خبر حماس.. ما بعد حكومة غزّة .. عدنان أبو عامر

الساعة 08:20 ص|03 يونيو 2014

يبدو أن طاولة صنّاع القرار في حركة حماس ستكون مزدحمة بالملفات في الأيام المقبلة، بعد انسحابها من الحكومة عقب المصالحة، وذلك بهدف التفرّغ للتحديات التي تواجه المرحلة المقبلة  وترميم الأضرار التي لحقت بها في السنوات السابقة.

وحين انتقلت حماس من طور المعارضة للنظام السياسي إلى تسلّم الحكومة في العام 2006، تأرجحت شعبيّتها صعوداً وهبوطاً، لعجزها عن توفير الكثير من متطلبات الفلسطينيّين في غزّة، مع فرض الحصار الإسرائيلي والمصري وانقطاع رواتب الموظفين. وهو ما سبق وتناوله "المونيتور".

في المقابل، طرأ على شعبيّة "حماس" تحسّن ملحوظ في الضفّة، اتّضح في خلال عدد من مقاتليها الذين سلّمت إسرائيل جثثهم في 23 أيار/مايو المنصرم، إذ خرجت مسيرات ضخمة أشارت إلى عودة ظهور الحركة العلني في الضفّة وحضورها في الوسط الضفّاوي، وقد رفعت راياتها الخضراء بزخم ملحوظ.

لكن المركز الفلسطيني للبحوث السياسيّة أشار في استطلاع أجراه في نهاية آذار/مارس الماضي، إلى أن حماس تشهد تراجعاً في شعبيّتها من دون أن تصل إلى حدّ الاندثار.

تقدّم وتراجع

ويقول مسؤول في "حماس" من غزّة  رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور"، إن "الحركة تدرك تأثّر مزاج الرأي العام، بسبب الواقع الصعب مع استمرار الضائقة الاقتصاديّة أعواماً طويلة، وصراع حماس وفتح في غزّة"، بالإضافة إلى ما يعتبره "الإعلام المضلل ضدّ حماس. الأمر الذي أحدث تغييراً في الرأي العام تجاه الحركة وانحيازاً لأطراف أخرى على حساب تراجع شعبيّتها، ما يحتّم عليها في المرحلة المقبلة وضع برنامج شامل إعلامي وخيري وجماهيري واجتماعي لضمان استمرار التواصل مع الجمهور".

لكن مستشار رئيس حكومة غزّة إسماعيل هنيّة السابق الدكتور أحمد يوسف، كان الأكثر جرأة. وفي مقال له بعنوان "في إطار المراجعات... حماس والبرنامج الانتخابي وتساؤلات أخرى.!!"، كتب: هل كلفت قيادات حماس نفسها التخفّي يوماً والمشي في الأسواق والسير في أزقّة المخيّم، لتسمع أوجاع الناس، وهل اقترب وزراؤها من أماكن توزيع مساعدات (الأونروا) لرؤية تدافع الفلسطينيّين بانكسار للحصول على كيس طحين، وهل عايشوا حياة شباب غزّة التي أضحت بلا طعم مع انعدام فرصة عمل للعيش الكريم؟

وكان ملفتاً أن حماس وهي تستعدّ لمغادرة مقاعد الحكومة، راحت تستعيد خطاب المقاومة والعمل المسلح ضدّ إسرائيل.

والصوت الأعلى كان لزعيم الحركة خالد مشعل في 20 أيار/مايو المنصرم حين هدّد إسرائيل بتحرير الضفّة كما حرّرت غزّة، قائلاً إن كتائب القسام ستلاحقها إلى أكثر حصونها مناعة. وكان "المونيتور" قد ذكر ذلك في تقرير سابق.

لكن رئيس لجنة الرقابة البرلمانيّة في حماس يحيى موسى يقول لـ"المونيتور" إن "ذهاب الحركة نحو المصالحة جاء ليستنهض المشروع التحرّري وليعيد المقاومة خياراً إستراتيجياً. لكن ما يهمها هو كيف تمارس كفاحها على الأرض نظراً لحاجتها إلى التوافق الوطني، لأن ذلك قد يصطدم برفض السلطة في الضفّة".

ورداً على سؤال لـ"المونيتور" حول ما إذا كانت الحركة ستعود إلى تصعيد العمل العسكري ضد إسرائيل فور انسحابها من الحكم في الأيام المقبلة، يقول المسؤول في حماس المذكور آنفاً "استطاعت حماس تحقيق شعبيّتها الكبيرة بفضل المقاومة إذ ضحّت بالكثير، ما رفع من رصيدها الشعبي في حين أن شعبيّتها كانت قد تراجعت في السنوات الماضية لعجزها عن تلبية مطالب الجماهير المعيشيّة". ويشير إلى أن "الحربَين اللتَين خاضتهما في غزّة في العامَين 2008 و2012، رفعتا رصيد حماس شعبياً إلى مستويات غير مسبوقة".

وهو ما أكّده استطلاع رأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال عقب انتهاء حرب 2012.

وقد تابع "المونيتور" تصريحات قادة حماس ممن ردّدوا عبارة مكرّرة بتوقيت موحّد عقب الاتفاق مع حركة فتح وهي أن "المصالحة ليست بديلاً عن المقاومة"، بدءاً بخالد مشعل. وقد تبعه إسماعيل هنيّة، ومن ثم نائب رئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، مشيراً إلى الناطق باسم كتلة حماس البرلمانيّة مشير المصري.

فجمع "المونيتور" هذه التصريحات المتزامنة وربطها بما وصله من "قناعات في حماس بعد المصالحة، بأنها باتت في حلّ من الالتزامات الحكوميّة. وبالتالي فإن خوضها مواجهة مع إسرائيل لا تتسبّب بمعاقبة شاملة للفلسطينيّين، وهي بحاجة إلى تصعيد المقاومة لترميم ما تضرّر من شعبيّتها في السنوات الأخيرة.  وهذه القناعات بدأت تشق طريقها في الحديث المتكرر عن ضرورة تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، وتصعيد المقاومة في الضفة الغربية، وحديث فتحي حماد وزير الداخلية والأمن الوطني بحكومة حماس أن "عقيدة الأجهزة الأمنية في الحكومة القادمة يجب ألا تتراجع عن حماية المقاومة، داعياً الفصائل للاستمرار في ضرب إسرائيل حتى التحرير".

خوض الانتخابات

لم يعد سراً على أحد أن حماس ستخوض الانتخابات التشريعيّة المقبلة، بحسب ما صرّح نائب رئيس مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق  في مقابلة سابقة مع "المونيتور".

ووفقاً لرئيس مركز الزيتونة للدراسات محسن صالح، فإن "حسابات حماس معقّدة في الانتخابات المقبلة. فإن فازت ستقع في مصيبة إدارة السلطة وأثقالها كالسابق، وإن خسرت ستفقد شرعيّتها الشعبيّة وتسلّم غزّة وتكون أقليّة معارضة. أما إذا عطلت الانتخابات، فستعاني من حصار غزّة وتراجع شعبيّتها، وستتّهم بتعطيل المصالحة".

 

ويقول هنا أحد مسؤولي الجمعيات الخيريّة في غزّة لـ"المونيتور" إن قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات المقبلة سيتطلب أن "ترفع وتيرة الخدمات المقدّمة إلى الفلسطينيّين كتوزيع المعونات للمحتاجين، والتخاطب مع الجمهور وعدم الانكفاء عنه بل ومشاركته آلامه وهمومه وقيادة النشاطات الجماهيريّة".

يضيف المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته أن "أزمة حماس الماليّة قد يؤخّرها عن القيام بواجباتها تجاه ناخبيها، ما سيؤثّر على شعبيّتها. وهي مجبرة على خوض الانتخابات المقبلة بشعبيّة تستعيدها من خلال الجمعيات الخدميّة التابعة لها، وما يتفرّع عنها من التزامات تجاه شرائح اجتماعيّة عريضة بخاصة الفقراء".

إلى ذلك أفاد عضو في لجنة الانتخابات التابعة لحماس "المونيتور" بأن "المرحلة المقبلة ستشهد منافسات انتخابيّة شديدة، وستتكشف أمام الناخب إنجازات وإخفاقات من سيشارك فيها. والمطلوب من حماس وضع الحقائق والأسباب أمام الناخب، وعدم تبنّي سياسة الدفاع المستميت لتبرير الأخطاء، واستدعاء ظروف الاحتلال والحصار".

ويبقى أنه على الرغم من مخاوف حماس من اهتزاز شعبيّتها في غزّة، إلا أن عدد الناخبين المسجّلين في الضفّة بلغ مليون وتسعين ألف و575 ناخباً مسجّلاً وفي غزّة 770 ألفاً و636 ناخباً مسجّلاً، وفقاً لأرقام لجنة الانتخابات المركزيّة. ما يعني أن آمال حماس لكسب المزيد من الأصوات في الضفة الغربية قد تكون أحد أدوات تعويض خسائرها المحتملة في غزة.

ويوضح المسؤول في حماس نفسه لـ"المونيتور" أنه "من خلال تلك الأرقام، فإن شعبيّة فتح في الضفّة تتأثر سلباً بسلوكيات السلطة، ما يدفع حماس إلى إجراء عمليّة حسابيّة يمنحها تفوقاً انتخابياً عليها من خلال ناخبي الضفّة".

عدنان أبو عامر