خبر تغيير الخطاب، تغيير الفكر- نظرة عليا - مقال

الساعة 09:42 ص|01 يونيو 2014

تغيير الخطاب، تغيير الفكر- نظرة عليا - مقال

من خطاب الحقوق الوطنية الى خطاب حقوق الانسات

بقلم: كوبي ميخائيل

(المضمون: حل المأزق في المفاوضات على التسوية الدائمة يكمن في تغيير الفكر باتجاه حقوق الانسان والبدء في مشروع لاعادة تأهيل اللاجئين في الضفة الغربية من خلال بناء مدن لهم في المناطق ج - المصدر).

 

ينقص المسيرة السياسية النضج اللازم لغرض الوصول الى اتفاق سلام ولهذا فانها عقيمة في جوهرها الاساس وعديمة كل جدوى، طالما كان الحديث يدور عن محاولة للوصول الى نهاية النزاع. كان المثقف وليام زروتمان هو من وضع مصطلح "النضج" في سياق النزاعات الدولية وربط فيه مصطلح "مأزق أليم متبادل" (Mutual Hurting Stalemate). وكان ادعاؤه المركزي هو أن التغيير في واقع النزاع باتجاه الحوار والتسوية لا يمكنه ان يتم الا عندما يصل الطرفان الى الاستنتاج بان استمرار استخدام وسائل العنف لن يؤدي الى تحقيق هدفهم السياسي. واذا كان ممكنا أن نطبق ادعاءه هذا، على اي حال، على الحالة التي لم يتوصل فيها الطرفان بعد الى الاعتراف بان استمرار استخدام استراتيجية العمل بما فيها الافكار التي يستخدمانها حتى هذه النقطة الزمنية، ليس كفيلا بان يجديهما.

 

وبالتالي، فان كل جهد لتصميم المسيرة يصبح جهدا عقيما في كل ما يتعلق بالجدوى السياسية المرجوة. وللاسف، فكلما واصل الوسيط الامريكي محاولة الوصول الى المواضيع الجوهرية ايضا، اصطدم بسور منيع من المقاومة ولهذا فان جهوده تدخل في هذه الايام الى محاولة الوصول الى توافقات حول مجرد استمرار المفاوضات. وبهذا المفهوم، فالحديث يدور مرة اخرى عن جهد مكرس للمسيرة وليس للجوهر.

 

تمثل مطالب الطرفين الخطاب الوطني، خطاب الحقوق الوطنية؛ فالفلسطينيون يطالبون بالتركيز على مسألة الحدود والقدس بينما اسرائيل تركز على الترتيبات الامنية وعلى مطلب الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة الشعب اليهودي كشرط للاتفاق (وليس شرطا لمجرد المفاوضات)، ولكن عمليا ثمة في المطلب ما يلقي بظلال ثقيلة على المسيرة، بسبب المعارضة الشديدة والمبدئية من جانب الفلسطينيين لهذا المطلب. الامر الذي بدوره، وعن حق، يرفع مستوى الشبهات في الجانب الاسرائيلي بالنسبة لنوايا الطرف الفلسطيني الحقيقية في المستقبل وامكانيات الفعل لدى الدولة الفلسطينية المستقبلية. وفي نفس الوقت يرتفع ايضا مستوى الشبهات الفلسطينية من نوايا اسرائيل الحقيقية واستعدادها للوصول الى اتفاق تكون نتيجته دولة فلسطينية في حدود 67 (مع تبادل طفيف للاراضي) والقدس الشرقية كعاصمة لها.

 

إن التداخل بين التركيز على المسيرة وليس الجوهر، وبين عدم الثقة، الشبهات بل وحتى العداء الشخصي بين قيادات الطرفين، لا يسمح بالتقدم – ولا حتى الطفيف – باتجاه الاتفاق. وأخطر من هذا، فانه يزيد الاحتمال لتعكير العلاقات بين الطرفين وبين الولايات المتحدة والاضعاف الاضافي للكيان الفلسطيني، الذي يؤدي دوره الان ايضا ككيان فاشل جدا في كل ما يتعلق بجودة أداء مؤسساته، اقتصاده، قدرته على توفير "المصلحة العامة" لسكانه وبالاساس قدرته على ضمان احتكار استخدام القوة في المناطق التي تحت سيطرته.

 

في هذه النقطة الزمنية يفترض تغيير فكري، تغيير يؤدي الى الانشغال بالجوهر وتعزيز الثقة بين الطرفين، بشكل يسمح بوضع اساس اكثر تطورا لمفاوضات متقدمة نحو اتفاق في المستقبل. وينبغي للتغيير الفكري ان يبدأ بخطاب بديل. ينبغي حرف البحث عن خطاب الحقوق الوطنية نحو

 

خطاب حقوق الانسان والتركيز على الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين في مناطق السلطة الفلسطيني. فهؤلاء اللاجئون – وبشكل ساخر وأكثر تشددا من اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية – هم مثابة رهائن في أيدي القيادة الفلسطينية، التي تسمح بتخليد بؤسهم ومكانتهم كلاجئين، في صالح الفكرة الوطنية الفلسطينية والابقاء في ايديها للقوة السياسية في الساحة الدولية بفضل بؤس لاجئيها. وبفعلها هذا، تمس القيادة الفلسطينية بحقوق الانسان الاساسية للاجئين الفلسطينيين وفي نظر اسرائيل تطور امكانية الهدم الكامنة لمطلب تحقيق حق العودة، الذي هو عمليا الجانب الاخر من عملة الاعتراف بوجود دولة اسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي.

 

أما اسرائيل، باسناد من الولايات المتحدة والاسرة الدولية، فينبغي لها أن تقود خطوة، تستمد منطقها من الواجب الانساني لحل مشكلة السكان اللاجئين في مناطق السلطة الفلسطينية والتأكد من أن يحظى فرض هذا الواجب على السلطة بمساعدة مناسبة سواء من جانبها أم من جانب الاسرة الدولية. ينبغي لاعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين ان يتم في صيغة اقامة مدن فلسطينية جديدة ينقل اليها سكان مخيمات اللاجئين. وتقوم هذه المدن في المناطق ج، التي تنقل بموافقة اسرائيل الى مسؤولية السلطة. وتغير وكالة الغوث للاجئين – الاونروا، التي تحولت على مدى السنين من جهاز لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والتخفيف من أزمتهم الى جهاز يشارك في تخليد اللجوء، تغير غايتها ووجهتها وتتحول الى ممثلة الاسرة الدولة في تحقيق هذا الجهد، فيما يوجه قسم من أموال المساعدات وغيرها من مساعي الاغاثة الى هذا الغرض. والى جانب المدن الفلسطينية تبنى ايضا مناطق للتجارة والعمل يشارك فيها مستثمرون اسرائيليون، اردنيون ودوليون بحيث لا يتلخص تأهيل اللاجئين بحلول السكن المناسبة بل بغلاف كامل من العمل، التعليم والرفاه.

 

لا شك أن مشروعا بمثل هذا الحجم، "سفيوني جنين" أو "معلوت بيت لحم" – كتعبير مجازي يصبح محفزا اقتصاديا واجتماعيا ويكون مدماكا حقيقيا في تطور السلطة الفلسطينية من ناحية اقتصادية، اجتماعية ومن حيث البنية التحتية. وبمرافقة صحيحة، حريصة، ملاصقة من الاسرة الدولية، فان تحقيق هذه المشروع سيساعد ايضا في تنمية البنية السياسية لدولة فلسطين التي على الطريق. ولكن ليس اقل اهمية من هذا، فان مثل هذه الخطوة ستؤشر لاسرائيل عن استعداد فلسطيني للمرونة، وربما التراجع عن مطلب تحقيق حق العودة، دون أن تضطر القيادة الفلسطينية

 

في هذه النقطة الزمنية الى الاعلان عن استعدادها للنظر في الاعتراف بدولة اسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. ويمكن لمثل هذا الاستعداد بالضرورة أن يوجد مع قدوم اليوم وعندما يتقدم مشروع من هذا النوع بشكل كبير. وبالتوازي، ستحظى السلطة الفلسطينية بمناطق اضافية بشكل يؤشر الى الاستعداد الاسرائيلي لحل اقليمي حقيقي مع قدوم اليوم، يحسن التواصل الاقليمي ويمكن أن يؤدي الى الانتعاش من ناحية اقتصادية وسياسية.

 

ينبغي للجهد الاسرائيلي والدولي ان يركز على التغيير الفكري، تحسين رفاه اللاجئين الفلسطينيين. وعلى الاسرة الدولية أن تطلب من السلطة الفلسطينية أن تؤدي واجبها الاساس تجاه مواطنيها وتكف عن استخدام بؤسهم بشكل ساخر ومخجل. كما أن تركيز الجهد والمساعدة الدولية في هذا الاتجاه سيتبين كأمر مجدٍ ويساهم اكثر للسلطة الفلسطينية بالنسبة لجبال المال الذي صب على السلطة منذ قيامها في العام 1994 وعلى مدى 20 سنة من المساعدة التي لا تنقطع وفي الغالب ايضا لا تراقب، والتي للاسف لم تدفع بالسلطة الى الامام بشكل كبير وبالتأكيد لم تجلب نوعا من الحل لبؤس رعاياها.

 

يمكن لمثل هذه الخطوة ان تغير دفعة واحدة الوضع البشع للسلطة وتجلب نوعا من الامل المتجدد للسكان اللاجئين. يدور الحديث عن خطوة تخلق نوعا من الدينامية كفيلة بان تؤدي بدورها الى تعزيز الثقة بين الطرفين، والتركيز على الجوهر وليس على القضايا الاجرائية والى تنمية بنية تحتية للمفاوضات في اتجاه التسوية مع قدوم اليوم. اذا رفضت السلطة الفلسطينية العمل على تحسين رفاه سكانها وفضلت تخليد وضع اللجوء فسيكون في ذلك دليلا عن نواياها في المستقبل وعائق امام محاولة تحدي اسرائيل في المؤسسات الدولية. بمفاهيم عديدة، تنفذ السلطة الفلسطينية نوعا من الجريمة الانسانية تجاه سكانها وللاسف الشديد تستند الى وكالة غوث اللاجئين في الامم المتحدة والى سذاجة الاسرة الدولية وان كانت في بعض الحالات عن وعي. واذا كنا هنا نعنى بحقوق الانسان، فلتتفضل القيادة الفلسطينية بالنهوض وبعمل حقيقي. معقول الافتراض بان اسرائيل والاسرة الدولية ستكونان هناك الى جانبها.