خبر لنعترف بالنكبة، لنعد الى أنفسنا -آرتس

الساعة 09:40 ص|14 مايو 2014

لنعترف بالنكبة، لنعد الى أنفسنا -آرتس

بقلم: ديمتري تشومسكي

(المضمون: بالاعتراف بالنكبة وبحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى وطنهم، ستعيد الصهيونية هويتها الاخلاقية الاصلية، التي فقدتها في لظى القرن العشرين اللعين - المصدر).

 

يدعي البروفيسور شلومو أفنري بان الدعوة التي في افتتاحية "هآرتس" للاعتراف بالنكبة كالمصيبة الوطنية للشعب الفلسطيني تتجاهل حقائق لا جدال فيها، وهي بالتالي عليلة من الجانب الاخلاقي ("هآرتس" 5/5). الحقائق التاريخية التي تجاهلها أثار حفيظة البروفيسور أفنري هي رفض القيادة الفلسطينية والدول العربية قرار الامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 بتقسيم بلاد اسرائيل الى دولة يهودية ودولة عربية، المقاومة المسلحة لتنفيذ هذا القرار، والهزيمة التي تكبدوها في الحرب التي شنوها ضد الحاضرة الصهيونية ودولة اسرائيل. كل هذا ادى، حسب أفنري الى "ما يسمى النكبة"، والذي ليس بالتالي باي حال مثابة "مصيبة"، بل كانت نتيجة مأساوية للحسم السياسي الفلسطيني في المنع بعدوانية اقامة دولة يهودية في قسم من بلاد اسرائيل الانتدابية.

 

لا خلاف في الحقائق. المشكلة هي أن أفنري اختار عرضها من خارج سياقها التاريخي الكامل، مما يجعل من الصعب الفهم الحقيقي لخلفية وأسباب حدوثها، ويمنع الاستيضاح العميق لـ "الجانب الاخلاقي" خلفها.

 

ان الحقائق التاريخية الجوهرية التي يفضل البروفيسور أفنري ونافي المصيبة الوطنية الفلسطينية تجاهلها، تتعلق بتاريخ وملابسات نشوء بلاد اسرائيل الانتدابية التي على تقسيمها قررت الامم المتحدة في 1947. فبلاد اسرائيل الانتدابية لم تكن موجودة قبل انهيار الامبراطورية العثمانية، تصريح بلفور والمصادقة عليه في كتاب الانتداب البريطاني. فقد نشأت كوحدة ادارية ذات مضمون سياسي في اطار توزيع غنيمة المنطقة العربية المبتورة عن الامبراطورية العثمانية بين القوى العظمى الغربية، واعلانها من قبل احداها – ذات الحساسية البروتستانتية العالية بشكل خاص نحو البلاد المقدسة – كموقع سيقام فيه وطن قومي لشعب الكتاب المقدس. وذلك رغم أن اليهود كانوا في حينه أقلية صغيرة في بلاد اسرائيل، ودون ان تُسأل أغلبية سكانها الذين وصفتهم القوة العظمى ذات الانتداب كمجموعة من الطوائف عديمة الارادة السياسية الجماعية، والتي حكم عليها بان تتحول من اغلبية الى أقلية في وطنها.

 

ليس هناك شعب يحب الحياة كان في مكان الفلسطينيين سيسلم بمثل هذا القضاء دون مقاومة عنيدة، وما كان ليرى في قرار تقسيم وطنه سوى سطو في وضح النهار. بذات القدر، ليس

 

هناك شعب محب للحياة ما كان في مكان اليهود الصهاينة ليفرح برعاية القوة العظمى وما كان ليستغل حتى نهايتها الفرصة لان يبنى له الوطن القومي المنشود. بمعنى أن المقاومة الفلسطينية للنوايا الصهيونية العلنية في تحويل اليهود الى أغلبية في البلاد كانت مبررة على نحو ظاهر من الجانب الاخلاقي، مثلما كان مبررا من الجانب الاخلاقي تطلع اليهود الذين رأوا في بلاد اسرائيل وطنهم المجيء للاستقرار فيها.

 

بالمقابل، فان طرد أجزاء من الفلسطينيين من وطنهم، وكذا قرار دولة اسرائيل منع عودة اولئك الذين طردوا أو هربوا من بيوتهم كانا خطوة شريرة، لم توازي في شدتها رفض الفلسطينيين التحول الى اقلية في وطنهم أو في قسم منه. وبالنسبة للسيطرة الاسرائيلية على أملاك جموع النازحين الفلسطينيين والتي ساهمت مساهمة غير قليلة في استيعاب جماهير المهاجرين اليهود وتعزيز الاساس المادي للدولة الشابة، فان هذا كان سطوا وسلبا ونهبا على مستوى وطني فيه ما يلقي بوصمة عار اخلاقية على تاريخ الشعب اليهودي.

 

كيف يمكن لدولة جاءت لتكون ملجأ للاجئين من لظى النازية الساطين على الاملاك الخاصة والكرامة الوطنية ان تبيض اخلاقيا السطو على الاملاك الخاصة والكرامة الوطنية لشعب آخر؟ أحد السبل الناجعة لذلك هو تخيل ضحايا النكبة على صورة منفذي الكارثة. وهكذا تنشأ إذن عندنا المرة تلو الاخرى المقارنات المشكوك فيها بين عدوان المانيا النازية على جيرانها وبين المقاومة الفلسطينية للصهيونية وكأن السيطرة على الدول الاجنبية لغرض الحصول على "مجال معيشة" حكمها كحكم الرفض لاقتسام البلاد مع شعب نال الاذن (من ايدي المحتلين الاجانب) لان يبني فيها وطنه القومي. أو، مثلا، الميل المعروف لخريجي جهاز التعليم الاسرائيلي للتشديد على حقيقة تواجد المفتي في برلين في فترة الحرب العالمية الثانية، وكأنه يوجد في هذه الحقيقة ما يفيدنا بقرب الوطنية الفلسطينية من الايديولوجيا النازية. مثل هذه المحاولات مدحوضة من ناحية تاريخية، وتلحق ضررا سياسيا هائلا في أنها تغلق مسبقا كل امكانية للمصالحة الاسرائيلية – الفلسطينية. وذلك لانه لا يمكن تصور اي تسوية مع النازيين الجدد.

 

ان رفض اسرائيل العنيد الاعتراف بدورها الجوهري في المسؤولية عن احداث النكبة وآثارها يساهم مساهمة مشكوك فيها في صد ميل المصالحة مع الشعب الفلسطيني والدول العربية، ويمنع الاصلاح الاخلاقي – التاريخي الداخلي للصهيونية. وخلافا للاستنتاجات المتسرعة لبعض من المؤرخين ما بعد الصهاينة، فان ميول الترحيل كانت غريبة عن قلب الايديولوجية الصهيونية قبل

 

نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي. فالاغلبية اليهودية في البلاد تطلع الصهاينة لان يحققوها من خلال هجرة اليهود، وليس في ظل اقتلاع الفلسطينيين. وذلك، بالتعليل الاخلاقي العميق، الذي تكرر المرة تلو الاخرى لدى معظم التيارات الصهيونية، من "تحالف السلام" في اليسار وحتى جابوتنسكي في اليمين، وبموجبه حذار على الحركة الوطنية للمضطهد بين الشعوب أن يتبنى، لدى عودته الى وطنه القديم – الجديد، أساليب مضطهديه.

 

هذا التعليل، الذي كان مركزيا في وعي الصهيوني الاولي، أُهمل في ضوء صدمة الكارثة، التي دفعت الصهيونية الى فقدان يقظتها الاخلاقية مما أتاح لها أن تحدث النكبة. وبالاعتراف بالنكبة وبحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى وطنهم، ستعيد الصهيونية هويتها الاخلاقية الاصلية، التي فقدتها في لظى القرن العشرين اللعين.