خبر التركيز على الجوهر وليس المسيرة .. معاريف

الساعة 08:45 ص|06 يونيو 2014

 

بقلم: عاموس يدلين

(المضمون: على اسرائيل أن تتقدم في اتجاه واقع الدولتين من خلال تصميم حدودها  بنفسها. هذه اكثر واقعية وتضمن الهدف الذي قرره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: منع واقع دولة ثنائية القومية من جهة واقامة دولة ارهاب على حدود دولة اسرائيل  من جهة اخرى - المصدر).

قدمت المقابلة التي منحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للصحفي الامريكي جيفري غولدبرغ التصريح الاهم له منذ انهارت محادثات السلام بقيادة وزير الخارجية جون كيري. فقد صرح رئيس الوزراء بان ابو مازن مسؤول عن فشل المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين وانه يفكر بخطوات تضمن الا تتحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية من جهة، ولا تقوم "دولة ارهاب ايرانية" من جهة اخرى – حتى لو استؤنفت المحادثات.

هذا تصريح هام، لان الاسرائيليين، الفلسطينيين والامريكيين كانوا منشغلين في الاشهر الاخيرة بـ "مسيرة السلام" اساسا وليس جوهر السلام وبالتنازلات التاريخية اللازمة من الطرفين لدفعه الى الامام. كان واضحا لمن يعرف مواقف الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، بان ايا منهما لا يمكنه أن يعطي الطرف الاخر الحد الادنى الذي يكفي لاقرار الاتفاق من الجمهورين. وعليه فلا معنى للكفاح في سبيل انقاذ المفاوضات التي انطلقت على الدرب في صيف 2013، او محاولة استئنافها في الصيغة السابقة، المحكومة بالفشل مسبقا.

وبدلا من ذلك، ينبغي الاعلان عن هجم المسيرة الحالية، تفريق الطرفين لفترة تفكير وتقدير، وبدء مسيرة مفاوضات مختلفة تماما، نقية من الشحنات والاخطاء التي راكمتها في السنة الاخيرة كل الاطراف.

للفشل آباء كثيرون

أولا، يجب وقف "لعبة الاتهامات". كل طرف من الطرفين يمكنه أن يسجل في صالحه حقيقة أن المسيرة علقت. فالمفاوضات الحالية ولدت في الخطيئة. خطوات كان يفترض بها أن تشجع ابو مازن وتعززه حيال حماس في صالح الاعتدال في المفاوضات، صلبت مواقفه لدرجة رفض البحث في وثيقة المبادىء والمصالحة مع حماس. فالموافقة الاسرائيلية على تحرير مخربين – قتلة – ساهمت في هز الثقة بين الشعبين. فعندما يرى طرف ما كيف يحتفل الطرف الثاني بعودة القتلة، لا تكون هذه خطوة لبناء الثقة، بل العكس. تحرير مخربين يلوث مسيرة الحوار بوصمة أخلاقية، ويقوض أسس القانون والعدالة الاسرائيلية.

يجب تحرير قتلة مدنيين ابرياء فقط في نهاية المفاوضات وكجزء من المصالحة التاريخية التي في اتفاق السلام. وادخال قتلة مواطنين اسرائيليين في الصفقة بالطريقة التي تمت فيها خلف ظهر حكومة اسرائيل، كان هو ايضا فتاكا لاجواء الثقة بين الطرفين.

هكذا ايضا فهم حكومة اسرائيل بانها مخولة بمواصلة سياسة الاستيطان كونها وافقت على تحرير مخربين. وحتى لو كان صحيحا قانونيا، فقد كان هداما لاجواء الثقة بين الطرفين ولمكانة اسرائيل في العالم. كان من الافضل لو أنه بدلا من تحرير السجناء اختارت حكومة اسرائيل خطوات هي في جوهرها "بانية للثقة"، مثل كبح جماح البناء في المستوطنات، وعلى رأسها المستوطنات المنعزلة غير المتوقع ان تندرج في الاراضي الاسرائيلية في حالة اتفاق سلام، في الدفع الى الامام بمشاريع فلسطينية في المنطقة ج وفي نهج ايجابي من مشاريع مثل مدينة روابي الفلسطينية ومعالجة أكثر تصميما لاعمال "شارة الثمن".

ومع ذلك، من المهم التشديد على دور ابو مازن في فشل المحادثات. فهو لم يوافق على الاطلاق على البحث في وثيقة المبادىء الامريكية – لا مع كيري ولا مع الرئيس اوباما. كما أن القيادة الفلسطينية رفضت البحث في اقتراحات حل وسط لمواصلة المسيرة بعد أن تبلور اقتراح أتاح تحرير قتلة النبضة الرابعة، وفضلت التوجه الى القبول لمؤسسات دولية، خلافا لالتزامها. وهكذا، فان الطرف الفلسطيني قضى على محاولات الحوار وحرف النقاش من الجوهر الى المسيرة. وفوق كل شيء، فان الخطوة الاخيرة التي  تضمنت المصالحة مع منظمة الارهاب حماس واقامة حكومة وحدة، رغم التصريحات الواضحة من قادة المنظمة بان حركتهم لا تعترف بدولة اسرائيل ولن تهجر طريق الارهاب، كانت خطوة هدامة للمفاوضات.

أما الوسيط الامريكي، فرغم مساعيه الكثيرة والصادقة، أخطأ عندما قرر ممارسة ضغط شديد على اسرائيل كي تقبل اتفاق الاطار والامتناع عن سياسة مشابهة تجاه ابو مازن. وتصريحات وزير الخارجية كيري، بشأن الخطر على اسرائيل في المقاطعة والعزلة الدولية، الاحاديث عن دولة أبرتهايد والانتقاد العلني من المبعوث الخاص مارتين اينديك للبناء الاسرائيلي في المستوطنات، هي أمثلة على رسائل امريكية اعتبرها الجمهور في اسرائيل غير صحيحة وغير نزيهة وتأتي لدفع اسرائيل نحو تنازلات غي مقبولة.

وأدت هذه التصريحات عمليا الى تصليب موقف الفلسطينيين – الذين فهموا بان اسرائيل ضائعة اذا لم تساوم في المسائل الجوهرية. ومع أن الطرف الفلسطيني اعتبر في نظر الكثيرين بانه الطرف الضعيف في المفاوضات من المهم أن نتذكر بانه بالضبط مثل دولة اسرائيل – هو أيضا يحظى بحق الفيتو على الاتفاق. وقد استخدم ابو مازن هذا الحق عندما اختار الا يوافق على البحث مع الامريكيين في ورقة مبادىء كيري.

الدفع الى الامام بواقع "الشعبين"

على قائمة الاخطاء التي تميزت بها الاطراف الثلاثة في المفاوضات، ان تشكل اساسا لتقصي الحقائق والانطلاق الى مسيرة مفاوضات تركز على الجوهر وليس على المسيرة. واذا ما تأزرت الاطراف بالشجاعة لخوض محاولة اخرى للوصول الى اتفاق دائم شامل، ينبغي تحريك المسيرة بحد أدنى من الشروط المسبقة. وينبغي للتشديد أن يكون على الجوهر وليس على المسيرة.

شروط مسبقة، مثل الاعتراف بدولة اسرائيل كيهودية أو الطلب الفلسطيني للوقف التام والمعلن للبناء في المستوطنات، من شأنها أن تمس بالمفاوضات وتحسم مصيرها حتى قبل أن تبدأ. لا ينبغي ان يندرج تحرير السجناء كشرط مسبق ويجب مطالبة الطرفين بكبح الجماح وتقليص الاستفزازات: فالتوجهات الى الامم المتحدة والتحريض العلني من جانب الفلسطينيين، والبناء في المستوطنات باستثناء القدس، من الجانب الاسرائيلي.

في مثل هذه الحالة، على الوسيط الامريكي أن ينشر وثيقة المبادىء التي في ضوئها ستدار المفاوضات. ويمكن للقيادتين أن تتحفظ على مسألة واحدة في الوثيقة، ولكنها ستكون الاساس الذي تدار عليه المحادثات. من المهم ألا تكرر واشنطن اخطاء ممارسة الضغط على طرف واحد فقط كي يخفف حدة موقفه. فالضغط من طرف الوسيط الامريكي ضروري، ولكن فقط اذا ما اضطر الطرفان الى تخفيف حدة مواقفهما سيكون ممكنا زيادة الاحتمالات لموافقة متبادلة على التنازلات اللازمة لاتفاق شامل.

من المهم ان تتحسن ايضا الجوانب الفنية في المفاوضات. فمثلا، يجب تحديد لقاء للزعماء بشكل متواتر ودائم لمحاولة الجسر على عدم الثقة بينهما، وبلورة القرارات اللازمة للدفع الى الامام بالمفاوضات القادرة على أن تتخذ في هذا المستوى فقط. والحوار ينبغي أن يتم بين مجموعات عمل وحسب توزيع المسائل المركزية في المحادثات. وسيكون هدف الفريق الامريكي تشخيص مجالات التوافق والنقاط التي تسمح بتنازل متبادل.

اذا ما اتضح بانه لا يمكن الوصول الى توافق على الاتفاق الدائم، يجب أن يتحدد للمحادثات هدف اقل طموحا – تسويات مرحلية في الطريق الى التسوية الدائمة.

وتتضمن مثل هذه التسويات مسيرة طويلة وتدريجية من خطوات بناء الثقة الهامة، مع معايير واضحة للانتقال من مرحلة الى مرحلة. فنقل مزيد من المناطق الى السيطرة الفلسطينية، التعاون مع مجال تنمية المناطق ج، وقف المستوطنات في المناطق التي من الواضح الا تبقى في الاراضي الاسرائيلية في اتفاق مستقبلي، تغيير ميل الاستيطان من خلال قانون "اخلاء – تعويض"، وقف التحريض الفلسطيني، معالجة اسرائيلية مناسبة لاعمال "شارة الثمن"، وتقدم الحوار بين المجتمعين هي نماذج لمثل هذه الخطوات.

غاية هذه التسويات هي الدفع الى الامام بواقع "الدولتين" دون مطالبة القيادات بتنازلات تاريخية. من ناحية اسرائيل من المهم الضمان الا ينشأ الى جانبها كيان ضعيف أن مستضعف. وسترغب القيادة الفلسطينية في أن تضمن ان نية اسرائيل هي اكمال المسيرة وليس ابقاء الدولة الفلسطينية في وضع انتقالي.

مسألة الجدية

على واشنطن الان ان تطلب من القيادة الفلسطينية ان تحسم اذا كانت تقبل مبادىء كيري كاساس للمفاوضات على الاتفاق النهائي، أو في حالة أنها ترفضها، اذا كانت مستعدة للموافقة على مفاوضات على اتفاق انتقالي. هل تعتزم استخدام المصالحة الفلسطينية والحكومة المشتركة كي تجلب حماس وباقي الفصائل الفلسطينية الى هجر طريق الارهاب ونزع سلاحها، أم انها تعتزم الدخول في مسار يتجاوز المفاوضات، والتوجه الى المناكفة في الساحة الدولية وتعزيز العلاقة مع منظمات الارهاب المؤيدة للعنف كسبل للمس باسرائيل.

في ظل غياب الجدية الفلسطينية أو غياب الشريك الفلسطيني جراء تأثير حماس مما سيدفع المواقف الفلسطينية الى التطرف، على اسرائيل أن تنزع من الفلسطينيين حق الفيتو على "حل الدولتين". على اسرائيل أن تتقدم في اتجاه واقع الدولتين من خلال خطة بديلة للاتفاق: تصميم حدود اسرائيل بنفسها، دون فيتو فلسطيني ومع موافقة دولية واسعة. مثل هذه الخطوة هي أقل مثالية من اتفاق السلام، ولكنها اكثر واقعية. بوسعها أن تحسن الموقف الاسرائيلي وان تضمن الهدف الذي قرره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: منع واقع دولة ثنائية القومية من جهة واقامة دولة ارهاب على حدود دولة اسرائيل  من جهة اخرى.