خبر فشل المفاوضات ومخاطر الدولة الثنائية القومية ..حلمي موسى

الساعة 11:25 ص|12 مايو 2014

تفجرت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وعلى السطح لم يحدث الكثير. بقيت الأوضاع الميدانية تقريبا على حالها رغم ارتفاع حدة التهديدات. تحت الأرض أشياء كثيرة تجري إما تحفيزا لسيرورات لاحقة أو تخوفا من عواقبها. وبين هذا وذاك تطفو على السطح أحداث يصعب عدم الانتباه لها، سواء كانت في الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي أو الأميركي أو في العلاقات بين هذه القوى.

على الصعيد الفلسطيني، أُبرم اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، ويبدو أن شيئا ما على الأرض يحدث ويستفز إسرائيل أو تستغله من دون أن يفهم أحد حقيقة ما يجري. فالتهديدات من جانب الإسرائيليين والأميركيين لحكومة الوحدة، إذا ما أنشئت، كبيرة، والرعاية العربية لمثل هذه الحكومة تكاد تكون معدومة.

وعلى الصعيد الإسرائيلي، نجد ذلك الهوس في الاندفاع نحو سن قانون دستوري باعتبار إسرائيل «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وذلك لقطع الطريق أمام أن يقود الواقع الديموغرافي إلى دولة ثنائية القومية. وبديهي أن هذا الهوس يرتكز على خوف من احتمالين: انهيار فكرة الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين، وبالتالي سحب البساط مسبقا من تحته، أو منع احتمالات مطالبة الأقلية الفلسطينية داخل الدولة العبرية في حدود 67 بحقوق وطنية في الدولة التي يقيمون فيها. وفي كل الأحوال تظهر هذه المخاوف ذعرا من مستقبل مجهول.

وفي «معركة الملامة» التي تخوضها الحكومة الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية بشأن المسؤولية عن تفجير المفاوضات، وجه شمعون بيريز صفعة قوية للحكومة. فبإعلانه أنه كان على وشك التوقيع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اتفاق سلام وأن نتنياهو هو من طلب تأجيل ذلك يفسد على نتنياهو تبريراته. فهذا الإعلان يؤكد أن لا صحة لادعاء نتنياهو أن الرئيس عباس «هرب» من اتفاق وأنه ليس «شريكا» في عملية السلام، بل يشير إلى العكس.

ومن المؤكد أن بيريز لم يكن يقصد توجيه ضربة لتبريرات نتنياهو ولا توفير حجة إضافية للفلسطينيين بقدر ما كان يعبر عن تخوف جارف في أوساط معينة في إسرائيل من أن نافذة فرص حل الدولتين تزداد انغلاقا. ولم يعد هذا التخوف حكراً على أوساط يسارية في إسرائيل بل يزداد اقتناع الكثيرين من الوسط وحتى اليمين المعتدل بالخطر على الدولة العبرية من استمرار الوضع الراهن.

وبديهي أن هناك في إسرائيل من يلحظون التغيرات الجارية في الإعلام الأميركي تجاه الدولة العبرية. تكفي الأنباء التي أذيعت مؤخرا، خصوصا في مجلة «نيوزويك»، عن حجم التجسس الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة ومخاطره وتعاظم التركيز عليه. وإذا أخذنا في الحسبان الغضب في أوساط أميركية من السياسة اليمينية الإسرائيلية فإن القلق يزداد. ولكن ثمة من يوسعون الدائرة ويشيرون إلى الخلافات العميقة التي باتت تعصف بمنظمات اليهود في أميركا واختلافهم حول إسرائيل ووجهتها. وهناك إشارات إلى أن لجنة رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا باتت تفقد جانبا من قوتها الشعبية بعد موقفها الرافض ضم منظمة «جي ستريت» الليبرالية اليهودية إلى صفوفها. ويعني ذلك، بأشكال مختلفة، احتمال توسع شقة الخلاف داخل الجالية اليهودية في أميركا حول إسرائيل، الأمر الذي يضعف بالتالي نفوذ هذه الجالية ودعمها لإسرائيل.

ومن تعابير الخلاف حتى داخل الطائفة اليهودية في أميركا تنديد المبعوث الاميركي لمحادثات السلام مارتين اينديك بشدة غير مسبوقة بالبناء الاستيطاني، معتبرا أنه ألحق «ضررا دراماتيكيا» بالمفاوضات السياسية. وقال اينديك ان «عطاءات البناء والبيانات عن تخطيط البناء الجديد خربت على محادثات السلام، وأن الامر تم بنية مبيتة من مؤيدي المستوطنات». ومعروف أن إينديك صهيوني وكان من أبرز منظري اللوبي الصهيوني، إيباك، في العاصمة الأميركية، الأمر الذي يضفي على موقفه أبعادا تتجاوز واقع كونه مبعوثا أميركيا.

لكن أخطر ما قاله إينديك في خطاب أمام معهد واشنطن للشرق الاوسط هو أن استمرار الاستيطان «المنفلت العقال» في المناطق يقود اسرائيل الى «واقع ثنائي القومية لا رجعة عنه. فالاستيطان لا يزعزع فقط ثقة الفلسطينيين بهدف المفاوضات بل يخرب على المستقبل اليهودي لإسرائيل». وخلص اينديك إلى أنه «اذا استمر هذا، فمن شأنه أن يمس مساسا خطيرا بفكرة اسرائيل كدولة يهودية، وهذه ستكون مأساة على مستويات تاريخية».

وإلى جانب ذلك لا بد من الإشارة إلى أن التطورات في الإقليم والعالم تدفع العديد من القوى الدولية إلى التراجع عن دعمها للسلطة الفلسطينية. وقد تحدثت مجلة «أيكونومست»، مثلا، عن مخاوف من وقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية بسبب المصالحة. فالكونغرس الأميركي، لاعتبارات أميركية داخلية وإسرائيلية، يتخذ قرارات تقيد المساعدات للفلسطينيين بزعم الشبهات بأنها تذهب إلى قوى إرهابية. وليس صدفة أن كبرى منظمات المعونة الأميركية USAID أبطلت لقاءات مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية بسبب اتفاق المصالحة بين فتح وحماس. وأشارت إلى أن ذلك قد يقود في نهاية المطاف إلى انهيار السلطة الفلسطينية والقضاء بالتالي على فكرة حل الدولتين.

كما أن العديد من المصادر الأوروبية تؤكد أنه إذا لم يفلح الأميركيون في استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فإن هناك جملة قرارات ضد الاستيطان بانتظار تفعيلها. ومطلع الأسبوع المقبل سيعقد لقاء وزراء الخارجية الأوروبيين للبحث ليس فقط في الأزمة الأوكراينة بل أيضا في تفجير المفاوضات.