خبر حركة الجهاد الإسلامي: القدرة على الطفو فوق كل التعارضات ...!..بقلم: حسين حجازي

الساعة 08:37 ص|07 يونيو 2014

يقول لنا الأخ رمضان عبد الله شلح ونائبه زياد النخالة وبخلاف الانطباعات والتحليلات السائدة ان لإسرائيل ضلعا ثالثا في هذه المصالحة التي تحققت بين "فتح" و"حماس"، ما يعني ان ما جرى ليس مبادرة فلسطينية خالصة أو قرارا فلسطينيا خالصا بإنهاء الانقسام، وبحسب الدكتور شلح في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الحياة اللندنية" بعيد الإعلان الاحتفالي عن إنهاء الانقسام بأيام، فإن بنيامين نتنياهو ربما شجع من طرف خفي على الدفع بأبو مازن الى هذه المصالحة مع "حماس"، لإظهار الرجل وكأنه يحقق إنجازا أمام شعبه فيما لم يستطع تحقيقه من المفاوضات، وإلا كيف تم سلق هذه المصالحة هكذا فجأة على عجل بالقفز عن الخلافات البرامجية بين الطرفين؟ مشيرا إلى أن حركته لم تكن أصلا جزءا من الانقسام وهي اليوم لا تعرف ما جرى في كواليس هذا الاتفاق. أما نائبه الأخ زياد النخالة فاستدل على مصلحة إسرائيل في إنهاء هذا الانقسام، من كون ان السيد عزام الأحمد ظل "رايح جاي" إلى غزة بموافقة إسرائيل، التي كان بمقدورها لو لم تكن راغبة عدم تسهيل حركة الرجل. ولكنه كشف في ذات السياق بعد أن قام وشلح بزيارة مصر، عن أن هذه الأخيرة تنظر إلى ما جرى بحذر.

 

لا يدلنا السيد أبو عبد الله والنخالة على قرائن هنا للتأكيد على صحة ما يقولان، سوى تحليل يغلب عليه الظن وهو اقرب إلى الشك أو "اغلب الظن" لحركة تبدو في تعففها وزهدها السلطوي وتأكيدها المتواصل ولكن المجرد أو الطُهراني المثالي على المقاومة الخالصة، وكأنها مسكونة بهذه النزعة الخالصة من النقاوة الثورية، التي هي سمة بارزة لهذه التنظيمات والحركات المغلقة ربما والحلقية. وحيث يبدو الانخراط في العمل السياسي هنا نوعا من اللوثة او النجس الذي يجافي هذه الاستقامة المجردة أو الطهرانية، وهي الاستقامة التي تذكرنا بماضي الجبهة الشعبية في شخص جورج حبش وخلفائه أبو على مصطفى واحمد سعدات. وعليه فإن القرينة المشتركة والأقرب ربما لفهم "الجهاد الإسلامي" في السياق التاريخ الفلسطيني، ربما كانت ولا تزال الجبهة الشعبية اليسارية. وحيث يمكن القول في هذا السياق إن الجبهة الشعبية هي التي لعبت دور "انكيدو" مقابل "فتح" خلال العقود الأولى من عمر الحركة الوطنية الفلسطينية، بينما اليوم تلعب "الجهاد الإسلامي" هذا الدور الرمزي الموازي مقابل "حماس". "انكيدو" التي تقول الأسطورة انه لم يمل من مجادلة البطل جلجامش في رحلته للبحث عن الخلود.

وهكذا إذاً، وقد اقمنا هذا التناص التاريخي، فإنه يسهل علينا الآن ربما وضع هذه الانتقادات او السجال الجهادي في إطاره الصحيح، أي باعتباره موجها بالأساس لحركة حماس. انه سجال في الجناح الإسلامي السياسي المقاوم يعيد التذكير بالسجال القديم زمن السبعينيات داخل الجناح السياسي الماركسي بين الجبهة الشعبية والديمقراطية، كما السجال الراهن في مصر بين الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي. وحيث الغيرية على المقاومة الخالصة في خطاب "الجهاد الإسلامي"، والغمز من قناة الميل السلطوي أو البراغماتي لـ"حماس"، هو المعادل الموضوعي لخطاب الجبهة الشعبية الراديكالي، عن الانحراف اليميني لـ"فتح" باتجاه التسوية والمساومة، وتنظيرات "الديمقراطية" للبرنامج المرحلي أو الواقعية الثورية كما سماها نايف حواتمة. وحيث موقف الرفض يتساوى في تماهيه من "الدولة الفلسطينية المسخ"، كما الصراع أو الاتفاق على تقاسم السلطة التي هي امتداد لأوسلو.

لكن ما لم استطع فهمه كحل لهذا التناقض هو شاب في التاسعة عشرة من عمره معتقل في سجن غزة العام 1974، كيف يمكن رفض الدولة الفلسطينية وبين الصوت الذي يصدر من إلهامي وحدسي الداخلي الذي يرى إلى هذا الرفض كخطأ. فإن حركة الجهاد الإسلامي هي التي تحيرني اليوم كهلا ومحترفا في تحليل السياسات. وإذ يمكن للتحليل السياسي المفتقد إلى المعلومات أن يذهب الى "اغلب الظن"، فإنه في ظني لا يجوز للحزب او الحركة السياسية باعتبارها تمثل عقلا جماعيا أو تنظيما على درجة أعلى في مسؤوليته السياسية والأدبية من التحليل الصحافي، ان يذهب الى هذا الحد في مجافاة المنطق والتحليل الواقعي للأحداث، إلى حد الاعتقاد او حتى الافتراض بأن بنيامين نتنياهو يخشى على مكانة أبو مازن، ولهذا السبب فإنه يتواطأ بشكل خفي لتسهيل مهمة مصالحته مع "حماس". ولكنه في هذه اللعبة او المناورة المخادعة ولكي يمارس نوعا من التضليل بمعادات المصالحة علنا، فإنه يخاطر بإطلاق الرصاص الى قدميه بإعطاء أبو مازن و"حماس" هذه المرة معا انتصارا دبلوماسيا عليه في المجتمع الدولي، ما هذا الكلام؟.

لكن أوليس هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن ان تفضي إليه فرضية التواطؤ او المصلحة الإسرائيلية في تحقيق المصالحة إذا كانت الأمور تقترن بنتائجها؟ وبالنتيجة فإن إسرائيل هي التي خرجت وحيدة خاسرة مرتين من هذه الحركة الاستباقية، التي بادر إليها أبو مازن و"حماس": المرة الأولى بإغلاق ثغرة الانقسام ولعب نتنياهو على هذا الشقاق، والمرة الثانية بظهور إسرائيل معزولة وعلى المستوى الدولي وحتى من اقرب حلفائها.

ان القادة المهرة هم الذين يخوضون مئة معركة حربية من دون قتال، وعليك أولا ان تهزم استراتيجية عدوك وبعد ذلك تفكيك تحالفاته. وهذه ضربة استراتيجية مزدوجة سيد رمضان شلح وزياد النخالة، تم توجيهها من دون إطلاق رصاصة واحدة. فالعالم كله أدار ظهره لنتنياهو، فهل كان يسعى نتنياهو الى ذلك؟ ان إسرائيل لا تريد سلاما ولا تريد أبو مازن، ولكن هل كان قرار المصالحة الآن وفي هذا التوقيت قرارا إسرائيليا، او حتى قرار أبو مازن؟ وأنا أقول كلا. لأنه كان واضحا لكل من له بصيرة، بأن من كان بيده هذا القرار التاريخي بإنهاء الانقسام وتقديم تنازلات او التضحيات المطلوبة لإنهاء الانقسام، هو حركة حماس و"حماس" على وجه التحديد. وهي التي قدمت البضاعة المطلوبة وكلنا نعرف لماذا اختارت "حماس" إنهاء هذا الموضوع.

لكن دعونا نقارب هذا الاستنتاج الآخر في سياق هذه المناقشة، اذ ينقل الأخ زياد النخالة بعيد زيارته والسيد شلح الى مصر الانطباع ان المصريين يبدون حذرا، لا ادري ان كان قلقا من المصالحة، وهو انطباع استطيع شخصيا ان اصدقه بالرغم من ان الموقف المعلن للسلطة الجديدة الحاكمة في مصر هو الترحيب بالمصالحة، وهذا الموقف الآخر لا يمكن التشكيك فيه طالما انه ليس ثمة مجال لاتخاذ موقف غير ذلك، حتى مع بعض الحذر او التحفظات التي يمكن التعبير عنها داخل الغرف المغلقة، اذ حتى الجهاد على كل هذه التحفظات او التلميحات التي نناقش بعضها هنا، فإن الموقف الأخير والمعلن للجهاد الإسلامي هو الترحيب بالمصالحة.

لكن ما يلفت الانتباه في الواقع في كل ما يتعلق بالزيارة اللافتة بحد ذاتها، في هذا التوقيت الى مصر بدعوة خاصة من المسؤولين المصريين الى السيد رمضان شلح ونائبه، هو التصريح الوحيد الذي أعطاه النخالة عن فحوى ما تضمنه هذا اللقاء، حيث أشار النخالة الى ان الجانب المصري اكد لهم ان مصر ترفض الاعتراف بيهودية الدولة، التي يتم الضغط حولها على أبو مازن في المفاوضات، وان يصار الى تحديد سقف زمني لهذه المفاوضات. طيب، السؤال الذي يستدعي طرحه هنا ما دخل "الجهاد الإسلامي" في هذا الموضوع؟ ان يكون للمفاوضات سقف زمني او لا يكون؟ اذا كانت المفاوضات من اصله ومن حيث المبدأ مرفوضة من وجهة نظر "الجهاد الإسلامي"، أكانت بسقف زمني او من دون هذا السقف. وإذاً، هل لهذا السبب صديقنا الفاضل والأستاذ زياد النخالة، تم هذا الاستدعاء المصري لكم لمواصلة المشاورات في هذا التوقيت؟ في إطار هذه المشاورات المتصلة مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة؟.

تبدو "الجهاد الإسلامي" من هذا المنظار كحركة او مجموعة سياسية خالصة تملك عقلا سياسيا محترفا، يمكنها من هذه القدرة على الطفو او القفز للعبور من بين التناقضات او التعارضات بين القاهرة وطهران، في تخط واضح لأزمتين حادتين: الأزمة السورية وأزمة الانقلاب على نظام الإخوان المسلمين لمصر. وهما الأزمتان الكبيرتان اللتان قصمتا ظهر "حماس"، ودفعتها ركضا الى المصالة مع "فتح" وأبو مازن، وكانت ذروة هذه الحذاقة السياسية التي تشبه فصلا مسرحيا، هو وقوف "الجهاد الإسلامي" بعد ذلك موقف من يقرع "حماس" والجانبين معا، بوصفهما مدانين في شراكتهما غير النزيهة، في التوصل الى صفقة سياسية استجابة لمصالحهما دون إشراك "الجهاد الإسلامي" والفصائل الأخرى، بل ومن وراء ظهرهما وكأنهما يقومان بعمل من أعمال الرجس معلنة براءتها من هذه العملية، التي لم تكن "الجهاد" طرفا فيها منذ بدايتها أي في الانقسام كما في نهايتها. دون ان يطرح احد السؤال عن كيف تفوقت "الجهاد الإسلامي" على الطرفين معا؟ في حقيقة ان كونها هي الطرف الفلسطيني الوحيد الذي تبدو جميع خطوطه مفتوحة وغير معطلة مع كافة المعسكرات او المحاور الإقليمية، رغم ما يباعد بين هذه المحاور من خلافات.

ولا شك ان "الجهاد الإسلامي" العازفة عن السلطة والزاهدة في المناصب في أنها تفوقت على الجبهة الشعبية في هذه المرة ان تكون لاعبا فلسطينيا مفضلا وقت اشتداد التناقضات، فهي الحصان المفضل بعد خيبة الأمل من "حماس"، في ذروة الأزمة السورية من لدن محور الممانعة (ايران وسورية و"حزب الله" وقناة الميادين اللبنانية). وهي أيضا سبق هذا الرهان وآمل ان اكون مخطئا بالنسبة للنظام الجديد في مصر، بعد ان فشل الجنرال عبد الفتاح السيسي في إقناع أبو مازن ان المشكلة في "فتح" وليس بين "فتح" و"حماس". ولعلني أرى اليوم ان سبق الرهان الحقيقي الفلسطيني. هو على رجل واحد محترم ومخلص وشريف هو الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأخ رمضان عبد الله شلح نفسه، بالقفز بالجهاد الإسلامي فوق كل هذه الرهانات الخارجية الواهمة.

وحسنا يقول لنا زياد النخالة، ان علاقات "حماس" مع ايران بخير، ولكن الأحسن من ذلك ان تكون الأمور جميعا بخير مع مصر، وهو لم يكشف لنا هنا ما يمكن ان يكون قد سمعه من المصريين بشأن ترميم هذه العلاقة. وان يعمل الكل الفلسطيني لأجل تجنيب الساحة الفلسطينية المزيد من المؤثرات والتوترات. وأظنه هنا يكمن اختبار الدور القيادي المميز لامين عام "الجهاد" رمضان شلح باعتباره صمام الأمان.

لكن أوليس هنا في هذا التقدير لقائد "الجهاد الإسلامي" ما يمكننا من العثور على الدلالة المشتركة الأخرى في قصة الجبهة الشعبية و"الجهاد الإسلامي"؟ حين ندرك الآن ان القرارات المبكرة التي اتخذتها إسرائيل في كلا الحالتين، بإبعاد رمضان شلح واغتيال فتحي الشقاقي في وقت متقارب ابان الانتفاضة الأولى، ثم اغتيال ابو علي مصطفى واعتقال احمد سعدات في ذروة الانتفاضة الثانية، بهدف واضح هو إبعاد قائدين بارزين يملكان القدرة في التأثير على الأحداث عن الميدان المباشر. شلح بالإبعاد وسعدات بالاعتقال ويمكن سحب ذلك على مروان البرغوثي، وذلك على أمل توجيه ضربة تخل بالعصب القيادي في كلا الحالتين. وفي كلا الحالتين أيضا الرهان الإسرائيلي على إفقاد هاتين الحركتين الاتزان. وهما الفصيلان في الواقع اللذان يشكلان بثقلهما وفعاليتهما الفصائلية العامودين الموازيين المكملين لقواعد البيت، ومع الجبهة الديمقراطية يشكلان اكتمال ألوان الطيف السياسي الخمسة.

09:22 - 07 يونيو, 2014