خبر دستور فلسطيني جديد.. د. عدنان الحجار

الساعة 01:20 م|15 مايو 2014

يبدو أن انضمام فلسطين الى المنظمات والاتفاقيات الدولية ليس وحده الذي يدفع باتجاه اصدار اعلان دستوري، أو اصدار دستور فلسطيني جديد، بل إن هناك تغييرات عديدة تستوجب ذلك، أهمها اعادة رسم النظام السياسي الفلسطيني بعد سنوات الانقسام، ووفقا لمتطلبات المصالحة الفلسطينية العتيدة، والتفكير الجدي في التخلص الاستراتيجي من المرحلة الانتقالية التي  وضعت  فيها السلطة الفلسطينية في اعقاب اتفاق أوسلو، والمحاولات الاسرائيلية للابقاء على هذا الاتفاق المرحلي الى أبعد حد ممكن، وهو ما تمكنت منه اسرائيل حتى الان من خلال الثغرات العديدة التي تعتريه، حيث استطاعت الوصول إلى عشرين سنة تفاوض دون أن تصل الى الحلول والاتفاق النهائي مع منظمة التحرير الفلسطينية، هذا بالإضافة الى ضرورات حتمية، ناتجة عن تفاعل كل تلك الأمور لتحديد علاقة الدولة الناشئة وأجسامها، مع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، ومؤسسات السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

إن اصدار دستور فلسطيني جديد أمر حيوي لتنظيم كل ذلك في وثيقة تنظم العلاقات وتؤسس لنظام فلسطيني حقيقي، بعيدا عن محاولات اختراق الدستور، والقانون والبحث في أي ثغرة لتعزيز وصول الحزب وبقائه مهيمنا، بعيدا عن مفهوم الممارسة الحقيقية للسياسة، والعمل على حماية المصالح العامة والوطنية في اطار قانوني وسياسي محترم.

إن المتتبع لمرحلة الانقسام، يدرك مدى افتقارنا كفلسطينيين لأسس العمل السياسي، ولتجربة سياسية ناضجة تعزز العمل السياسي وتحميه، بل ان الواقع السياسي الفلسطيني في تلك المرحلة يشير الى محاولات شتى لاختراق القانون، بما فيه القانون الاساسي، والقفز على اي بنيان سياسي راسخ، والحال يدلل على قصور حاد في فهم ترسيخ الاسس السياسية التي يجب ان تحترم، ولا تمس تحت أي ذريعة، لذلك وجدنا استخدام وممارسة التشريع في ابشع، صوره فالمجلس التشريعي الفلسطيني ينقسم على ذاته ويعجز أن يكون رافعة وطنية بل تحول الى جزء من الانقسام، وساهم في تدمير ما حاولت السلطة بنائه من توحيد القوانين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بإصدار كتلة برلمانية عشرات القوانين، هذا الى جانب اصدار عشرات القرارات الرئاسية بقانون الامر الذي تجاوز صلاحيات اصدارها وقت الضرورة.

على أية حال كشفت الممارسات السياسية السابقة للأحزاب، لاسيما طرفي الانقسام الى عدم الاكتراث بتكوين تجربة سياسية نموذج،  بل سعت تلك الاحزاب الى التفتيش عن اي ثغرة في القانون او القانون الاساسي للعبور من خلالها، بما يخالف الاعراف السياسية الراسخة مما افسد الحياة السياسة عن بكرة ابيها وجعلها نموذجا سيئا، وهنا الدعوة لمن يكلف بوضع دستور جديد بأن يمحص ويدقق في اي مادة دستورية جديدة ويضع افتراضيات وامكانيات اختراقها ويضع الحلول لكل ذلك.

أعتقد أن أسباب ومبررات اصدار دستور جديد متوافرة ومهيأة ويمكن اجمالها في الاتي:

1- المتغيرات المتعلقة بوضع السلطة الفلسطينية وتغيير صفتها إلى دولة مراقب في الامم المتحدة.

2- توجه القيادة الفلسطينية الى الانضمام الى المنظمات والاتفاقيات الدولية يعني التوجه الى انهاء الاتفاقيات المؤقتة مع اسرائيل وبالتالي تغيير القانون الاساسي الذي جاء مناسبا للمرحلة المؤقتة ولا يصلح للمرحلة القادمة.

3- ضرورة حسم وتحديد العلاقة بين دولة فلسطين المراقب في الامم المتحدة وبين السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.

4- تحديد العلاقة بين دولة فلسطين تحت الاحتلال وبين منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها مؤسسات الدولة ومؤسسات المنظمة.

5- حسم وتحديد ماهية البرلمان الجديد المتوقع بعد الانتخابات الفلسطينية هل سيكون برلمان دولة فلسطين أم مجلس تشريعي قائم بناء على اتفاقية أوسلو.

6- تحديد المرجعيات القانونية لكل من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذلك اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني.

7- ضبط النظام السياسي الفلسطيني من حيث نظام الحكم ( رئاسي-برلماني- مختلط) وعلاقة كل سلطة فيما بينها من جهة وفيما بينها وبين السلطات الأخرى.

8- حسم الخلافات القانونية التي حدثت نتيجة بعض الثغرات الموجودة في القانون الأساسي وتفسير كل طرف سياسي لها  بما يخدم مصلحته، وتحديد وضبط الثغرات المتعلقة بعلاقة الرئيس برئيس مجلس الوزراء وبالمجلس التشريعي أو البرلمان، خاصة في ظل الفشل السياسي وعدم وجود أعراف سياسية تحترم، ولجوء الجميع إلى التعدي على القانون وتفسيره كما يشاء ووفقا لرغباته.

إن على القيادة الفلسطينية أن تتوافق في اختيار لجنة فنية مهنية من القانونيين والسياسيين القادرين على انجاز مقترح أولي لاعداد مسودة دستور فلسطيني يتضمن رؤى واضحة ومحددة لتنظيم العلاقات ولتحديد ملامح النظام السياسي الفلسطيني القادم، وهنا أتحدث عن لجنة محترفة بعيدا عن المحاصصة الحزبية التي لن تلد الا مولودا مسخا يسعى الى الانقسام من جديد.

 

ـ