خبر الإطار القياديّ المؤقّت للمنظّمة.. هاني المصري

الساعة 05:12 م|13 مايو 2014

في «إعلان القاهرة» الذي رأى النور في العام 2005 كانت هناك نقطة تتحدث عن تشكيل لجنة لتفعيل وتطوير «منظمة التحرير»، على أن تضم في صفوفها أعضاء اللجنة التنفيذيّة ورئاسة المجلسين الوطني والتشريعي والأمناء العامين وشخصيات وطنيّة مستقلة. ومضت السنون من دون تطبيق هذه النقطة، إلى أن تم توقيع «اتفاق القاهرة» في أيار 2011، حيث جاء فيه: «تقوم اللجنة المكلفة بتطوير «منظمة التحرير الفلسطينيّة» باستكمال تشكيلها وعقد أول اجتماع لها فور البدء بتنفيذ الاتفاق».

وأضاف الاتفاق: «ولحين انتخاب المجلس الوطني الجديد، ومع التأكيد على صلاحيات اللجنة التنفيذيّة وسائر مؤسسات المنظمة؛ تقوم اللجنة المكلفة بتطوير «منظمة التحرير الفلسطينيّة» بحسب إعلان القاهرة 2005 باستكمال تشكيلها، وعقد أول اجتماع لها كإطار قيادي مؤقت، وتكون مهامها كالتالي:

- «وضع الأسس والآليات للمجلس الوطني الفلسطيني.

- معالجة القضايا المصيريّة في الشأن السياسي والوطني واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق.

- متابعة تنفيذ القرارات المنبثقة عن الحوار، وتعقد اجتماعها الأول في القاهرة لتحديد آليات عملها».

كما اتفقت حركتا «فتح» و«حماس» على أن تكون مهام وقرارات الإطار القيادي المؤقت غير قابلة للتعطيل وبما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذيّة لـ«منظمة التحرير».

بعد الاتفاق، تم تشكيل الإطار القيادي المؤقت وضم في صفوفه ممثلين عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وثلاث شخصيات مستقلة هي: منيب المصري، ومصطفى البرغوثي، وياسر الواديّة. إضافة إلى أعضاء اللجنة التنفيذيّة ورئاسة المجلسين الوطني والتشريعي، وأصبح اسم الإطار القيادي بقدرة قادر «لجنة تفعيل المنظمة»، وجرى تجاهل النص في الاتفاق على مهامه وعلى أن قراراته غير قابلة للتعطيل.

لماذا لم يتم تفعيل الإطار القيادي المؤقت وجرى اقتصاره على لجنة تفعيل المنظمة بتواطؤ من جميع الفصائل والمستقلين؟ فمن قائل ليس المهم الاسم لكن المهم المضمون، وآخر يقول إن اللجنة استشاريّة ويتجاهل النص الذي كلماته واضحة. والنتيجة أن الإطار حتى بوصفه لجنة تفعيل، لم يعقد منذ «اتفاق القاهرة» حتى الآن سوى مرات قليلة متباعدة، وجمّد عمليًا، شأنه شأن اتفاق المصالحة الذي لم ينفّذ بالرغم من تكرار الاتفاق على ضرورة وإلحاحيّة تنفيذه.

في «اتفاق مخيم الشاطئ» الأخير، تم الاتفاق على تفعيل لجنة تفعيل المنظمة خلال خمسة أسابيع، أي خلال نفس الفترة التي اتفق على تشكيل الحكومة الوفاقيّة خلالها.

إن العودة الفعليّة إلى «اتفاق القاهرة» بهذا الشأن والتعامل مع لجنة تفعيل المنظمة كإطار قيادي قراراته غير قابلة للتعطيل بما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذيّة؛ هي المدخل المناسب لإيجاد قيادة موحدة تتولى مواجهة التحديات والمخاطر التي تتهدد القضيّة الفلسطينيّة، لأن المنظمة تمثل جميع الفلسطينيين الذين نصفهم في الشتات بعيدًا عن السيطرة الاحتلاليّة المباشرة التي يتعرض لها نصف الشعب الفلسطيني الآخر الذي يعيش داخل وطنه فلسطين، على أن تبدأ عملها بتحديد أسس الشراكة السياسيّة الحقيقيّة والقواسم المشتركة، وكيفيّة التعامل مع المفاوضات والمقاومة والسلطة، خصوصًا بعد الفشل الذريع «لاتفاق أوسلو»، وبعد حصول الفلسطينيين على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينيّة كعضو «مراقب» في الأمم المتحدة، وما يتيحه هذا الاعتراف من مزايا سياسيّة وقانونيّة.

الرئيس و«فتح» لا يريدان التعامل مع لجنة تفعيل المنظمة كإطار قيادي مؤقت، خشية أن يمس هذا الأمر بالشرعيّة الدوليّة للمنظمة، بحيث تستخدم الولايات المتحدة الأميركيّة وأوروبا وكندا وغيرها من دول العالم دخول «حماس» والجهاد المصنفتين ضمن التنظيمات «الإرهابيّة» كذريعة لسحب الاعتراف بالمنظمة، أو لتجميد هذا الاعتراف، وما يمكن أن يقود إليه هذا وذاك من مقاطعة وعقوبات مختلفة.

كما أن «فتح» تعتقد أن المنظمة هي المؤسسة الوحيدة التي لم تدخلها «حماس»، التي يعني دخولها فيها منافسة «فتح» على قيادة المؤسسة الأهم والأخيرة التي تقودها «فتح» من دون منازع منذ فترة طويلة، خصوصًا بعد مشاركة «حماس» في الانتخابات البلديّة والتشريعيّة وإقامة سلطة خاصة بها في قطاع غزة.

إذا توفرت إرادة سياسيّة لتغليب المصلحة الوطنيّة على المصالح الفرديّة والفصائليّة، فهناك حل لهذه المعضلة التي تبدو مستعصية، ومن دون حلها لا يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة على أسس وطنيّة وديموقراطيّة وشراكة حقيقيّة.

الحل يكمن في إعطاء الأولويّة لتفعيل الإطار القيادي حتى لو كان اسمه «لجنة تفعيل المنظمة»، شرط أن تكون قراراته غير قابلة للتعطيل، ويقوم بمهمات القيادة الفلسطينيّة إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني وانتخاب أعضاء المجلس المركزي واللجنة التنفيذيّة. ولقطع الطريق على كل من تسول له نفسه المساس بشرعيّة المنظمة؛ تستمر اللجنة التنفيذيّة الحاليّة بعملها وتعتمد ما يتم التوافق الوطني عليه في الإطار القيادي المؤقت، أي أن ما يتم الاتفاق عليه لا يصبح ملزمًا وشرعيًا إلا بقرار من اللجنة التنفيذيّة.

نقطة أخرى في منتهى الأهميّة، وهي أن هذا الأمر يسحب الذريعة ممن يحاول المساس بشرعيّة المنظمة، لأن «حماس» لن تنضم إليها بشكل رسمي إلا بعد إجراء الانتخابات، وهذا يمنح وقتًا ثمينًا يمكن أن تجري فيه مياه كثيرة يمكن أن تغير المعادلات القائمة الآن. فـ«حماس» لا يمكن أن تشارك مشاركة كاملة في المنظمة من خلال الإطار القيادي، بينما تحتفظ بسيطرتها الكاملة والانفراديّة على غزة. فالاتفاق يجب أن يقوم على مشاركة كاملة في السلطة والمنظمة، وإنهاء حالة الانقسام والتفرد والهيمنة على السلطة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة.

ولا ينفصل عما سبق ضرورة الاتفاق على ما يمكن أن نطلق عليه «ركائز المصلحة الوطنيّة العليا»، التي تحدد الأهداف الأساسيّة وكيفيّة تحقيقها، وقواعد التنافس الداخلي في ظل مرحلة التحرر الوطني، واعتماد المساواة بين الفلسطينيين بغض النظر عن الجنس والدين واللون، واحترام الحقوق والحريات العامة وحقوق الإنسان.

ما سبق يقتضي تطبيقه اعتماد مقاربة أخرى تقوم على وقف التركيز على الجوانب الإجرائيّة في اتفاق المصالحة، مثل تشكيل الحكومة والانتخابات، وإهمال المضمون والأهداف من كل ذلك، بما في ذلك تجاوز البرنامج السياسي وأسس الشراكة، وتأجيل فعلي لملفي المنظمة والأمن، الذي من دون الاتفاق عليهما بما يؤدي إلى إعادة توحيد وبناء وإصلاح الأجهزة الأمنيّة على أساس عقيدة وطنيّة، وإعادة بناء مؤسسات «منظمة التحرير»، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أسس وطنيّة وديموقراطيّة؛ لا يمكن إنهاء الانقسام، وأقصى ما يمكن أن نصل إليه إدارة الانقسام، ومحاصصة تحت غطاء المصالحة وحكومة الوفاق الوطني.

تتطلب المقاربة الجديدة اعتماد إستراتيجيات بديلة من المفاوضات الثنائيّة والمقاومة المسلحة كطريق وحيد، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها وعلاقتها بالمنظمة بعد أن تجاوزت الحكومات الإسرائيليّة منذ زمن بعيد «اتفاق أوسلو»، وبعد الحصول على الدولة المراقبة.