خبر مؤتمر هرتسيليا في يومه الأول : لا بديل عن الولايات المتحدة لإسرائيل

الساعة 05:59 ص|09 يونيو 2014

القدس المحتلة

انطلقت في هرتسيليا، مساء الأحد، أعمال المؤتمر السنوي الرابع لمعهد السياسات والاستراتيجيات الإسرائيلي، تحت عنوان: "إسرائيل ومستقبل الشرق الأوسط". وحدد المؤتمر أربعة محاور رئيسية للبحث، هي: "التجديد والسايبر"، ومستقبل الشرق الأوسط، والأمن القومي والسياسة الخارجية، والاقتصاد والمجتمع.

وبمعزل عن الكلمات السياسية لوزراء في الحكومة الإسرائيلية تحدثوا أمام المؤتمر، وأبرزهم وزيرا المالية، يئير لبيد، والاقتصاد، نفتالي بينت، فإن الجلسات "البحثية" لخبراء الاستراتيجية والأمن القومي، ركّزت على موضوعين رئيسيين، تم اختصارهما بسؤالين: هل هناك خيار استراتيجي آخر أمام إسرائيل سوى الولايات المتحدة في ظل الحرب الباردة الجديدة؟ وما هي التهديدات والتحديات الأمنية الرئيسية أمام إسرائيل في عالم متغيّر وواقع إقليمي غير مستقر؟

لا خروج من التحالف مع الولايات المتحدة

وبدا من مداولات الجلسة الخاصة بخيارات إسرائيل، أن المتحدثين الرئيسيين، وفي مقدمتهم المدير العام لوزارة الخارجية السابق، ألون لوئيل، والمستشار الاستراتيجي، ميخائيل هرتسوغ، والنائب في الكنيست، رونين هوفمان، أجمعوا على أنه في ظل الوضع القائم، واستناداً إلى كون إسرائيل جزءاً من المنظومة الأميركية والغرب بشكل عام، فإنه لا يمكن التفكير بالخروج من معسكر التحالف مع الولايات المتحدة لصالح خيارات أخرى، رغم تقاطع المصالح مثلاً في بعض الحالات والأماكن بين إسرائيل وروسيا، أو نسج أسس تعاون جديدة مع الصين وحتى الهند أو اليابان.

وبحسب الخبراء المذكورين، فإن روسيا تبقى الدولة الحليفة لدول معادية لإسرائيل، فهي التي تمد سورية بالسلاح، والصين تبقى صاحبة علاقات مميّزة مع إيران، أما في ما يتعلق بالهند، التي كانت محوراً أساسياً في كتلة دول عدم الانحياز، فإنها، على الرغم من الإشارات الإيجابية من رئيس حكومتها الجديد ناريندار مودي، لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الولايات المتحدة.



أما في سياق تقدير الاستراتيجيات، في ظل التغيّرات الإقليمية والدولية، فبرز تناقض في تقدير حقيقة الاستراتيجية الأميركية في السنوات الأخيرة، بين كل من الخبيرين الأميركيين أنتوني كوردسمان وإدوارد ليتووك.

وذهب الأول إلى الاعتراف بخطأ الاستراتيجيات للرئيس الأميركي باراك أوباما حتى العام 2012، لينتقل بعدها إلى القول إن إدارة أوباما لم تقم بالانسحاب من مواقعها ومكانتها العالمية، بل عززت من وجودها حيث يجب، بالرغم من أن التراجع الذي ظهر للعيان كان مردّه نكوص الشركاء في حلف شمال الأطلسي، وتراجعهم عن قسم كبير من دعمهم المالي للحلف، فيما وجدت واشنطن نفسها تتحمل قسطاً أكبر من مصاريفه، وارتفعت حصتها من 66 في المئة في العام 2008 إلى 73 في المئة من مجمل المصروفات، بالرغم من التقليصات الكبيرة في ميزانية الأمن الأميركية، بعدما قلّصت كل من بريطانيا وفرنسا حصتيهما في تغطية مصروفات الأطلسي.

وقال كوردسمان إنه في المسألة الأوكرانية وحالة شبه جزيرة القرم، "لا نعرف ما الذي حدث فعلاً"، كما أن الولايات المتحدة لم تطور خطة مدروسة لتوجهها نحو آسيا.

وخلافاً للانطباع العام، وبالرغم من أنه يبدو أن روسيا تدخل بقوة وزخم كل مكان تتركه الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تتخلَّ عن منطقة الشرق الأوسط ولا عن دورها فيها، كما عززت من انتشارها العسكري في منطقة الخليج، حيث أبرمت صفقات أسلحة بنحو 70 مليار دولار تبعاً لدرجة التهديد الإيراني لدول الخليج العربي.

واعتبر كوردسمان أن التحدّي الأكبر للولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي هو الصين، فهي دولة عسكرية عظمى وجادة، وإيران مرتبطة بها، وهناك فروق في الموازين والموازنة بين الشرق الأوسط وبين الشرق الأقصى كمّاً ونوعاً. ولخّص تقديره لإدارة أوباما بأنها تتمثّل بكثرة الخيارات وقلّة القرارات.

أما إدوارد لتووك، فاعتبر أن التحديات التي تشكلها الصين، كانت وراء سلسلة تحالفات متناقضة وواسعة في دول شرق آسيا وجنوبها، تبدأ بتحالف اليابان مع الهند، مروراً بضم ماليزيا وأندونيسيا. لكنه أشار إلى أن الفارق بين التحدّيين الصيني والروسي، يكمن في كون الصين تفتقر إلى البعد الاستراتيجي في عملها، خلافاً لروسيا. مع ذلك أقر بأنه لا يمكن العمل على إفقار الصين، لأننا "سنصبح نحن أكثر فقراً منها كتحصيل حاصل لذلك".

مبادئ أساسية يجب إدراكها

وفي سياق التخطيط الاستراتيجي لإسرائيل لمواجهة التحديات المفروضة عليها، اعتبر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال يعقوب عامي درور، أنه لا بد لإسرائيل من أن تنطلق من مبادئ أساسية عدة، تبني عليها خططها الاستراتيجية؛ الأول هو الإطار العام الذي تنشط فيه إسرائيل، وسمته الأساسية اليوم هي الفوضى العارمة، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وإنما في العالم، وبالتالي على إسرائيل "أن تفهم أنه مهما حدث، لن تتمكن من تغيير عدم التوازن الكمي والعددي مع محيطها، وعليها الاستعاضة عن ذلك بحلول نوعية".

والمبدأ الثاني جوهره أنه مهما حاولت إسرائيل استشراف حقيقة نبض الشارع العربي، فإن الخطر الذي ستواجهه يزداد، لأن قسماً كبيراً من محيطها لا يعترف بها. ويقود هذا المبدأ، بحسب عامي درور، إلى الاستنتاج المبدئي بأن قدرة إسرائيل وقوتها هي الرادع الأساسي في تحديد علاقة محيطها معها، "وحتى لو لم تستعمل هذه القوة فإنها ستفرض على دوله أن يكونوا أصدقاء".

وبناء على المبادئ أعلاه، ينصح عامي درور إسرائيل بالتواضع أولاً، وثانياً باتخاذ جانب الحذر في تصرفها، "لأن من شأن خطأ واحد أن يحول دون قدرتها على حماية نفسها".

ويرى الرجل الاستخباري أن هناك ثلاثة أخطار أساسية تهدد أمن إسرائيل، هي إيران ورغبتها في الحصول على قدرات نووية، وعشرات آلاف الصواريخ والقذائف التي تهدد أمنها، وأخيراً "الإرهاب السني" في سيناء وسورية، واحتمالات اندلاع العنف في قطاع غزة.

ولعل أبرز ما جاء في حديث درور، اعترافه وتحذيره من أنه في أي حرب مقبلة، "سنضطر إلى المسّ بكثير من المدنيين، بفعل بقاء منصات إطلاق الصواريخ داخل الأحياء السكنية، وبالتالي علينا أن نقول ذلك للعالم مسبقاً، فلا يمكن مثلاً تجاهل الأمم المتحدة أو مقاطعتها، يجب أن نعلن أننا لن نسمح لكل منصة صواريخ تطلق الصواريخ باتجاهنا، بالعودة إلى المبنى السكني الذي خرجت منه، بل سنقوم بضربه بالرغم من وجود المدنيين فيه".

شابيرو: حل الدولتين ضمان إسرائيل يهودية

ومع انطلاق المؤتمر، أعلن السفير الأميركي لدى الكيان الصهيوني، دان شابيرو، أن الولايات المتحدة تعتقد بأن حل الدولتين هو الوحيد الكفيل بتحقيق "الأماني" الإسرائيلية، بضمان غالبية يهودية وديموقراطية في إسرائيل، مقابل منح الشعب الفلسطيني دولة مستقلة. واعتبر شابيرو أن مفاوضات الأشهر التسعة لم تكن مضيعة للوقت، في إشارة لمباحثات السلام التي انطلقت بين الفلسطينيين والاسرائيليين في يوليو/ تموز الماضي، بل إنها مفيدة "لأنه تم خلالها إنجاز الكثير من العمل، وبالتالي فإنه مع استئناف المفاوضات، سيكون من السهل الوصول إلى إطار للحل".

وحاول شابيرو الموازنة في توزيع المسؤولية عن فشل المفاوضات، عندما أعلن أنه "على الرغم من أن كلاً من الرئيس محمود عباس، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ملتزمان بالمفاوضات وبالسعي للوصول إلى حل، إلا أن الطرفين قاما بخطوات غير مفيدة"، على حد تعبيره، مثل مواصلة إسرائيل للبناء في المستوطنات، من جهة، وتوجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية من جهة ثانية.

ونفى شابيرو، في سياق كلمته، أن تكون الولايات المتحدة تتبع استراتيجية تقود إلى الانعزال والانسحاب من الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم، مشيراً إلى أن استراتيجية إدارة الرئيس باراك أوباما تقوم بالأساس على اعتماد الحل الدبلوماسي دائماً في مقدمة الخيارات، ومن ثم العقوبات، "وفقط في حال لم تجدِ، تلجأ إلى الحل العسكري".

وتطرّق شابيرو إلى الملف الإيراني، فاعتبر أن سياسة الولايات المتحدة تقوم في هذا السياق على مبدئين أساسيين: الأول منع إيران من حيازة قدرات نووية، والثاني ضمان حصر المشروع الإيراني بالأغراض السلمية.