خبر لماذا يزور البابا اسرائيل؟- هآرتس

الساعة 08:52 ص|22 مايو 2014

بقلم: يعقوب أحيمئير

في ظهر يوم الاحد سيهبط البابا من المروحية التي ستهبطه في اسرائيل بعد زيارة لبيت لحم. وسيشع وجهه دفئا انسانيا ويبتسم في كل اتجاه ويلوح بيديه مسلما كعادة البابوات أمام مستقبليهم سواء أكانوا من ذوي المناصب أم من أوساط الشعب، أو من المؤمنين الكاثوليكيين أو غيرهم. وكذلك سيكون البابا فرانشيسكوس الذي هو صديق الجميع وانسان معروف بتواضعه. قد لا يكون ذلك مفاجئا جدا لأن البابا كان الى ما قبل انتخابه بسنة وكان آنذاك هو الكاهن خورخيه ماريو برغوليو، يشغل منصبا رفيعا في كنيسة الارجنتين، وطنه.

ستستقبل القيادة الحاكمة الاسرائيلية البابا في مطار بن غوريون، لكن يحسن ألا نضل في الاوهام: لأن هدفه الرئيس من رحلته الى الاردن ومناطق السلطة الفلسطينية واسرائيل ليس سياسيا بل دينيا على نحو سافر. فالبابا هو قبل كل شيء حاج، ولا سيما حينما يزور الارض المقدسة. ومن المعلوم أن كل موعظة يلقيها البابا – ويفترض أن يلقي عدة مواعظ في اثناء الزيارة – ستخضع لتفسيرات، لكن لا شك في أن هذه زيارة دينية.

 

          على سبيل المثال يؤكد الجدول الزمني الرسمي للفاتيكان بحروف مطبوعة بارزة حقيقة أن البابا بعد هبوطه في اسرائيل بزمن قصير سيجري لقاءً لتذكر اليوبيل الذي مر منذ كان اللقاء بين البابا بولص السادس وهو أول من زار اسرائيل من البابوات، وبين البطريرك إتنغورس في كنيسة القيامة في القدس. إن البطريرك الذي يسكن في تركيا يرأس الكنيسة الارثوذكسية، وبرغم جهوده وجهود البابا بولص السادس ما زالت القطيعة بين التيارين لم تُرأب. فالكاثوليكي لا يستطيع أن يصلي مع مؤمن ارثوذوكسي مسيحي لأن الصلاتين مختلفتين لغة واسلوبا.

 

          سيصاحب البابا في زيارته للبلاد الحاخام ابراهام سكوركا من بونس آيريس وهو من التيار المحافظ في اليهودية. والحاخام صديق شخصي لفرانشيسكوس منذ تلك السنوات التي كانا يعملان فيها في بونس آيريس. ويمكن أن نقدر أن ذروة هذه الصداقة يعبر عنها الكتاب الذي يجمع الاحاديث التي جرت بين الاثنين قبل أن ينتخب فرانشيسكوس بابا. وفي البرنامج التلفزيوني "60 دقيقة" لُقب سكوركا "حاخام البابا"، ولم يتحفظ البابا من هذا اللقب. وترجمت الاحاديث الى اللغة العبرية وجمعت في كتاب "عن روما والقدس، احاديث بين بابا وحاخام" (اصدار طوبي).

 

          لا يوجد أي ذكر في الاحاديث للعداوة بين اليهودية والمسيحية، بل بالعكس، لأنه يمكن احيانا أن نشعر اثناء القراءة بأن البابا كأنما يتحدث مثل حاخام وبأن الحاخام يتحدث مثل رجل دين مسيحي. ولكليهما آراء متشابهة، وتجري الاحاديث في صعيد يومي دون اختلافات في الآراء دينية. ويحصل الانطباع احيانا أنهما يدعوان في واقع الامر الى نشوء قيادة علمانية مختلفة، مثالية.

 

          في أحد الاحاديث يتحدث البابا كيف تبين له برغم كونه طالبا في حلقة الكهنوت الدراسية، وبرغم واجب اعتزال النساء المفروض على رجال الدين الكاثوليك، أنه منجذب الى امرأة شابة عرفها في عرس شخص ما. "فاجأني جمالها ووضوح تفكيرها... وباختصار، تلهيت بذلك الامكان". ويتحدث ايضا عن أنه بعد أن رأى تلك المرأة لم يعد يستطيع أن يصلي مدة اسبوع لأنه في كل مرة أراد الصلاة فيها ظهرت صورتها أمام ناظريه. "اضطررت الى التفكير فيما أفعله فاخترت طريق الدين مرة اخرى"، يقول موجزا. ومع كل ذلك فانه في الجدل الذي يجري في الكنيسة يكون هو من مؤيدي واجب اعتزال النساء.

 

          كلما تعمقنا في محاولة حل لغز شخصيته، ظهرت آراؤه الليبرالية لكن لا في كل شأن، فهو يفتي بأن "الاجهاض قتل". ولا يخالف الحاخام سكوركا على نحو عام كلام محادثه، لكن في الحديث عن الكارثة يُخيب فرانشيسكوس الأمل في دفاعه عن أحد أسلافه وهو بيوس الثاني عشر. بل إنه يتمسك بكلام غولدا مئير التي كتبت في رسالة تعزية ارسلتها الى الفاتيكان عند موت بيوس أنه أنقذ يهودا كثيرين. "ربما كنا نستطيع أن نفعل أكثر"، يقول البابا للحاخام في الكتاب، لكنه يؤكد أن الوثائق التي رآها في الفاتيكان تبين أنها تميل لصالح بيوس.

 

          ويُذكر في الاحاديث الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، لكن في حين يأمل الحاخام سكوركا انهاءه ويؤيد حل "الدولتين"، يفضل البابا عدم الحديث مباشرة عن الصراع، وفي رده يوجه اصبع الاتهام الى وسائل الاعلام ويقول إنها تؤجج الاختلافات في الرأي والصراعات لأنها تنظر الى الواقع بلونين فقط، الاسود والابيض.

 

          أشك في أن يتناول البابا في المواعظ التي سيلقيها في زيارته، مواضيع سياسية أو أن يقترح على اسرائيل والفلسطينيين سبلا للحل أو للتقريب بين وجهات النظر. وقد يكون هذا الامتناع نابعا من علم بالحساسيات الكبيرة جدا في المنطقة لأنه سيصاحب البابا مع الحاخام سكوركا ايضا من كان أمين السر العام للمركز الاسلامي في بونس آيريس، عمر عبود. وربما يفرغ سكوركا بعد الاحاديث مع زعيم العالم الكاثوليكي لحوار مع عمر عبود ايضا. من المؤسف فقط أننا لن نستطيع في اثناء الزيارة أن نستمع الى نتف الاحاديث، وانطباعات سكوركا وعبود عن جولة صديقهما المشترك فرانشيسكوس هنا.