خبر « يهوديّة إسرائيل »: أبارتهايد بحكم القانون.. صالح النعامي

الساعة 07:34 ص|05 مايو 2014

قامت الدنيا ولم تقعد عندما نسب موقع "ديلي بيست" قبل أسبوع، لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، تحذيره، في لقاء مغلق مع مسؤولين أجانب، من أن إسرائيل ستتحوّل إلى دولة "أبارتهايد"، في حال فشل حل الدولتين. ردة الفعل الغاضبة من الجمهوريين في الكونغرس ومن قادة "أيباك"، كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، أجبرت كيري على التراجع بشكل مهين عن تصريحاته، فأوضح أنه ارتكب خطأً في اختيار مصطلح "الأبارتهايد".
لكن الجمهوريين وأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة صمتوا عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه ينوي المبادرة إلى سنّ قانون أساس "الدولة اليهودية"، الذي يرمي، بشكل واضح وصريح، إلى تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل على حساب الطابع الديموقراطي، مع كل ما يعنيه ذلك من إضفاء شرعية قانونية على التمييز العنصري بحق غير اليهود الذين يعيشون في إسرائيل.

وكانت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، الوحيدة التي اعترضت على نص المشروع، إذ حذرت من أن سَنّ هذا القانون، يعني إفساح المجال لقوانين ذات طابع عنصري، من دون أن يكون من حق المحكمة العليا الاعتراض عليها. ويأتي هذا القانون ليضاعف من تأثير قانون "النكبة" الذي سنّه الكنيست قبل عام، ويحظر بموجبه على فلسطينيي 48 التعبير عن ألمهم لما حلّ بشعبهم وقضيتهم عام 1948، ويهدد بجملة من العقوبات في حال تم تجاوز القانون.

ومن شأن سنّ القانون الجديد، أن يجعل من الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، ممراً إجبارياً قبل مجرد الخوض في قضايا الحل الدائم. ولا يترتب على الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، التخلي عن المطالبة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة فحسب، بل أيضاً التسليم بكل إجراء تقدم عليه إسرائيل لتحصين طابعها اليهودي. في الوقت ذاته، فإن مشروع القانون يرمي إلى تأطير الممارسات العنصرية التمييزية المحابية لليهود، والمجحفة بحق فلسطينيي 48، بديباجة قانونية تحوّلها إلى ممارسات "شرعية". ومن الواضح أن أحد أهداف طرح القانون، هو إراحة المحكمة العليا من مهمة النظر في القوانين العادية ذات الطابع العنصري الفجّ، على اعتبار أن المحكمة العليا ملزمة بالعمل وفق القوانين الأساسية.

كما أن خطورة تبنّي هذا القانون لا تكمن فقط في توفير البنية القانونية التي تشرّع الفصل العنصري، بل أيضاً في حقيقة أنها تضفي شرعية على سياسات مؤسساتية تنطلق من افتراض مفاده أنه لا يجوز النظر للعربي من فلسطينيي 48، كـ"مواطن شرعي". فوزير المالية، يئير لبيد، زعيم حزب "ييش عتيد"، الذي يقدّم نفسه كـ"رأس الحربة في الدفاع عن الليبرالية" في الحكومة، رفض ـ بُعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة ـ أن ينضم إلى أي حكومة تشارك فيها الأحزاب العربية، وقال في حينها: لن يشاركني الحكومة "الزعبيون"، في إشارة إلى النائب عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي، حنين زعبي.
وسيضع القانون، إذا أُقرّ، حداً للجدل حول مظاهر الغبن والتمييز التي يتعرّض لها فلسطينيو 48، والتي تقرّ بها حتى حكومة اليمين. ويؤكد وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، الذي يرأس حزب "البيت اليهودي"، والذي يمثّل اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم، بأن 2 في المئة فقط من الفلسطينيين من خريجي أقسام التقنية في الجامعات الإسرائيلية، يتم استيعابهم في الشركات الإسرائيلية (هآرتس، 3/12/2013).

ولا خلاف على أن القانون المطروح سيساعد على تفشي مظاهر الفصل العنصري التي عانى منها ذوو البشرة السوداء تحت حكم البيض في جنوب أفريقيا. ولا تزال حادثة الفلسطيني خالد شقرا ماثلة، عندما توجه مع عائلته لمجمع "سوبرلاند" الترفيهي، فرفضت إدارة المجمع دخوله لأنه عربي، على الرغم من أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت، 1/6/2013).

قد يكون مفيداً، بالنسبة للمشرّعين الأميركيين الذين اكفهرّت وجوههم لمجرد تحذير كيري من إمكانية تحوّل إسرائيل إلى دولة "أبارتهايد"، أن يعاينوا الشعارات التي يردّدها مشجعو فريق "بيتار يروشليم"، وهو من أبرز فرق كرة القدم في إسرائيل، من بينها: "الموت للعرب"، وهو الشعار المحبّب لدى مشجعي الفريق، الذي تتزلّف له النُخَب الحاكمة، في سعيها لزيادة رصيدها لدى الجمهور اليميني. ولا يمكن تجاهل حقيقة الأبعاد الثقافية التي تكمن وراء مشروع القانون، إذ يرمي بشكل واضح إلى تزييف التاريخ، ومحاولة تهويد الوعي، من خلال نصّه في مادته الأولى على أن "إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، ما يعني نسف أي حق للفلسطينيين والعرب في هذه البلاد.

ومن الواضح أن إيراد هذه المادة تحديداً، يعكس ضعف الرواية الصهيونية وهشاشتها. فلو كانت الصهيونية "حركة تحرّر قومي"، كما يصفها المنظّرون الصهاينة، فلا حاجة لتحصين روايتها التاريخية بقوة قانون عنصري.