف. وليس سراً أن تلك التصريحات لا تصدر إلا بموافقة جهاز الأمن الوطني.
القانون الذي صدم كثيرين من بين ما أصدره المستشار عدلي منصور قبل رحيله، كان خاصاً بمجلس النواب، وقد وصفه الدكتور أحمد عبد ربه مدرس العلوم السياسية بأنه «قانون تأميم الحياة السياسية»، وسوف اكتفي في تقييمه بشهادته التي نشرتها صحيفة «التحرير» هذا الأسبوع (في 9/6). إذ ذكر ما نصه: إن صدور القانون يؤكد أن الصقور ما زالوا يهيمنون على عملية صنع القرار في المطبخ السياسي، وإن الأمل في الإصلاح وفي الإيمان بفكرة البداية الجديدة هو مجرد سراب يداعب الحالمين. ذلك أن قراءة سريعة لأول خمس مواد من القانون، تدرك بعدها فوراً أن مصر مقبلة على نية حقيقية ومبيتة لتأميم قواعد اللعب السياسي، وإعادة السياسة إلى «حضن الدولة مرة أخرى» ــ مما قاله أيضا أن: القانون صدر للحوار المجتمعي قبل نحو عشرة أيام من إصداره النهائي. وبين الفترتين لم يكن هناك حتى حوار سياسي. ففي حين اعترضت عدة أحزاب سياسية على المشروع فإنه لم يؤخذ برأيها. ولم تتم دعوة معظمها للتفاوض أو حتى للنقاش. بل صدر القانون بشكل أسوأ من نسخته الأولى.
من الملاحظات المهمة التي أبداها الدكتور عبد ربه ان القانون انحاز إلى النظام الفردي بشكل فج (شكل نحو 80 في المئة من المقاعد)، ولم يترك لنظام القائمة سوى 20 في المئة فقط من المقاعد. وهو منحى خطير، ان تعود إلى نظم مبارك الانتخابية التي تعضد من شبكات المصالح التقليدية وتهمش الأحزاب السياسية، التي تهجر السياسة تدريجياً أو تتحول إلى مجرد دمى متحركة لمصلحة النظام... (كما) أنها ستسهم في خلق برلمان مفتت معتمد على كتل هشة، تنتج حكومة ضعيفة، في مواجهة السلطة التنفيذية. كما تنتج برلماناً ضعيفاً في مواجهة السلطة ذاتها.
ختم الدكتور عبد ربه شهادته بقوله: لا يمكن لمصر أن تستمر بهذه الأوضاع المقلوبة كثيراً، ولا يمكن للصقور الهيمنة على مطابخ السياسة طول الوقت. وإلا سنضيع الفرص الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تحين لحظة حساب عسير (انتهى).

(3)

حين بيَّن مركز «بيو» للدراسات في استطلاع الرأي الذي أجراه في مصر أن 54 في المئة من المصريين يؤيدون إقامة حكومة مستقرة وأن 44 في المئة رأوا العكس، فإنه سلط الضوء على وجه آخر للمشكلة. ذلك أن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن الإجراءات المتخذة، وما سبق ذكره جزء منها، يلقى قبولا من الأغلبية التي لا استبعد أن تكون في الحدود التي ذكرها استبيان المركز الأميركي، إذ لا ينكر أحد أن كثيرين حل بهم التعب بعد الذي جرى خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الثورة. منهم من أضير اقتصادياً ومنهم من استبد به القلق جراء استمرار التظاهرات ووقوع حوادث العنف إلى جانب الخوف الذي أثارته العمليات الإرهابية، والتعميمات شبه اليومية التي تتحدث عن مؤامرات تدار في الخارج وخلايا نائمة أو غاشمة تتحرك في الداخل. وهذا الشعور بالخطر أبرز الحاجة الملحة للأمن، الذي أصبح كثيرون ينشدونه بأي شكل ومن أي باب. ولا غرابة في ظل وضع بهذه المواصفات أن تفضل الأغلبية وجود حكومة مستقرة وقوية، ولا تكترث كثيراً بضرورة الحكومة الديموقراطية. وهو ما سجله محللو مركز «بيو» للدراسات حين تحدثوا عن تراجع التأييد الشعبي للديموقراطية في مصر. بعدما لاحظوا انخفاض نسبة المؤمنين بالديموقراطية كأفضل شكل للحكومة إلى 59 في المئة في شهر أيار 2014، في حين أن النسبة كانت 66 في المئة في العام الماضي و71 في المئة في العام 2011.. في التعليق على ذلك التراجع ذكر خبراء المركز ان الأغلبية من المصريين تقول إنه من المهم الحياة في بلد يتمتع بأساسيات الديموقراطية، إلا أن التأييد الشعبي للمكونات الأساسية للنظام الديموقراطي مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والانتخابات النزيهة، تراجع بدرجة ملحوظ خلال العام الحالي (2014).
إذا صح ذلك التحليل فهو يعني أننا صرنا بإزاء معادلة جديرة بالملاحظة. إذ في حين تقدم الحكومة على العديد من الإجراءات غير الديموقراطية، من منع التظاهرات إلى تأميم السياسة وتأميم الجامعات والمساجد...الخ، فإن الأغلبية باتت مستعدة لتمرير كل ذلك، أملا في تحقيق الاستقرار الذي ينشدونه. يؤيد ذلك الاستنتاج اننا صرنا نسمع في مصر هذه الأيام مديحاً للرئيس الأسبق حسني مبارك بدعوى استقرار عهده، برغم كل ما جرى في سنواته الثلاثين من فساد وقمع وانهيار في الخدمات وغرام مع الإسرائيليين وتقزيم للدور المصري.

(4)

لا غرابة والأمر كذلك أن يتأجل الحديث في السياسة في مصر، وان يحتل الكلام عن الاقتصاد رأس «أجندة» النظام الجديد. إذ تدل مختلف الشواهد على أن الحديث عن الحريات العامة مؤجل إلى وقت غير معلوم، في حين أن التركيز كله على أزمة الاقتصاد وحلولها المقترحة التي تتجه فيها الأبصار إلى الخارج قبل الداخل. وهو الوضع الذي يريح السلطة الجديدة ويدغدغ مشاعر المأزومين، ناهيك عن أنه يظل مصدر راحة كبرى للدول الخليجية التي ألقت بثقلها المالي إلى جانب النظام الجديد، وهي الدول المعنية بالإعمار والنهوض الاقتصادي، وليس الإصلاح الاقتصادي مدرجاً ضمن جدول أعمالها.
ثمة هاجس يلح عليَّ في متابعة المشهد المصري كتمته طويلا، لكنني لم استطع أن أخفية في السياق الذي نحن بصدده. ذلك انني من قراءاتي المتواضعة في تاريخ النظم السياسية أدركت أن الفاشية ظهرت في إيطاليا في ظروف مماثلة لتلك التي نمر بها. ذلك أنها انتشرت هناك بعد الحرب العالمية الأولى (عام 1919) حين خرجت إيطاليا مأزومة سياسياً واقتصادياً، وكانت تبحث عن منقذ يجسد الزعيم القوي الذي يلملم شتاتها ويعيد إلى الدولة عافيتها وإلى السلطة قبضتها وهيبتها التي تعيد بها تنظيم المجتمع وتؤمنه ضد خطر الشيوعية. وهذه الأجواء هي التي جاءت بموسوليني إلى الحكم في العام 1922. إذ اعتبرته الجماهير ممثلا لكل ذلك، الزعيم المحبوب والقائد المخلص الذي يعول على قوة الجيش وبطش السلطة.
ثمة تفاصيل كثيرة تدخل تحت تلك العناوين التي أهم ما فيها أنها تدق أجراساً تحذرنا من تكرار تجربة موسوليني ومآلاتها. وقد ازداد رنين تلك الأجراس عندي ما قرأته في عناوين الصحف يوم الاثنين 9/6 التي وصفت وقائع تسليم السلطة للرئيس الجديد، إذ أخافني في تلك العناوين تمجيدها لقبضة وحزم الرئيس المخلِّص وعودة الدولة القوية والسلطة المركزية القادرة. (مواجهة الإرهاب في زماننا تعادل التصدي للشيوعية في نظام موسوليني).