خبر نحو تصحيح مسار الحركة الوطنية في ذكرى النكبة.. وليد القططي

الساعة 08:29 ص|16 مايو 2014

يحتفل الكيان الصهيوني هذه الأيام بالذكرى السنوية السادسة والستين لتأسيسه بإعلان قيام دولة "إسرائيل" على معظم أراضي فلسطين , التي تعُتبر بمثابة تتويج لنجاح الحركة الصهيونية بتجسيد المشروع الصهيوني في إقامة وطن قومي لليهود على ( أرض الميعاد ) بعد جهود متواصلة استمرت عشرات السنين للحركة الصهيونية في مختلف المجالات والساحات. بينما تعُتبر هذه الذكرى بالنسبة لنا  - نحن الفلسطينيين تذكيراً لنا بفشل الحركة الوطنية في تحقيق هدف التحرير لفلسطين من مغتصبيها الصهاينة بعد ما يُقرب من مائة عام من النضال الذي بدأ منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين في نهاية الحرب العالمية الأولى لمنع إقامة الكيان الصهيوني , وبعد النكبة حين اُعلن عن تأسيس دولة "اسرائيل" لتدمير الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين من الصهاينة المحتلين , وبعد النكسة حين ابتلع الكيان الصهيوني ما تبقى من الأرض الفلسطينية في الضفة والقطاع , وصولاً إلى آخر جولة من جولات الصراع مع العدو الصهيوني التي لم تتوقف منذ إقامته , ولن تتوقف حتى إزالته.
 
ورغم أن الفشل في تحرير فلسطين مرتبط بأسباب موضوعية عديدة – ليست فقط ذاتية – لها علاقة بالوضع الدولي والإقليمي ووضع الأمتين: العربية والإسلامية , إلا أن ما يهمنا وما نستطيع تغييره هو الوضع الفلسطيني وبالتحديد الحركة الوطنية الفلسطينية ونصيبها من الفشل في تحرير فلسطين , أملاً في تصحيح مسارها لتصبح رافعة حقيقية للأمتين العربية والإسلامية نحو هدف تحرير فلسطين والاصطفاف حول مشروع وطني فلسطيني يقع في المركز من الدائرتين العربية والإسلامية كروافد أساسية لعملية التحرير.
 
ولتصحيح مسار الحركة الوطنية الفلسطينية في ذكرى النكبة لا بد من تحديد نقاط الخلل والضعف فيها , وقبل ذلك وإنصافاً لها , خاصة بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية , كإطار سياسي جامع للحركة الوطنية الفلسطينية , لا بد من التذكير بأهم إيجابياتها وإسهاماتها للقضية الفلسطينية وأهمها أنها كرسّت الهوية الوطنية الفلسطينية والانتماء لفلسطين , وأبرزت البُعد الوطني للقضية الفلسطينية بعد أن تعامل معها العالم كقضية إنسانية ومشكلة لاجئين , وتمسكها بالحقوق والثوابت الوطنية لفترات زمنية طويلة –قبل التراجع عن بعضها - , كما أن المقاومة الفلسطينية شكلت أهم ملامح النهوض القومي العربي زمن الصعود للقومية العربية.
 
أما نقاط الخلل في الحركة الوطنية الفلسطينية فأهمها في أيديولوجيتها الثورية وفكرها السياسي الذي يستبعد الإسلام من النظرية الثورية لمعظم فصائل العمل الوطني المكون لمنظمة التحرير الفلسطينية , ولم تنتبه إلى دور الإسلام – دين معظم الشعب الفلسطيني – كمحّرك ومستنهض للجماهير , وكموّجه للصراع مع العدو الصهيوني , وامتدت إلى عدم فهم طبيعة الكيان الصهيوني الدينية والحضارية , سواء بعلاقته بالتوراة المزيّفة , أو بالغرب وموقعه من المشروع الغربي كمركز له في قلب الوطن العربي والأمة الإسلامية. فالخطأ في التشخيص أدى إلى الخطأ في الرؤية ومن ثم في فهمه والتعامل معه.
 
إضافة إلى ذلك فإن الحركة الوطنية الفلسطينية تراجعت عن أهدافها المعُلنة وعلى رأسها تحرير فلسطين من البحر إلى النهر تحت وطأة الواقع الصعب , ومبررات السياسة والتكتيك , لتصل إلى التفاوض على أراضي الضفة والقطاع التي تشكل ما يقرب من خمُس فلسطين التاريخية بعد أن أصبحت أراضي متنازعاً عليها بعد التسليم للعدو بسيطرته على فلسطين المحتلة عام 1948 والأخطر من ذلك أن الحركة الوطنية الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية قد وضعت كل مشروعها الوطني في سلة اتفاقية أوسلو الذي تجسّد في إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية كمرحلة مؤقتة في طريق إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة والقطاع , ولكن المرحلة المؤقتة خُطط لها لتكون مرحلة دائمة مع تغيير بعض التفاصيل والأسماء , فكان هذا هو المأزق الأخطر للمشروع الوطني الذي وضع كل بيضه في سلة أوسلو , لتصل المفاوضات إلى طريق مسدود ومعها المشروع الوطني الذي لم يحدد البدائل منذ البداية لفشل مشروع أوسلو فأصبح أسيراً لاتفاقية لا تلبي الحد الأدنى من أهدافه ولسلطة من صنعه تقدم خدمات وظيفية للاحتلال وتكرسّه واقعاً على الأرض.
 
ومن مواطن الخلل في الحركة الوطنية الفلسطينية وإطارها السياسي – منظمة التحرير الفلسطينية – عدم توّحدها مع حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية بشقيها الجهاد الإسلامي وحماس , ولم تستوعب في البداية أن احتكارها للعمل الوطني قد انتهى بدخول هاتين الحركتين إلى قلب العمل الوطني المقاوم , وأنهما قد شكلتا إضافة نوعية للحركة الوطنية الفلسطينية بإضفاء البُعد الإسلامي للعمل الوطني الذي أحيا روح الجهاد والتضحية في الجماهير الفلسطينية في الانتفاضتين الأولى والثانية , وتحت وطأة الخوف من اختراق احتكار التمثيل للشعب الفلسطيني للمنظمة , والرؤية التي تنظر بسلبية للفكرة الوطنية وتعتبرها مناقضة للفكرة الإسلامية لأحد فصائل الحركة الإسلامية الفلسطينية ظل الانفصام قائماً بين الطرفين الذي تطور ليصل إلى الانقسام النكد منذ عام 2007 الذي نأمل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد إعلان الشاطئ الأخير.
 
والخلاصة في ذكرى النكبة السادسة والستين , ونحن نعيش أجواء المصالحة , من الضروري أن نصحح مسار الحركة الوطنية الفلسطينية , لنضع أقدامنا على بداية الطريق التي توصلنا إلى تحرير فلسطين , وتحقيق أهدافنا الوطنية الكبرى , وأول هذه الخطوات في مسار التصحيح هي بناء إطار سياسي وطني موّحد لفصائل العمل الوطني الفلسطيني سواء الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية أو الموجودة خارجها خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على أساس وزن كل منهما الجماهيري والمقاوم. وثاني هذه الخطوات هو الاتفاق على مشروع وطني موّحد قائم على أساس الثوابت الوطنية والدينية التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني يعتمد على هدف تحرير فلسطين التاريخية , وعلى المقاومة كوسيلة رئيسية للتحرير , ويُعيد الاعتبار للبعدين العربي والإسلامي كعمقين داعمين للقضية الفلسطينية , وينهي الفصام غير المبرر بين الوطني والقومي والإسلامي في إطار يربط بين الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والأمة الإسلامية.
 
وثالث هذه الخطوات هو وضع خطة وطنية لتحويل السلطة من كيان وظيفي يخدم الاحتلال , إلى كيان وظيفي يخدم الشعب الفلسطيني ودعم صموده في الضفة والقطاع , وعدم السماح للسلطة بأن تتحول إلى قفص يحبس القيادة الفلسطينية ويمنعها من أداء دورها الوطني الأساسي وهو العمل على تحرير فلسطين , وعلى الأقل أن لا تتجاوز حدودها الوظيفية الخدماتية في أماكن تواجدها داخل فلسطين وأن يُترك الدور السياسي والوطني العام للإطار القيادي الجامع للشعب الفلسطيني.