خبر موظفو غزة يحبسون أنفاسهم ترقبا لوصول المنحة القطرية

الساعة 05:02 م|08 يونيو 2014

الاناضول

كعادته، ومنذ إشاعة خبر قرب موعد صرف رواتب الموظفين الذين يتلقون راتبهم من حكومة رام الله، انتظر أمجد عليان أمام أحد البنوك على أمل أن يعود لمنزله وهو يحمل راتبه الشهري ليبدأ بتسديد الديون التي تراكمت عليه خلال الأيام الأخيرة.
ولأن عليان من موظفي الحكومة السابقة في رام الله، لم يتمكن من صرف راتبه بعدما منعه زملاء له تابعين لحكومة غزة السابقة لم تصرف لهم رواتبهم وفق اتفاق المصالحة الذي وقعته مؤخرا السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة "حماس" في غزة.
وعاد عليان إلى منزله وهو يفكر في كيفية توفير مصاريف أسرته لحين صرف الراتب وحل الأزمة.
حال الموظف عليان كآلاف الموظفين الذين يتلقون رواتبهم من قبل حكومة رام الله وغزة سابقاً، حيث ينتظرون موعد الإعلان عن صرفها بفارغ الصبر لتمكنهم من تسديد الالتزامات المترتبة عليهم، وتوفير ما تحتاجه أسرهم.
ويعمل في غزة نحو 40 ألف موظف كانوا يتلقون رواتبهم من حكومة "حماس" ويُفترض أنّ يتلقوها من الحكومة التوافقية التي أدّت اليمين الدستورية في الثاني يونيو/حزيران الجاري.
تأخر الرواتب يقلق الموظفون
ويشير عليان إلى أن أكثر ما يقلق الموظفين هو استمرار تأخر الرواتب، منوهاً إلى أن عدم تحديد موعد ومبلغ ثابت لها، "سيخلق الكثير من الأزمات في الحياة اليومية لا سيما وأن الشارع الفلسطيني يتفاعل فور تلقي الموظفين لرواتبهم أما غير ذلك فإنه يخلق حالة من الركود والضعف في الحياة الاقتصادية وبالتالي سنشهد حالة من التعطيل والانقسام واللجوء إلى الإضرابات".
وطالب عليان حكومة التوافق بتحديد موعد ثابت لتلقي رواتب جميع الموظفين سواء من حكومة غزة أو رام الله سابقا دون تمييز، وطمأنة الموظفين في حال التأخير.
ويبدي عليان الذي يعمل في أحد الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة رام الله، قلقه خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، من أن تزداد قضية الرواتب سوءا، مستدركاً "لكن ربما تحل الحوالة القطرية أزمتنا وأزمة موظفي حكومة غزة".
وبعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، قامت حركة حماس بتوظيف قرابة 40 ألف موظف في الوزارات والمؤسسات الحكومية، بعد أن طلبت السلطة (في رام الله) من الموظفين التابعين لها الجلوس في منازلهم والامتناع عن الذهاب لوظائفهم.
وقالت حركة حماس، إنها اتفقت نهاية شهر إبريل/نيسان الماضي، مع حركة فتح على أن تتولى الحكومة القادمة دفع رواتب كافة موظفي الحكومتين السابقتين في غزة والضفة.
لكن الراتب الذي أرسلته الحكومة الفلسطينية، اقتصر على موظفي حكومة رام الله، ولم يشمل موظفي حكومة حماس السابقة، الأمر الذي نشب عنه خلافات بين الطرفين، دفعت الشرطة الفلسطينية لإغلاق البنوك.
وكان عباس قد استنكر، مساء أمس السبت، ما قال إنّه تنظيم حركة "حماس" تظاهرات لإغلاق المصارف في قطاع غزة، بهدف منع موظفي الحكومة من استلام رواتبهم.
وشدّد عباس، خلال لقاء تلفزيوني عبر قناة مصرية، على أنّ تظاهرات إغلاق المصارف "تُعطي إشارة سيئة لنوايا حماس من وراء المصالحة".
لكن القيادي البارز في "حماس"، صلاح البردويل، قال للعربي الجديد اليوم، إنّ الحركة "تأسف للتصريحات التي صدرت على لسان عباس من مصر". موضحا أنّ "ادعاء" أبو مازن بأنّ "حماس" هي التي تتكفل برواتب موظفي غزة، يشكل "تجاهلاً للحقيقة والاتفاق الموقع مع فتح".
بعد "الحوالة" التأخير غير مبرر
أما الموظف أبو فؤاد النخالة قال:" صحيح كان شعارنا ما بدنا نأكل ولا نشرب بس نعيش أخوة وننهى مرار الانقسام، لكن الآن لم يعد أي دواعي لتأخير صرف رواتبنا خاصة وأنه سيتم تحويل المبالغ التي تفي بالتزاماتنا من دولة قطر".
ويتساءل أبو فؤاد عن موعد وصول الحوالة القطرية، " فلدينا التزامات وبيوت مفتوحة ولا يوجد عندنا مدخرات".
ويختم الموظف أبو فؤاد حديثه قائلا: "أطالب الحكومة بعدم التأخر دقيقة بصرف رواتبنا بعد وصول الحوالة القطرية. التأخير بذلك غير مبرر ولا نقبله. أعتمد في تدبير شؤون عائلتي على راتب زوجتي فلولاها لما استطعت توفير لقمة العيش لأولادي".
وتعهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس حكومة غزة سابقا، إسماعيل هنية، الخميس الماضي، بدعم حكومة التوافق الوطني لتمكينها من صرف رواتب موظفيها لعام كامل، خصوصًا موظفي الحكومة السابقة في قطاع غزة.
وبين أبو فؤاد أنهم يستدينون لتوفير مستلزماتهم، مشيراً إلى عدم قدرته على دفع إيجار شقته ومستحقات الكهرباء والماء.
ونظرا للضائقة المالية التي يعاني منها الموظفون بشكل عام اضطر جزء كبير منهم للاقتراض من البنوك وعند قيام الحكومة بصرف نصف الراتب فإن البنك يقوم بالاقتطاع منه وهذا بدوره أدى إلى تفاقم المشكلة، فضلا عن كون جزء كبير من الموظفين لديهم أبناء في الجامعات وبسبب تأخر صرف الرواتب لم يتمكن الموظفون من دفع الأقساط الجامعية وبالتالي لم يتمكن أبناؤهم من التسجيل في الجامعات خلال الفصل الدراسي الصيفي.
في عداد الأموات
ويقول الموظف في حكومة غزة سابقا، ناجي ياغي إن تأخر الحكومة السابقة في صرف الرواتب يجعل حياتهم وحياة أسرهم وكأنهم في "عداد الأموات"؛ فلا يستطيعون العيش بشكل طبيعي.
وأضاف: "تتأخر الروات كل شهر. يمر اليوم تلو الأخر دون أن نسمع أي شيء عن الراتب مع علم الحكومة بواقع الموظفين وارتفاع الأسعار وعدم كفاية الراتب الذي تسلمه لموظفيها".
وأضاف ياغي: "الوضع أصبح صعبا. الحكومة دائمًا تتذرع بحجج لا يفهم منها الموظف شيئًا، فهو ليس معنيًّا بوجود أزمة مالية، كما أنه ليس معنيًّا بتأخر الدول المانحة عن دفع الأموال للسلطة. كل ما يهم الموظف هو توفير راتب مع بداية كل شهر".
وأكد أن توفير الرواتب هو أبسط حقوق الموظفين، وأهم واجبات الحكومة الفلسطينية، وعليها توفيره لآلاف الموظفين الذين ينتظرون كل شهر تسلم الرواتب، مشددا على ضرورة إيجاد حلول جذرية لخلافات الأزمة المالية.
ويقول الشاب "عيسي حمدان" (29 عاما) إنه منذ أسابيع لم يجد شيكلا واحدا يستطيع به الوصول لعمله وإنه يضطر لقطع لبعض كيلو مترات يوميا مشيا على الأقدام للوصول إلى عمله في إحدى المقرات الأمنية بمدينة غزة.
وأضاف لـ "العربي الجديد"، "قبيل الأزمة كنت اصطحب أطفالي وزوجتي أسبوعيا للترفيه عنهم للتنزه. الحسابات الأن تغيرت كثيرا. نحاول تقليص مصروفاتنا قدر المستطاع".
واعتبر حمدان أن الموظفين في قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر حتى مع انتظام الرواتب، مبينا أن مبلغ 300 دولار -نصف راتب-يتبخر بعد ساعة من استلامه حيث يقوم بسداد ديونه
أزمة الرواتب مزمنة
ويحاول حمدان التهرب من بقّالة جاره، وورقات دين تراكمت عليّه في أكثر من مكان، ولم يعد يؤمن بشعار "الأمان الوظيفي" و"الاستقرار"، وغيرها من المقولات التي لطالما افتخر بها عندما نال وظيفته في القطاع الحكومي، على حد تعبيره.
ويعول حمدان على "الحوالة القطرية" قائلاً:" نشكر دولة قطر على خطواتها الايجابية اتجاه الفلسطينيون، ونأمل أن تستطيع الحوالة القطرية الإيفاء برواتبنا لمدة عام كامل كما أشيع".
وباتت أزمة الرواتب من ضمن الأزمات التي يعيشها سكان قطاع غزة كأزمة الوقود والغاز والكهرباء والمواصلات والغلاء المعيشي وأكبرها السجن الكبير "الحصار".
وقال وكيل وزارة المالية الفلسطينية يوسف الكيالي، في تصريح صحفي سابق: "لا جديد في موضوع صرف الرواتب ولم يتم تحديد موعد. ولا زلنا ننتظر وصول الحوالة القطرية للخزينة للبدء بإجراءات صرف الرواتب"، مبينًا أن الشهور المقبلة ستشهد انفراجه في الأزمة المالية للحكومة.
وتفرض إسرائيل حصارًا بحريًا وبريًا وجويًا على غزة، منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية يناير/ كانون الثاني 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي.
ويعيش حوالي 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة واقعا اقتصاديا وإنسانيا قاسيا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي، والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية.