خبر شظايا سيطرة.. هآرتس

الساعة 03:32 م|19 مايو 2014


بقلم: جاكي خوري

 (المضمون: ففي المعارضة سيواصلون خوض حرب استنزاف بأمل ان توفر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الدعم الذي يحطم التعادل الدموي القائم. ولكن في الغرف المغلقة، يعترف رجال المعارضة بانهم عديمو الحيلة، وبعد مؤتمر جنيف 2 ليس لهم حقا من يعتمدوا عليه، باستثناء "الشعب السوري" على حد تعبيرهم - المصدر).

"عاصمة الثورة السورية" كان لقب مدينة حمص حتى وقت أخير مضى. ولكن منذ تحقق في بداية الشهر الاتفاق بين النظام السوري وقوات الثوار، وأدى الى انسحاب المئات منهم من المدينة، حظي نظام الاسد بـ تفوق مزدوج: استراتيجي ومعنوي ايضا. فالمعركة في سوريا التي دخلت السنة الرابعة بعيدة عن النهاية، واصبحت مثابة حرب استنزاف – كل طرف يحاول الحصول على مزيد من الاراضي كي يحظى بانتصارات موضعية تمنحه فضائل في الساحة السياسية أو في كل مفاوضات مستقبلية.

يحاول النظام ضمان سيطرته في المدن الكبرى – من دمشق العاصمة في الجنوب وحتى حلب في الشمال وكذا في اتجاه الغرب، بهدف الاحتفاظ بارض تتضمن قاطع الشاطيء ومدينة اللاذقية التي تعتبر معقل الرئيس بشار الاسد.

وحسب التقديرات المختلفة، يريد الاسد ان يضمن السيطرة على التجمعات السكانية الكبرى حتى بداية شهر حزيران قبيل اجراء الانتخابات للرئاسة التي يتنافس فيها، كي يتمكن من الادعاء بان أغلبية الشعب السوري شاركت في الانتخابات.

الى جانب القتال بين الثوار وجيش الاسد، والذي يجري هذه الايام اساسا في مناطق سيطرة الثوار، يدير معارضو النظام معارك شديدة بينهم وبين أنفسهم. فاللاعبون المركزيون في المعارك هم رجال منظمة الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" الذين يقاتلون قوات الجيش السوري الحر والجبهة الاسلامية. وفضلا عن الرغبة في السيطرة على مناطق استراتيجية، هناك المواجهة الايديولوجية – في داعش أعلنوا انهم يقاتلون من أجل اقامة دولة اسلامية وفقا لمبادىء متطرفة لا تنسجم والموقف الذي تقدمه المعارضة السورية عن اقامة دولة حرة وعلمانية.    

خريطة نشرتها مؤخرا منظمة ACAPS التي تعنى بتقدير الاحتياجات الانسانية في حالات الطوارىء والازمات المعقدة، وكذا خرائط اخرى نشرها باحثون واستراتيجيون في العالم العربي، تعرض صورة سيطرة المنظمات المختلفة في سوريا وان كان في مناطق عديدة في شمالي الدولة، في شرقها وفي وحدودها الجنوبية، من الصعب الاعلان عن سيطرة كاملة لهذا الطرف او ذاك. ومع خروج الثوار من حمص، يمكن الافتراض حاليا بان المدينة، التي تقع في وسط الدولة، خرجت من دائرة المعارك. والتفسير بذلك يوجد في بث التلفزيون السوري وفي القنوات الفضائية الاخرى التي عرضت على مدى بضعة ايام صور مواطنين من سكان حمص يدخلون الى مركز المدينة والى البلدة القديمة التي كانت محاصرة لنحو سنتين. وفي النظام يبرزون حقيقة أن المحور بين دمشق في الجنوب وبين حمص مفتوح ويسيطر عليه بكامله الجيش السوري.

وحسب تقديرات محافل في الدولة، تستند الى تقارير ميدانية، فان المعركة الحاسمة التلية ستقع في ضواحي دمشق الشرقية – الغوطة الشرقية. في سوريا يبلغون بانه منذ بداية نيسان تدور في المنطقة معارك شديدة تتضمن قصفا من الجو. ويحاول جيش الاسد، دون نجاح كبير، هزيمة ميليشيات الجيش السوري الحر ومقاتلي الجبهة الاسلامية. وتشرح محافل في المعارضة بان النظام يجد صعوبة في هزيمة الثوار كون هؤلاء يستغلون شبكة الانفاق لضرب خطوط تموين النظام، ويهاجمون وحدات الجيش بوسائل حرب العصابات. وتعتبر مدينة دوما عاصمة الضاحية وكانت بين المدن الاولى التي ثارت ضد النظام ويتمركز فيها الاف المقاتلين الى جانب السكان المدنيين الامر الذي يجعل أصعب على النظام تحقيق سيطرة في المنطقة.

معارك شديدة تدور منذ أسابيع في منطقة مدينة الشاطيء قصب التي تقع على الحدود مع تركيا. وفي اذار الماضي نجح الثوار لاول مرة في الوصول الى شاطيء البحر المتوسط وسيطروا على معبر الحدود. وفي هذه الايام يحاول النظام صد الثوار شمالا وشرقا ومنع تقدمهم وسيطرتهم على الطريق المؤدي الى مدينة ميناء اللاذقية. وتدعي المعارضة بان المعارك في قصب أحرجت الاسد وحلفائه كون هذه المنطقة تعتبر حتى وقت اخير مضى منطقة توجد تحت سيطرة النظام الكاملة. وبلغ الجيش السوري بوقف تقدم الثوار بل وفي تراجعهم، ولكن تقريرا لصحيفة "الاخبار" اللبنانية افاد هذا الاسبوع بان المعارك في قصب بعيدة عن النهاية، وانه رغم سيطرة الجيش السوري في عدة تلال نقاط استراتيجية، فان الثوار ايضا يتمترسون في المناطق الجبلية التي تمنع تقدم جيش النظام.

وخلافا لحمص ودمشق تبدو صورة الوضع معقدة ومركبة اكثر بكثير في مدينة حلب، التي تعتبر العاصمة الاقتصادية في شمالي الدولة. وتتوزع السيطرة في المدينة بين قوات النظام، التي تسيطر على الاحياء الجنوبية وبين الجبهة الاسلامية التي تسيطر في البلدة القديمة، في الاحياء الشمالية وفي الضاحية الشمالية. وتسيطر داعش في الضاحية الشرقية، اما في الضاحية الغربية فتسيطر قوات الجيش السوري الحر.

وتسيطر قوات الاكراد التي تتماثل مع نظام الاسد في ثلاث مدن مركزية في شمالي الدولة بينما قوات داعش تسيطر في المدن والقرى التي توجد شرقي حلب وفي عدة محاور تؤدي الى مدينة أركا. وتعتبر هذه معقل المنظمة التي تحاول في الاشهر الاخيرة توسيع سيطرتها باتجاه مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا وباتجاه دير الزور، جنوب شرق أركا على مسافة غير بعيدة من الحدود العراقية. وتدور اهم المعارك قرب الحدود بين داعش وقوات الجيش السوري الحر والجبهة الاسلامية وليس ضد النظام.

في دير الزور نفسها توجد سيطرة للنظام في عدة احياء وفي عدة قواعد عسكرية بما في ذلك المطار العسكري، اما في الاحياء الاخرى فتتوزع السيطرة بين الجيش السوري الحر وبين جبهة النصرة التي تعتبر ذراع القاعدة. اما الضواحي الغربية والشرقية من دير الزور فتقع في معظمها تحت سيطرة الجيش السوري الحر. وهذه مناطق واسعة يكاد لا يكون فيها اي تواجد لداعش، التي معظم مقاتليها انسحبوا الى منطقة أركا أو الحسكة في أعقاب المعارك مع الجيش السوري الحر وميليشيات الثوار.

ولا تزال مدينة القامشلي المجاورة للحدود التركية تحت سيطرة النظام وقوات كردية موالية، ولكن في كل يوم تقع في المدينة اشتباكات مع وحدات الجيش السوري الحر.

في محافظة درعا في جنوب الدولة يسيطر الجيش السوري اساسا في الاجزاء الشمالية وفي الطريق الدولي الى دمشق. اما قوات المعارضة، بما فيها الجيش السوري الحر والجبهة الاسلامية فتسيطر في الاجزاء الجنوبية قبيل الحدود مع الاردن. في هذه المنطقة أيضا تستمر بلا انقطاع صراعات القوى. وتتهم النظام الحكومة الاردنية بمساعدة الثوار بل وجرى الحديث في الماضي كثيرا عن محاولة الثوار اقامة منطقة فاصلة عن جدار الحدود مع الاردن حتى خط وقف النار في هضبة الجولان. وتروي محافل في الجيش السوري، بانه "في هذه الجبهة تدور كل يوم حرب ضروس لمنع سيطرة الثوار". ويريد رجال النظام ان يخلقوا هنا تواصلهم الجغرافي. معظم الميليشيات المسلحة في هذا القاطع هي من الجبهة الاسلامية والجيش السوري الحر.

رغم التفوق النسبي للاسد، والذي يظهر في الخريطة، وسيطرته في المدن الكبرى والمجالات الكبرى في الدولة، فان احدا في سوريا لا يرى نهاية الحرب في الافق. يحتمل أن بعد شهر سينتخب الاسد مرة اخرى ويعلن عن نفسه كمنتصر كبير، ولكنه هو ايضا يعرف بان هذا ليس هو النصر الذي تطلع عليه، ومشكوك أن يتمكن هو  في جيله أو أحد آخر أن يعلن عن اعادة بناء سوريا. ففي المعارضة سيواصلون خوض حرب استنزاف بأمل ان توفر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الدعم الذي يحطم التعادل الدموي القائم. ولكن في الغرف المغلقة، يعترف رجال المعارضة بانهم عديمو الحيلة، وبعد مؤتمر جنيف 2 ليس لهم حقا من يعتمدوا عليه، باستثناء "الشعب السوري" على حد تعبيرهم.