تحليل الهرم يهدد مؤسسات منظمة التحرير

الساعة 11:28 ص|02 مايو 2014

محمد يونس

في مستهل افتتاح الدورة الأخيرة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية (البرلمان المصغر)، تلا رئيس المجلس سليم الزعنون قائمة بأسماء 15 عضواً في المجلس المؤلف من 128 عضواً، وقائمة تضم عدداً مماثلاً من أعضاء المجلس الوطني (البرلمان) توفاهم الله في السنوات القليلة الماضية، إذ ترحّم الأعضاء على أرواح زملائهم.

وعقب انفضاض الجلسة الافتتاحية، أخذ بعض الأعضاء والحضور من المراقبين يتندرون بسخرية لا تخلو من مرارة على الأسماء المرشحة للوفاة قبل موعد الدورة المقبلة بسبب تجاوزها متوسط العمر في الأراضي الفلسطينية، وعلى الأعضاء الذين باتوا في عداد الموتى نتيجة تقدمهم في السن وأمراض الشيخوخة.

ويعترف القائمون على مؤسسات منظمة التحرير، التشريعية والتنفيذية، بأن أعضاء المؤسسة التي شُكلت أوساط ستينات القرن الماضي، هرموا ولم يعد العديد منهم قادراً جسدياً وذهنياً على القيام بمهامه. وكثيراً ما يتندر الفلسطينيون على من هرم من قياداتهم في مواقعهم. لكن الحالة التي تبدو في كثير من الأحيان صادمة، لم تتحول إلى قرار سياسي لإعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها عبر الانتخابات وإعادة التشكيل بسبب تعقيدات الحالة الفلسطينية، خصوصاً الاحتلال وإجراءاته التي تخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى الشتات والانقسام.

ولم تشهد مؤسسات منظمة التحرير انتخابات حقيقية شاملة منذ تأسيسها، وما زال ممثلو بعض الاتحادات في المجلس الوطني (البرلمان) يمثلون اتحاداتهم على رغم تجاوزهم السن القانوني لهذا التمثيل، مثل ممثل اتحاد الطلاب الذي غزا الشيب رأسه منذ زمن طويل، ورئيس اتحاد العمال الذي لم يعد في سن العمل وغيرهم.

وتتألف المؤسسات التشريعية لمنظمة التحرير من ممثلين للفصائل الوطنية والاتحادات الشعبية. ولم تجر الفصائل تغييرات حقيقية لممثليها في مؤسسات المنظمة منذ عقود طويلة، فيما لا يجري الكثير من الاتحادات الشعبية انتخابات حقيقية.

وجرى الكثير من المحاولات لحمل القيادة السياسية لمنظمة التحرير على إجراء انتخابات للمجلس الوطني الذي يشكل برلمان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وينتخب بدوره القيادة السياسية (اللجنة التنفيذية للمنظمة). لكن تلك المحاولات اصطدمت على الدوام بالواقع الفلسطيني شديد التعقيد، وبعدم رغبة القيادة الحالية في إحداث تغييرات تهدد مواقعها ونفوذها.

وتطالب الحركات السياسية الجديدة نسبياً، التي انضمت إلى الفعل السياسي في ثمانينات القرن الماضي، مثل «حماس» و «الجهاد الإسلامي» والمستقلين، بإجراء انتخابات للمجلس الوطني، لكن هذه الدعوات قوبلت على الدوام بالتشكيك من محاولة تلك القوى والشخصيات «التسلل» إلى هذه المؤسسات والسيطرة عليها.

ويعود السبب الحقيقي لتعثر محاولات الانتخابات والإصلاح في مؤسسات المنظمة إلى استفادة النخب الحالية من الوضع القائم، وعدم رغبتها في فقدان مواقعها لصالح أجيال وقوى أخرى منافسة، تضاف إليها الصعوبات الواقعية التي تجعل من إعادة بناء الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، مهمة بالغة الصعوبة.

وأمام ما ظهر أنه استحالة حدوث تغيير من الداخل، بدأت تظهر محاولات للتغيير من الخارج. ومن هذه المحاولات «الحملة الوطنية لانتخابات المجلس الوطني» التي تضم ناشطين فلسطينيين حول العالم. وانطلق أصحاب الحملة، ومنهم أكاديميون بارزون، مثل البرفيسورة كرمة النابلسي، الأستاذة في جامعة أوكفسورد وغيرها، من حاجة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات إلى إجراء انتخابات للبرلمان، الذي يمثلهم ويرسم لهم خياراتهم المستقبلية.

وحظيت الحملة بترحيب لافت من الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في دول العالم، وصمم عدد من خبراء الحاسوب الناشطين في الحملة نظاماً انتخابياً دقيقاً للتسجيل والانتخاب لتسهيل تسويق المهمة في الأوساط السياسية وتحويل الفكرة التي باتت حلماً لدى الكثيرين إلى حقيقة.

وتوافقت الحركتان الأكبر في الحياة السياسية الفلسطينية، «فتح» و «حماس»، في اتفاقات المصالحة التي بلغ عددها ستة اتفاقات، على إعادة بناء المنظمة وإجراء الانتخابات حيثما كان ذلك ممكناً. لكن أياً من هذه الاتفاقات لم يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب أزمة الثقة والصراع على السلطة وهشاشة المؤسسات.

واستبشر البعض خيراً باتفاق المصالحة الأخير (اتفاق غزة)، الذي جاء بعد تغيرات فلسطينية وإقليمية مهمة، لكن التفاؤل بتشكيل حكومة مشتركة للضفة الغربية وقطاع غزة لا يتجاوز ذلك إلى التفاؤل بإعادة بناء منظمة التحرير، وإجراء انتخابات، وتجديد مؤسساتها الهرمة بسبب الصعوبات الموضوعية المتمثلة في شدة الصراع السياسي بين الأفرقاء، ومحاولة كل طرف منهم توجيه العملية بما يخدم مصالحه وأولوياته. فحركة «حماس» تسعى إلى تشكيل حكومة مشتركة تعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة على نحو يحافظ على مصالحها في القطاع، وإلى الدخول في منظمة التحرير والمشاركة في قيادتها. أما «فتح»، فتسعى إلى تشكيل حكومة تعمل على استعادة القطاع تدريجاً إلى السلطة، واستيعاب الحركات الإسلامية في المنظمة تحت قيادتها وبرنامجها السياسي الذي يلاقي قبولاً دولياً.