خبر اوروبا ونحن- هآرتس

الساعة 09:19 ص|29 مايو 2014

اوروبا ونحن- هآرتس

بقلم: آري شبيط

(المضمون: لا تستطيع اوروبا أن تدير ظهرها لاسرائيل ولا تستطيع دولة اليهود أن تبقى دون دعم اوروبا القريب فاذا استطاع الطرفان التغلب على رواسب الماضي ومواجهة ماضيهما فسينشأ مستقبل اوروبي اسرائيلي مشترك آخر الامر - المصدر).

 

كان الاسبوع الاخير اسبوعا اوروبيا، فقد عادت زيارة البابا وانتخابات البرلمان الاوروبي وقتل يهود في عاصمة اوروبية هي بروكسل فأثارت اسئلة عميقة تتعلق بمنظومة العلاقات المعقدة بين اوروبا ودولة اسرائيل. فاوروبا برغم كل الاحترام لحليفتنا الكبرى امريكا، هي أقرب قارة إلينا. وإن نحوا من نصف الاسرائيليين هم من أبناء وبنات الناجين من الكارثة التي حدثت فيها. واوروبا برغم كل الاحترام لمالكي "تنوفا" الجدد هي الجهة الدولية غير البعيدة التي سيصعب علينا دون صلة وثيقة بها أن نبقى وتزهر حالنا في الشرق الاوسط.

 

تشغل اوروبا جزءً كبيرا من عالم مرجعيتنا السياسية والاقتصادية والقيمية والثقافية سواء كان ذلك خيرا أم شرا. والقصة الاوروبية الاسرائيلية هي قصة حب/ كراهية تحتاج الى اصلاح، سواء كان ذلك خيرا أم شرا.

 

إن الشر ظاهر معلوم، فقد كان اليهود مدة أكثر من ألف سنة هم "الآخر" الواضح عند اوروبا المسيحية، والضحية المطلقة لاوروبا الحديثة. وهكذا فان اوروبا المتحدة اليوم تتحمل مسؤولية تاريخية عما فعله اوروبيون كثيرون جدا بيهود كثيرين جدا في الماضي. من حقها أن تنتقدنا ومن الواجب عليها أن تندد بأفعال لنا معيبة، لكن يجب عليها دائما أن تتذكر السياق التاريخي الواسع. فكما تغض امريكا البيضاء نظرها حينما تنظر الى امريكا السوداء، يجب على اوروبا أن تحني رأسها حينما تنظر الى الشعب اليهودي والدولة اليهودية.

 

لكن الخير غلب الشر: فان المشروع الاوروبي الكبير بعد الكارثة كان يرمي الى مواجهة خطايا اوروبا واخفاقاتها. والاتحاد الاوروبي محاولة جريئة لاعطاء رد شامل على الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية واوشفيتس. والرسالة التي تقوم في أساسه هي عدم قبول القومية بعد، وعدم قبول العنصرية والعنف بعد. وهكذا فان جزءً كبيرا من التحفظ الاوروبي الحالي من اسرائيل لا ينبع فقط من مشاعر معادية لليهود بل من حقيقة أن الاوروبيين واليهود استنتجوا استنتاجات متناقضة من الكارثة. ففي حين عاد الشعب اليهودي الى التاريخ، والى السيادة والى القوة والى الوجود القومي، أصبح الاتحاد الاوروبي يحاول أن يتجاهل التاريخ وأن يعيد تعريف السيادة. وأن يُهذب القوة وأن ينشيء وجودا فوق قومي.

 

من السخرية الشديدة أن محاولة الاوروبيين أن يشفوا أنفسهم من امراض الماضي ومحاولة اليهود التغلب على ضعف الماضي جعلتا الطرفين يسيران في مسار صدام. فأصبح الذين أوقعوا الضحايا ينظرون الى من كانوا ضحاياهم نظرتهم الى مُسببي ضحايا جدد اسلوب سلوكهم قديم وغير مفهوم.

 

إن انتخابات البرلمان الاوروبي تغير الصورة دفعة واحدة فقد تبين فجأة أن اوروبا القديمة ما زالت تغلي تحت سطح اوروبا الجديدة. وتبين فجأة أنه تكفي ازمة اقتصادية وموجة هجرة لاعادة اوروبيين كثيرين الى كراهية الاجانب. وتخرج دول اوروبية كثيرة عن اتزانها حينما تتجه الى مواجهة تحديات أكثر تواضعا من التحديات التي تواجهها اسرائيل. وهي تنتخب قادة لا تقل قوميتهم عن قومية قادة القومية الاسرائيلية.

 

لا يوجد شر دون خير. فبعد صدمة هذا الاسبوع يجب على الاوروبيين والاسرائيليين أن يعودوا الى التحادث دون استعلاء أحدهما على الآخر. سيكون الماضي المؤلم موضوعا بيننا دائما لكن المحاولات المدهشة للتغلب عليه ستكون كذلك ايضا. ولهذا لا مكان لاستكبار مغترب من

 

جهة ولا مكان لعقدة الاضطهاد من جهة اخرى. ولا تستطيع اوروبا أن تبيح لنفسها أن تدير ظهرها لدولة اليهود. ولا تستطيع دولة اليهود أن تبقى دون دعم اوروبا القريب. وحينما يُقدر الاسرائيليون صورة مواجهة الاوروبيين لماضيهم، ويفهم الاوروبيون صورة مواجهة الاسرائيليين لماضيهم، سيمكن آخر الامر بناء مستقبل اوروبي اسرائيلي مشترك.