خبر نعم دولة القومية اليهودية .. هآرتس

الساعة 08:19 ص|16 مايو 2014

 

بقلم: شلومو أفنري

(المضمون: مشروع القانون الاساس لنتنياهو لن يجلب أي نفع – بل الضرر فقط - المصدر).

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو محق: اسرائيل هي دولة القومية اليهودية. يعرف هذا الجميع – اليهود في اسرائيل، عرب اسرائيل، الفلسطينيون، يهود العالم، امم العالم – مهما كان رأيهم بسياسة الحكومة. ولهذا لا توجد اي حاجة لتشريع اضافي. فهو سيضر فقط.

لقد نالت دولة اسرائيل الشرعية الدولية كالدولة القومية اليهودية في قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947. لا توجد اليوم أي دولة ديمقراطية تختلف في ذلك. اسرائيل هي احدى الدول المزدهرة في العالم واحدى قصص النجاح المذهلة في الـمئة سنة الاخيرة. كما أنها دولة قوية، مع أحد الجيوش الاكثر تطورا في العالم. في فترة تقف فيها دول غير قليلة – من العراق وسوريا والسودان وليبيا وحتى اوكرانيا – على شفا التفكك، اسرائيل هي صخرة منيعة في استقرارها وفي قدرتها على الحفاظ، مع كل المشاكل، على نظامها الديمقراطي وأهدافها القومية حتى في ظروف صعبة. غير قليل من الشعوب يحسدوننا.

فضلا عن ذلك: رغم أنه ليس لاسرائيل مكانة رسمية في سياق مصير الجاليات اليهودية في العالم، فان دول العالم تنصت لمواقف اسرائيل وردود فعلها عندما تقع فيها أحداث لاسامية. لا توجد أي حاجة للنص على كون اسرائيل دولة القومية اليهودية، في فعل تشريعي كهذا أو ذاك. فهي موجودة بهذه الصفة، بحكم الامر الواقع وبالقانون. "دي فاكتو ودي يوره".

وبالمقابل، فان كل محاولة للنص على هذه المكانة في قانون أساس، كما يسعى الى عمله الان رئيس الوزراء، سيلحق فقط الضرر والخلاف، داخل اسرائيل وخارجها. فكلنا نعرف أنه يوجد خلاف عميق في أوساط مواطني اسرائيل اليهود. بشأن معنى كون اسرائيل دولة يهودية: أغلبية الجمهور اليهودي في البلاد تفسر هذا بمفاهيم تقرير المصير القومي والهوية التاريخية والثقافية – ولهذا ايضا توجد تفسيرات مختلفة؛ وبالمقابل، في نظر اجزاء من الجمهور الديني، فان تفسير الهوية اليهودية هذه هو ديني أساسا. وتوجد هوامش – بدء من ناطوري كارتا وانتهاء بنواة المناهضين للصهيونية (الذين يفضلون بسبب السلامة السياسية وصف أنفسهم "ما بعد الصهاينة") ممن يرفضون – لاعتبارات مختلفة بل ومتناقشة – مجرد وجود الدولة كدولة يهودية. ان رفع مشروع قانون أساس في هذا الموضوع في الكنيست سيعمق هذا الجدال، الذي هو شرعي بحد ذاته، ولكنه بالتأكيد لن يضيف الى تعميق القاسم المشترك في أوساط مواطني اسرائيل اليهود. كما أنه في التركيبة الحالية للكنيست من يعرف أي بنود كفيلة بان تضاف الى القانون في اطار الخلطة الرامية الى الحفاظ على وحدة الائتلاف الغريب، الذي يتشكل من "البيت اليهودي" الاصولي والمسيحاني و "يوجد مستقبل" الذي يدعي بان يكون علمانيا، متنورا وليبراليا.

فضلا عن ذلك، ينبغي التوقع بأن يقوم مندوبو الجمهور العربي في الكنيست بالكفاح الصاخب ضد هذا التشريع، وهم كفيلون ايضا بان يشجعوا المظاهرات الجماهيرية ضده. لا حاجة للاتفاق مع المواقف المعادية لبعض من النواب العرب كي نفهم بان ليس سهلا على الجمهور العربي أن يكون أقلية في الدولة القومية اليهودية: مبادرة التشريع من رئيس الوزراء ستعمق فقط احساس الاغتراب والغربة في أوساط هذا الجمهور. في الاجواء الحالية المتفجرة بين اليهود والعرب، فان مثل هذا النقاش المتوتر كفيل فقط بان يشجع العنف من جانب جماعات متطرفة – سواء في اوساط اليهود أم في أوساط العرب.

لا يمكن أن نستبعد امكانية أن تكون جماعات بين يهود العالم ممن سيعارضون هذا التشريع الاساس، ليس لانهم مناهضين لاسرائيل بل لانهم كفيلون بان يخافوا، واحيانا عن حق، من أن يكون من شأن تأكيد الموضوع أن يشكل سلاحا في يد جماعات لاسامية تدعي بانه اذا كانت اسرائيل هي الدولة القومية اليهودية، فلعله لا مكان لليهود في بلادهم. ومع أن هذا سيكون صيغة بشعة لادعاء الولاء المزدوج، ورغم ذلك لا يوجد ما يدعو الى صب الزيت على هذه الشعلة.

في الساحة الدولية من شأن مشروع قانون كهذا أن يشكل أساسا لانتقاد ينبع، في قسم منه على الاقل، من سوء الفهم. فالكثيرون في العالم يرون في مفهوم "دولة يهودية" تعبيرا عن هوية يهودية ويرفضونه، مثلما يرفضون مفاهيم "دولة مسيحية" أو "دولة مسلمة": من ناحية تاريخية، عارض الليبراليون واليهود دوما تصنيف الدول بمثل هذه المفاهيم الدينية. والجدال الذي سينشأ في البلاد مع طرح مشروع قانون كهذا على البحث في الكنيست سيعمق من جديد فقط هذه المعارضة؛ ولن تجدي نفعا كل الجهود الاعلامية الاسرائيلية التي ستحاول الايضاح بان الحديث لا يدور عن هوية دينية بل عن هوية قومية. كما أن مشروع القانون سيلفت انتباها دوليا للمسألة غير البسيطة بشأن مكانة العرب مواطني اسرائيل، وبالتأكيد سيشكل سلاحا في أيدي الفلسطينيين في معارضتهم لكل صيغة اعتراف باسرائيل كالدولة القومية اليهودية.

باختصار: تشريع قانون أساس كهذا لن يجلب لاسرائيل أي منفعة – ضرر فقط؛ ويطرح السؤال ما هو المنطق في المبادرة، فضلا عن الدوافع الانتخابية الداخلية التي ترمي ربما الى تعزيز مكانة رئيس الوزراء.

يبدو أن الجواب يجب أن نبحث عنه في تقاليد الحركة الاصلاحية التي تباهت تاريخيا دوما بالخطاب وبالمعتقد انك اذا كنت تقنع نفسك بانك تقنع ايضا أمم العالم وانه يمكن خلق واقع جديد بالهراء.

ينبغي لرئيس الوزراء أن يتذكر احدى خطوات مناحيم بيغن عندما كان رئيسا للوزراء، الخطوة التي الحقت ضررا هائلا باسرائيل – ولسبب ما نسيت وتكاد لا تذكر في النقاش الجماهيري عن الميزان السياسي المركب بارث بيغن. في 30 تموز 1980 سنت الكنيست "القانون الاساس: القدس عاصمة اسرائيل"، والمعروف ايضا باسم "قانون القدس". هذا القانون لم يغير من ناحية جوهرية مكانة القدس مثلما تقرر مع احلال القانون الاسرائيلي على شرقي القدس. قانون القدس لم يجلب أي دولة وأي سياسي في العالم الى أن يوافق على ضم شرقي القدس، ولكنه أدى ببعض السفارات الاجنبية التي اتخذت من القدس مقرا لها الى نقل مقرها الى تل أبيب – ولا سيما الدول الامريكية الجنوبية وكذا السفارة الهولندية، السفارة الاوروبية الوحيدة التي كانت في القدس. صحيح أنه حتى قبل تشريع قانون القدس كانت معظم السفارات في تل أبيب، ولكن تلك السفارات التي كانت في القدس أتاحت لاسرائيل بان تتباهى في أن قسما على الاقل من الاسرة الدولية يعترف بالقدس كعاصمة اسرائيل.

بعد أن سن القانون نقلت معظم السفارات من القدس، واليوم لم تعد فيها سفارات أجنبية: ومع أن بيغن القى خطابا مصقعا في الكنيست، الا ان الخطوة التي نفذها ألحقت باسرائيل وبمكانة القدس ضررا هائلا، كان يترافق وقرار تنديد حاد اقر في مجلس الامن بأغلبية ساحقة. يحتمل أن يكون هناك اسرائيليون يستخفون بقرارات مجلس الامن، ولكن نقص السفارات في القدس تشعر به اسرائيل حتى يومنا هذا. كل من كان مشاركا في سياسة اسرائيل الخارجية كان يعرف بانه كانت خطوات اخرى منعت أو تضررت كنتيجة لقانون القدس.

أحد الامور التي يحق للمواطنين ان يطالبوها من حكومتهم، حتى عندما لا يتفقون مع سياستها، يشبه تعهد الاطباء في قسم هبوقراط: "أولا وقبل كل شيء لا تلحق ضررا". مشروع القانون الاساس لنتنياهو لن يجلب أي نفع – بل الضرر فقط. ينبغي الامل بان نتنياهو سيتعلم من الثمن الذي دفعته اسرائيل مع تشريع قانون القدس، والا يسير في هذه الحالة في إثر بيغن. فالحماسة والخطابة ليست بديلا عن السياسة. كل العالم يعرف ان اسرائيل هي دولة القومية اليهودية، وكل من يضيف – ينقص.