خبر ليعلم عاموس عوز.. هآرتس

الساعة 03:33 م|19 مايو 2014

 

بقلم: د.غيل يارون

أديب ومراسل لشؤون الشرق الاوسط في وسائل اعلامية في المانيا

(المضمون: إن ما يسمى جرائم الكراهية في اسرائيل اذا قيست بما يحدث في اوروبا من جرائم مماثلة كان ضئيلا جدا - المصدر).

لا عجب من أن الاديب القومي عاموس عوز أثار جلبة حينما قارن جرائم "شارة الثمن" بأفعال النازيين الجدد في اوروبا. ولم تنشأ العاصفة فقط لأنه نقض الرواية القومية التي ترى أننا دولة الضحايا التي هي النقيض الكامل لدول المجرمين في القارة الاوروبية، ولهذا لا يمكن تشبيه مجرمينا بمجرميهم، لكن لأن كلام عوز يُضعف واحدة من أساطين تعريفنا الذاتي. فمنذ أن كُتب كتاب الامثال كنا نعتقد في أنفسنا أننا "الشعب المختار". فهل علينا جناح ألا يكون أكثرنا يعلمون ما هو معنى هذه المنزلة السامية.

ما زلنا نرفض أحد اهداف الصهيونية المركزية ألا وهو تحويل اليهود من شعب مختار الى شعب كباقي الشعوب، أو كما يقتبس عوز: "كنا نتمنى أن يكون لص عبري وزانية عبرية". ولهذا نحن في صراع داخلي مستمر بين السامي والموجود؛ ولهذا يتغير المزاج العام الوطني طول الوقت كما هي الحال في قطار جبلي عاطفي: فمرة تصيح وسائل الاعلام في ابتهاج "في اسرائيل فقط!" مُظهرة فخرا قوميا مبالغا فيه، ومرة تغض طرفها في جلد للذات وشعور بائس بالدونية. وكانت الردود على كلام عوز متباعدة فوجد من زعموا أننا أنقياء كالثلج وقدّيسون حقا، ووجد من قالوا أن هذا برهان قاطع على أن اسرائيل دولة فصل عنصري، وليس من المفاجيء أن تتم فيها جرائم كراهية.

ربما يحسن وضع الامور في تناسب. من المعلوم أنه يوجد بيننا ناس تصيبهم الكراهية بالجنون كما هي الحال في كل مجتمع مهما يكن مثقفا وحرا وديمقراطيا وليبراليا. وقد نطق عوز في الحقيقة بالمفهوم من تلقاء نفسه وهو أنه يعيش في هذا البلد متطرفون يهود يقومون بأفعال فظيعة. لكن الضمير القومي لم يقدم بوصلة ولم يُبين معنى الظاهرة.

على حسب ما تقول الامم المتحدة ووزارة الخارجية الامريكية، وقعت في 2013، 399 هجمة من نشطاء اليمين المتطرف، أصيب فلسطينيون في بعضها أو تم الاضرار بأملاك. فما موقع هذا المعطى بمقارنة دولية؟ على حسب تقرير عن جهاز الامن الداخلي الالماني المسؤول عن حفظ الديمقراطية، وقعت في تلك السنة في المانيا 31.654 جريمة ذات باعث سياسي عُشرها على مهاجرين. وفي نحو خُمس الحالات تم الاضرار بممتلكات في أكثر من 6.300 منها وأصيب في الحاصل العام 1873 انسانا.

وعلى حسب تقرير عن وزارة الداخلية البريطانية يقع في بريطانيا في كل سنة نحو من 278 ألف جريمة كراهية، منها نحو من 185 ألفا لبواعث عنصرية أو دينية. ووقعت هجمات في ثلث الحالات وتم الاضرار بأملاك في 11 بالمئة منها. وليس الوضع في فرنسا ايضا بهيجا على نحو خاص لأن مواطنا من كل خمسة وقع ضحية اهانة عنصرية أو هجوم. وأدت المنظمة المضادة لكراهية المسلمين في فرنسا تقريرا يقول إنه وقع في 2012، 469 هجوما على مسلمين منها هجومات على نساء يلبسن لباسا تقليديا وتدنيس قبور ومساجد. وصدرت في تلك السنة تقارير عن 614 جريمة أو تهديدا لبواعث معاداة السامية. ويعتقد نحو من 56 بالمئة من الفرنسيين أنه يعيش في دولتهم من الاجانب أكثر من المقبول.

هذه بضعة امثلة فقط على كراهية الاجانب التي تتفشى في القارة الاوروبية. وعلى حسب بحث صدر عن الاتحاد الاوروبي في تشرين الثاني 2013، يخشى نصف يهود اوروبا من التحرش لبواعث معاداة السامية، ويخشى ثلثهم من أن يقعوا ضحايا هجوم لأنهم يهود.

ويصعب مع ذلك أن نقول ما هي حالنا قياسا بدول ديمقراطية مستنيرة سليمة في اوروبا لأن هذا بمعنى ما يشبه المقارنة بين التفاح والتمر: فلكل دولة طرق مختلفة في جمع المعلومات واجراء احصاء لجرائم الكراهية، وشرطة اسرائيل لا تجمع معلومات ألبتة في هذا الشأن. لكن اذا كان تقرير الامم المتحدة عن اسرائيل يمكن أن يكون قاعدة معطيات تُبين مقدار العنف السياسي في اسرائيل، فان 399 واقعة "شارة الثمن" في 2013 هي 10 بالمئة فقط من عدد جرائم الكراهية التي تقع في المانيا كل سنة، أو 1 بالمئة مما يقع في بريطانيا مع أخذ عدد السكان في الحسبان.

اذا كان عوز قد اخطأ في شيء ما فليس ذلك في المقارنة بل في أنه كف قبل أن يقارب بين جميع المعطيات ذات الصلة، وامتنع بذلك عن اعطاء سياق للظاهرة كلها. فالدول الاوروبية بخلاف اسرائيل ليست في صراع عسكري مستمر، ولا تواجه تهديدات ارهاب يومية، ولا يُشك في هويتها ووجودها. لكن مستوى العنف هناك برغم ذلك يساوي ما في البلاد أو هو أكثر. من المؤكد أن الاسرائيليين ليسوا ملائكة لكن يمكن أن نقول على الأقل إن اسرائيل برغم مشكلاتها وبرغم الصراع المستمر بين الشعبين اللذين يتصارعان على نفس الارض، وبرغم الزيادة المقلقة في عدد جرائم الكراهية، ما زالت تبرز بأنها مجتمع متسامح نسبيا وبلا عنف. فاذا لم يكن هذا الشعب شعبا مختارا فهو يستحق الاجلال على الأقل.