خبر تبدل المواسم.. معاريف

الساعة 09:02 ص|30 مايو 2014

 

بقلم: آفي يسسخروف

 (المضمون: انتصار السيسي والانتخابات في سوريا يرمزان الى نهاية الربيع العربي في الشرق الاوسط وعودة المؤسسة الحاكمة القديمة - المصدر).

التوقعات بشأن مستقبل الشرق الاوسط هي عمل خطير. فمنذ كانون الاول 2010، كل من حاول عمل ذلك اكتشف المرة تلو الاخرى بان هذه مهامة متعذرة. ومع ذلك، يبدو أن هذا الاسبوع شكل بقدر كبير علامة النهاية غير الرسمية لعصر الربيع العربي.

صحيح، لا يزال من السابق لاوانه تأبين الثورات والثوار في الشرق الاوسط، وفي دول عديدة في المنطقة الوضع السياسي بعيد عن الاستقرار (انظروا حالة ليبيا). ومع ذلك، فالانتخابات التي اجريت هذا الاسبوع في مصر وتلك التي ستجرى الاسبوع القادم في سوريا، توضح بان الدائرة بدأت تنغلق. فالجيش والمؤسسة الحاكمة القديمة ستعود الى الحكم في مصر من خلال مندوبهما عبد الفتاح السيسي، وفي سوريا، بشار الاسد سيواصل كونه رئيس الدولة رغم أن الحرب الاهلية بعيدة عن النهاية.

الواضح هو أن الكثير من مواطني سوريا ملوا سفك الدماء والمنظمات الجهادية، وذلك ضمن أمور اخرى لان هذه دمرت حربهم للحرية. والمواطنون المصريون هم ايضا تعبوا من الفوضى السائدة في دولتهم ويطلبون قبل كل شيء الهدوء والاستقرار، مثلما وعدهم السيسي.

بالتوازي، لا يمكن الا نتناول تطورين هامين آخرين في المحيط القريب من اسرائيل: في لبنان، الرئيس ميشيل سليمان ترك قصر الرئاسة بعد ان انتهت ولايته، والبرلمان لم ينجح في أن يختار له بديلا. اما في غزة، فحماس وفتح قريبتين أكثر من أي وقت مضى. وأمس اعلنتا عن تشكيل حكومة وحدة. ومعنى هذه الخطوة ليس واضحا بعد تماما وتنطوي على غير قليل من آلام الرأس لاسرائيل، ولكن يحتمل أن غير قليل من الفرص أيضا.

في نهاية المطاف يبدو أنه لا يمكن الحال دون قليل من الكليشيهات في الشرق الاوسط: الزمن وحده سيروي لنا ما الذي سيحصل هنا في السنوات القادمة.

لبنان: حاجز الخجل انكسر

يوم الاربعاء تحولت الطرق الرئيسة في بيروت الى أزمة سير واحدة هائلة بسبب الانتخابات في دولة اخرى، سوريا. فعشرات الاف السوريين الذين يسكنون في لبنان تدفقوا نحو الصندوق الوحيد الذي فتح لهم في بيروت، في السفارة السورية حيث اجري التصويت المبكر للانتخابات للرئاسة (الانتخابات في سوريا نفسها ستجرى يوم الثلاثاء القادم). كلما مرت الساعات، توقفت الحركة في مزيد فمزيد من الشوارع. وسار المواطنون السوريون على الاقدام لانعدام البديل متجهين الى السفارة وهم يحملون الاعلام السورية وصور بشار الاسد ومطلقين للاغاني "للرئيس المحبوب"، ذاك المسؤول عن موت نحو 160 ألف شخص، ولا يزال الحبل على الجرار.

أكثر من مليون مواطن سوري يسكنون اليوم في لبنان. وحسب بعض التقديرات، فان العدد بات يتجاوز المليون ونصف. بعضهم لاجئون من الحرب الاهلية، آخرون سكنوا في بلاد الارز من قبل. التركيبة السكانية التي تتغير في لبنان، الى جانب دور جماعات وفصائل في الحرب على جانبي الحدود، توضح كم أخذت الحدود بين الدولتين بالتشوش، بالاختفاء كلما استمرت الحرب الاهلية.

لقد بات من الصعب التعاطي اليوم مع لبنان كدولة ذات سيادة، مستقلة. صحيح، التواجد السوري في لبنان هو موضوع معروف على مدى عشرات السنين. فدمشق حافظ الاسد شاركت مشاركة فاعلة في القتال بين أمل وحزب الله في نهاية الثمانينيات. وعملت الاستخبارات السورية دون عراقيل في التسعينيات في بلاد الارز، بل ان حزب الله يقف أغلب الظن خلف تصفية رفيق الحريري، رئيس الوزراء الاسبق المناهض لسوريا، في 14 آذار 2005.

ومع ذلك، فان المشاركة الفاعلة من حزب الله في القتال في سوريا حطم قواعد اللعب السياسية المعروفة في لبنان. فحاجز الخجل انكسر. وحتى تلك اللحظة كان السوريون هم الذين لعبوا في الملعب اللبناني. اما الان فحزب الله هو الذي أصبح حامي بشار الاسد، منقذه ومخلصه. ولبست الحرب في لبنان وفي سوريا صورة الحرب الدينية دون صلة بالقومية: الشيعة ضد السنة، وكأن أمرا لم يتغير منذ النصف الثاني من القرن السابع للميلاد.

لقد كان لقرار المنظمة الشيعية القتال في سوريا آثار دراماتيكية على المكانة السياسية والجماهيرية لحزب الله في لبنان. واذا كانت حتى ذلك الوقت شكوك حول ولاء المنظمة فواضح الان ان الامين العام لحزب الله حسن نصرالله يعمل بتكليف من النظام الايراني الذي يدير حرب بقاء الاسد. وتحول نصرالله من عزيز الامة العربية بعد حرب لبنان الثانية أمام اسرائيل، الى كريه قلب السُنة. هو الذي يحرقون صوره في المظاهرات ضد الاسد.

في هذه الاثناء يعطي الواقع الجديد في لبنان مؤشراته في المؤسسات السياسية المنقسمة هي أيضا بين مؤيدي بشار ومعارضيه. ويوم الاحد ترك الرئيس اللبناني ميشيل سليمان قصر بعبدا بعد أن انتهت ولايته. فالبرلمان اللبناني لا ينجح في الوصول الى اتفاق على هوية الرئيس القادم، الملزم في أن يأتي من الطائفة المسيحية. وفي هذه الاثناء لا ينجح اي مرشح – ميشيل عون المؤيد لسوريا أو سمير جعجع المناهض للاسد – في تجنيد تأيي 65 نائب برلمان يؤدي الى انتخابه. يتبين أن أزمة الرئاسة ليست من نصيب اسرائيل حصريا.

دوريات حزب الله

في اليوم الذي غادر فيه سليمان قصر الرئاسة، خطب نصرالله في المرة التي لا تحصى، في هذه الحالة بمناسبة الذكرى السنوية لانسحاب اسرائيل من جنوب لبنان. من توقع أن يسمع ظل شك او اعادة نظر في القرار للقتال على الارض السورية، خاب ظنه.

فقد واصل نصرالله خطه الكفاحي ضد اسرائيل وضد معسكر 14 آذار المناهض لسوريا في لبنان. وسخر من الرئيس علىى تركه وظيفته وواصل الوعد لرجاله بانهم سيدافعون عن لبنان وليس عن الرئيس. ولا يزال لا تتمكن تبجحاته من اخفاء حقيقة أن حزب الله يتعرض لضربات غير بسيطة كنتيجة لحربه في سوريا. والمثال الافضل من الايام الاخيرة هو موت فوزي أيوب النشيط المركزي من حزب الله في المعارك في منطقة درعا.

أيوب (ابو عباس) اعتقل في 2000 في الضفة الغربية، احتجز أربع سنوات في السجن الاسرائيلي وتحرر في اطار "صفقة تننباوم". بعد ذلك ادخل هناك عاليا في قائمة نشطاء الارهاب المطلوبين من مكتب التحقيقات الفيدرالية الامريكي. أيوب، مثل الاف كثيرين آخرين من نشطاء المنظمة يقاتل في الاشهر الاخيرة في سوريا. بعد احتلال القصير وتطهير يبرود، القريبتين من الحدود مع لبنان، يعمل الان رجال حزب الله في جبهة درعا، المجاورة للحدود مع الاردن. ويركز النظام السوري هناك جهوده في محاولة لاستعادة السيطرة في المنطقة وفي الطريق لان يستعيد السيطرة في هضبة الجولان السورية. ولكن قتال المعارضة ولا سيما رجال جبهة النصرة عنيد ويلحق اصابات عديدة في جيش بشار وفي حزب الله، مثل فوزي أيوب اياه.

عدد قتلى حزب الله في القتال في سوريا ليس واضحا ولكنه يقدر في اسرائيل بنحو 400 – 500 نشيط، اضافة الى اكثر من 1.000 مصاب. وبالاجمال يمكث نحو 5 الاف نشيط من حزب الله في كل لحظة معينة على الاراضي السورية. وليس القتلى فقط بين نشطاء حزب الله والجيش السوري. فقد تبين هذا الاسبوع بان احد قادة الحرس الثوري الايراني، العميد عبدالله الاسكندري، قتل في المعارك في منطقة دمشق. وحرصت المعارضة السورية على بث شريط ظهر فيه فتى سوري يحمل رأس الاسكندري المقطوع.

وبالفعل يدير معركة سوريا – حزب الله – ايران (الى جانب ميليشيات عراقية) اليوم ثلاثة اشخاص: نصرالله، الاسد والجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس المسؤولة عن أعمال الحرس الثوري خارج الحدود الايرانية. وفي نهاية الاسبوع افادت "العربية" بان سليماني وصل الى سوريا وليس للمرة الاولى. وثلاثتهم يوجدون في التفاصيل، يشاركون في اتخاذ القرارات وينجحون في حلق تعاون يؤدي الى نتائج في ميدان المعركة. حزب الله والجيش السوري يعملان مرات عديدة في ذات الجبهات بل وفي ذات المدن مع تقسيم للاحياء والشوارع: بمعنى، بينما يعنى الجيش السوري بتطهير شارع ما، يمكن لرجال حزب الله أن يقاتلوا في الشارع الاخر، ولكن ليس معا في سرايا أو في كتائب مختلطة.

لقد أدى قتال حزب الله على الاراضي السوري الى تغيير حقيقي في شكل عمل المنظمة. فحتى الحرب الاهلية، عرف حزب الله كمنظمة استندت اساسا الى قدراتها الصاروخية ضد اسرائيل. اما الان فهي تعنى بهجمات قوات المشاه، المناورة والحركة. ومن شأن هذه التجربة أن تخدمه في حالة حرب ضد اسرائيل في الحدود الجنوبية.

وبالتوازي، تواصل المنظمة تطوير ترسانتها من الصواريخ: رفع مستوى  دقة وقوة الصواريخ، وتخزينها في منازل السكان في القرى والبلدات.

ليست الصداقة الرائعة بين سوريا الاسد وحزب الله ظاهرة قديمة ذات تقاليد فاخرة. هذا حلف دم ولكن بلا جذور تاريخية. من هنا فانه "لا توجد وجبات مجانية". فبشار مطلوب بان ينقل الى حزب الله افضل الوسائل القتالية التي يتلقاها من الروس والسماح للمنظمة بان تفعل ما تراه مناسبا ضد اسرائيل في جبهة مثل هضبة الجولان (السورية). ومرة اخرى، الحدود تتشوش. بالنسبة لاسرائيل فان التصدي العسكري ليس في جبهتين مع عدوين بل جبهة واحدة مع كيانين معاديين يعملان الواحد الى جانب الآخر. ينبغي ان يضاف الى ذلك منظمات الجهاد العالمي بالطبع.

الانباء الطيبة لاسرائيل هي ان في هذه الاثناء على الاقل يواصل حزب الله الغرق في حرب أهلية ليست له، طويلة ومضرجة بالدماء. ويبدو الوحل السوري عميق ولزج على الاقل مثل اللبناني ذات مرة.