خبر مصالحة «فتح» و«حماس»: مشكلاتها وأبعادها.. ماجد كيالي

الساعة 08:10 م|27 مايو 2014

لا تتوقف مشكلة الفلسطينيين عند انقسام كيان السلطة بين الضفة وغزة، وبين «فتح» و«حماس»، إذ أنها تشمل مجمل نظامهم السياسي، أي المنظمة والسلطة والفصائل، التي باتت جدّ متقادمة ومستهلكة.

الأسوأ أن هذه المشكلة تشمل أيضاً تصدّع رؤية الفلسطينيين لذاتهم كشعب، مع ضمور وعيهم بهويتهم الوطنية، وتراجع تعريفهم للمصير المشترك، بواقع تآكل إجماعاتهم السياسية، وتهمّش كيانهم الجمعي (منظمة التحرير) لصالح السلطة، وتحوّل مفهومهم للتحرر الوطني، الذي غدا يقتصر على إقامة سلطة لجزء من الشعب على جزء من الأرض.

القصد أن عملية المصالحة الجارية بين «فتح» و «حماس»، المتضمنة استعادة وحدة الكيان الفلسطيني، على أهميتها وضرورتها، تبدو بمثابة محاولة لتخفيف المشكلات التي يعاني منها هذان الفصيلان المهيمنان في الحقل السياسي الفلسطيني، لجهة الشرعية والمكانة والدور، ولجهة إخفاق الخيارات التي أخذها كل منهما على نفسه، سواء في التسوية أو في المقاومة.

بيد أن اقتصار الأمر على قضية المصالحة بين الفصيلين المعنيين لا يقلل من الصعوبات والتعقيدات المتضمنة في جوانبها أو متطلباتها على الصعيد السياسي والأمني والاجتماعي، بعد انقسام دام سبعة أعوام، مع ما ترتب عليه من ترتيبات وتبريرات.

على صعيد وحدة الكيان الفلسطيني، مثلاً، ثمة مشكلة تتعلق بالأعباء الإدارية والمالية الناجمة عن دمج إدارات ومؤسسات السلطتين في الضفة وغزة، هذا اذا تجاوزنا المشكلات السياسية والسيكولوجية لهذا الأمر.

معلوم أن «المفاوضات» بين الطرفين أثمرت عن التوافق على دمج حوالى 40 ألفاً من الموظّفين في السلك الأمني والإداري والخدمي، من الذين عيّنتهم «حماس» في غزة، عوض موظفي السلطة الغزّيين الذين كانوا استنكفوا عن العمل بعد الانقسام (عام 2007)، ما يعني ارتفاع عدد موظفي السلطة في الضفة وغزة من 153 ألفاً إلى قرابة مئتي ألف، مع أن السلطة تعاني أصلاً من تضخّم في عدد الموظفين لديها، ومن تضخّم أجهزتها الأمنية، ومن افتقادها للموارد الذاتية، واعتمادها على دعم الدول المانحة.

السؤال الآن، هل زيادة الأعباء المالية تساعد في تعزيز استقلالية الفلسطينيين، وفي تعزيز المنحى التحرّري في خياراتهم الوطنية؟ أم أنها تؤدي إلى ترسيخ اعتمادهم على الخارج، وبالتالي تضعف قدرتهم على انتهاج الخيارات التي تتناسب مع حقوقهم الوطنية؟ والحال، فإنه من المستغرب أن لا تولي حركة وطنية، بعد كل هذه التجربة، الاهتمام المناسب لتعزيز اعتمادها على ذاتها، وعلى شعبها، بدل جعل شعبها يعتمد عليها، وبالتالي على الموارد التي تأتي من الدول المانحة، وهي هنا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان والسعودية وقطر والإمارات، مع كل الانعكاسات السياسية التي قد تنجم عن ذلك على صانع القرار الفلسطيني، وعلى طبيعة الخيارات الفلسطينية.

في هذا الإطار أيضاً، ينبغي الأخذ بالاعتبار ضعف القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وعلاقات التبعية التي تربطها بإسرائيل، بواقع علاقات القوة والهيمنة، علماً أن معدل البطالة بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (صحيفة «الأيام» 7/5)، بلغت 29.3 في المئة، أو 328 ألف شخص (من حوالي 1.253 ألف شخص)، يضاف اليهم 110 آلاف من العمال الفلسطينيين الذين يشتغلون في إسرائيل، ما يضفي مدلولات أكبر وأخطر على هذه المسألة.

أما بالنسبة لقضية تشكيل الحكومة، وتوحيد أجهزتها الإدارية والأمنية، فهذه لا تقل إشكالية عن سابقتها، ذلك أن التوافق الفتحاوي الحمساوي انصبّ، على الأرجح، على مجرد تشكيل حكومة واحدة للسلطة، وتهيئة متطلبات نجاحها، وفق معايير الحد الأدنى، الإداري، وليس السياسي. هكذا، تم التوافق على حكومة تكنوقراط ومستقلين، مع عدم إجراء أي تغييرات في الجهازين الإداري والأمني في قطاع غزة (كما في الضفة بالطبع). وبديهي أن ذلك يعني ابقاء التشكيلات العسكرية، والسيطرة الأمنية، لحركة «حماس» في قطاع غزة على حالها، أقله إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي من المتوقع أن تتأخّر كثيراً.

على هذا الأساس أيضاً تم التوافق على تجاوز تقديم الحكومة لبرنامج سياسي يوضح أو يحدّد توجّهاتها، وذلك بإحالة الملف التفاوضي إلى منظمة التحرير، وباعتبارها حكومة أبو مازن، وهذا ما أعلنه الرئيس الفلسطيني لدى مخاطبته الأطراف الدولية المعنية (لا سيما الولايات المتحدة)، لصدّ اعتراضاتها على المصالحة.

المشكلة، أيضاً، أن مسألة المصالحة، وحتى بغض النظر عن الرؤية السياسية التي تنبني عليها، يفترض أن تفضي إلى مسألتين: الأولى، إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لحسم حال الازدواجية في السلطة، والانتهاء من واقع الاختلاف والانقسام بشأنها، وأيضاً، من أجل تعيين موازين القوى السياسية الراهنة في إطار المجتمع الفلسطيني. والثانية، تتعلق باستيعاب حركة «حماس» في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها بمثابة القيادة المرجعية للسلطة، والكيان السياسي والمعنوي الممثل للفلسطينيين في الداخل والخارج.

المعنى أن الفلسطينيين هنا أيضاً، وبغض النظر عن أية خطوط أو خيارات سياسية، يقفون إزاء مشكلة التناقض في نظامهم السياسي، بين ارتكاز منظمة التحرير على ما يسمّى «الشرعية الثورية»، وهو تعبير مهذّب لنظام المحاصصة الفصائلي (الكوتا)، وبين الشرعية التمثيلية التي تتمخّض عنها العملية الانتخابية وفق صناديق الاقتراع.

وبينما يضمن الشكل الأول الحفاظ على منظمة التحرير كإطار سياسي جامع للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، فإنه ينطوي، أيضاً، على إبقاء النظام السياسي القديم على حاله، رغم أن الزمن تجاوزه، وكذا التطورات في مجتمع الفلسطينيين، وفي وعيهم وتجربتهم، وخاصة أن ثمة فصائل لم يبق منها سوى الاسم. أما الشكل الثاني، فعلى رغم أنه يضمن تمثيلا للقوى السائدة، أو الصاعدة، في الضفة وغزة، إلا أنه لا يأخذ في اعتباره الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات، ويزيد من تهميشهم.

طبعاً، لم يتم حل هاتين الاشكاليتين، أي تحول النظام الفلسطيني (المنظمة والسلطة) نحو الشرعية التمثيلية ـ الانتخابية ـ الديموقراطية، كما لم يتم الحسم بشأن تعميم الانتخابات على مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني، وحيث أمكن ذلك. وتالياً لذلك، فلم يتم حسم قضية تمثّل حركة «حماس» في إطار المنظمة، بما يتناسب وحجمها في المجتمع، وفي إطار الصراع ضد إسرائيل. والراجح أن القيادة الفلسطينية تعمل على تأجيل هذا الاستحقاق، وربما صرف النظر عنه، مستغلة ضائقة «حماس» في هذه الظروف.

على ذلك فإن الفلسطينيين يقفون اليوم إزاء نوع من الشراكة على إدارة السلطة، بين «فتح» و»حماس»، مع ملاحظة أن هذه الإدارة لا تشمل البعد السياسي، كما لا تشمل وضع منظمة التحرير.