خبر إقفال الباب في وجه حكومة الاحتلال

الساعة 06:48 ص|01 مايو 2014

أطلس للدراسات

من البديهي أن يثير اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس غضب واستياء وتهديد الحكومة الاسرائيلية بالنظر إلى الفائدة الكبيرة التي عولتها حكومة اسرائيل على الانقسام والاحتراب الداخلي بين طرفي الانقسام لضرب مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال، وللخلاص من قطاع غزة عن طريق رفع المسئولية الاسرائيلية القانونية عنه بشكل كامل وتحويله الى كيان مستقل، والاستفراد بالضفة الغربية والقدس لفرض الاجندة الصهيونية اليمينية مستغلة الظروف الآنية التي تمر بها المنطقة وفرض رؤيتها للسلطة بأنها لا تعدو عن جهاز مدني يرعى الأوضاع الخدماتية والحياتية وذراع أمني لإسرائيل وسط السكان الفلسطينيين.

ومن جهة أخرى؛ عملت على استغلال الانقسام للتهرب من كل المبادرات الدولية لإنقاذ مسيرة التسوية بالتذرع أن السلطة لا تمثل الشعب الفلسطيني وليس لها سلطة على غزة، وأنها موجودة في الضفة بفضل الحماية الإسرائيلية. واليوم بعد توقيع الاتفاق انقلبت الصورة؛ فقد عاد أبو مازن للتحالف مع "الإرهاب"، وان سلطته أصبحت "ارهابية تسعى للقضاء على دولة إسرائيل"، وعليه أن يختار بين حماس أو السلام! وكأن مفاوضات السنوات العشرين قد حققت شيئاً للشعب الفلسطيني سوى أنها استغلت للتغطية على المشاريع الصهيونية والاستيطانية في الضفة الغربية والقدس. وقد كشفت المفاوضات في حلقتها الأخيرة، التسعة أشهر الماضية، التي بذل الأمريكيون فيها كل جهودهم وباءوا فيها بالفشل، عن مدى التطرف والصلف الاسرائيلي الذي وصل حدود البجاحة بمطالبة الفلسطينيين أن يعترفوا أولاً أنهم غرباء فوق هذه الأرض وأن فلسطين وطن قومي لليهود.

ردة الفعل الاسرائيلية من المصالحة، والتماهي الأمريكي معها، توضح بجلاء أهمية المصالحة وخطورتها على المخطط الاسرائيلي التصفوي، والتواطؤ الامريكي المعروف، وأن الانقسام المشين لا مبرر له سوى خدمة المشروع الصهيوني. وأن مجرد اتفاق الطرفين، فتح وحماس، على الشروع في المصالحة وطي صفحة الماضي هو انجاز كبير، ينبغي للطرفين أن يعضوا عليه بالنواجذ، أياً كانت وجهات النظر والاجتهادات السياسية الأنسب والأكثر ملاءمة في هذا الظرف، وهي العلامة الفارقة على الانتماء للوطن والشعب والقضية، ومن الضروري الابتعاد التام في هذه المرحلة عن كل ما يعكر الصفو أو يسيء إلى المسيرة.

ينبغي تجاهل تهديدات الحكومة الاسرائيلية الأكثر تشدداً في تاريخ الكيان، والتجربة المريرة التي خاضتها السلطة أوضحت بجلاء أن دولة الكيان لا تريد من الأساس سلام الحد الأدنى من الحقوق كما تريده السلطة الفلسطينية، وتهديدات الحكومة الاسرائيلية وحملتها الشعواء على المصالحة وتشويه صورة أبي مازن ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وعلى قيادة السلطة أن تقفل الأبواب في وجهها، فالعودة الى الماضي – الانقسام – لا مبرر له ولن يحقق إلا أهداف اسرائيل. وإن نجحنا كفلسطينيين في إغلاق الأبواب في وجه الحرب الشعواء التي يطلقها نتنياهو فيما يتعلق بالمصالحة فسيظهر نتنياهو وحكومته أمام العالم والرأي الاسرائيلي نفسه مثل طالب فاشل يكرر ذات الاجابات الخاطئة.

وأقطاب هذه الحكومة يعربون، صباح مساء، أنهم لا يرون مصلحة تعود عليهم وعلى كيانهم المصطنع في حل سياسي مع الفلسطينيين، قراءتهم للواقع العربي والدولي أن الظروف والاوضاع السائدة تلعب لمصلحة الفكرة الصهيونية التوسعية والعدوانية والاستئصالية. فالدولة الفلسطينية، الحد الأدنى من الحقوق التاريخية، على جزء يسير من الأرض الفلسطينية كما يطالب أبو مازن ليست خياراً، ولم تكن أبداً، لدى الإسرائيليين.

في المؤتمر السنوي الثالث الذي نظمته صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية في مدينة نيويورك في أوائل شهر ابريل، صرح وزير السياحة الاسرائيلي عوزي لانداو بأن الدولة الفلسطينية ليست خياراً، "انها ستخلق مشكلة أسواً، مما ستحل، لا يمكن أن نقبل بوجود فلسطين"، وأضاف: "الغرض من المفاوضات مع الفلسطينيين لا يجب ان يكون السلام الآن، هذا ليس حقيقياً، الأمر الحقيقي هو التوصل الى اتفاقيات مؤقتة طويلة الأمد تؤدى في نهاية المطاف الى السلام. وقال: "يتعين على المرء أن يصيغ سياساته على أساس الواقع وليس على أساس الاحلام".

ليس من حق أي طرف خارجي أن يعترض على المصالحة، فهي شأن فلسطيني داخلي، ومن غير المطلوب مطلقاً أن تغير حماس أو الجهاد الاسلامي أو أي جزء من الشعب الفلسطيني برامجه أو نظرته إلى الكيان الصهيوني حتى ترضى الادارة الامريكية عنه، فالحكومة الاسرائيلية والمجتمع الصهيوني يعج بمن يطالبون علانية بالخلاص من الفلسطينيين، ولم نسمع يوماً رفضاً أمريكياً أو غربياً للتعامل معهم، فهؤلاء نتاج الديمقراطية الصهيونية، أما أن تنتج الديمقراطية الفلسطينية فصيلاً أو اتجاهاً تتعارض برامجه وأساليب نضاله عن الرؤى الأمريكية أو الصهيونية فهو "ارهابي ويجب محاصرته ومعاقبة الشعب الفلسطيني على قبوله!".

القضية لم تكن حماس أو الجهاد، القضية هي الأيدلوجية الصهيونية المتطرفة وقادة صهاينة محترفي خداع ومراوغة على طريقة نتنياهو لا يريدون سلاماً؛ بل استسلاما على طريقتهم يحقق لاءاتهم المتكررة، لا انسحاب، لا تنازل عن القدس، لا لوقف الاستيطان، لا لعودة اللاجئين، لا لدولة ذات سيادة... الخ.

الكاتب اليساري الليبرالي الاسرائيلي جدعون ليفي، وهو بجد حالة فريدة في المجتمع الإسرائيلي، في مقال بصحيفة "هآرتس" 27/4، يعبر بصراحة منقطعة النظير عما تريده حكومة اسرائيل من الفلسطينيين فيقول: "ما الذي تقوله اسرائيل بنيامين نتنياهو لفلسطين محمود عباس؟ اجلسوا في هدوء ولا تتجرأوا على المقاومة. اجلسوا في هدوء في مواجهة المستوطنات التي ما زالت تبنى بصورة وحشية في أراضيكم؛ ولا تتجرأوا على تعاطي الارهاب ولا على تعاطي الدبلوماسية التي هي كما تعلمون "ارهاب سياسي"، ولا على العصيان المدني ولا على المقاطعة مع المستوطنات. اشتروا فقط المنتوجات الاسرائيلية؛ ولا تتظاهروا ولا تفكروا في احتجاج غير عنيف؛ وتعاونوا مع جيش الاحتلال وأجهزته الظلامية. وكونوا مقاوليهم الأمنيين حتى على أبناء شعبكم؛ واستقبلوا بحب أعمال "شارة الثمن"؛ واعترفوا بإسرائيل دولة يهودية حتى لو لم تكن اسرائيل تعرف معناها، حتى لو لم تكن تعترف بكم ولو لحظة واحدة بأنكم شعب مساو في الحقوق؛ وانسوا حق العودة ولا تذكروه حتى نازحين، ودعوا اللاجئين ومصيرهم، وامضوا تاريخكم وتراثكم؛ إن اقصى قدر يمكن ان تحلموا به هو دولة منزوعة السلاح مقسمة، ومصالحة على مصالحة بعد أن تخليتم منذ زمن عن أكثر الارض. وثمة اقتراح أخير، إلى الآن، وهو لا تتجرأوا على توحيد صفوفكم، فاليمين المتطرف والمتدين والقومي جائز في حكومات اسرائيل فقط. أو بعبارة اخرى: "انتسبوا الى الليكود"، وساعدوا الجيش الاسرائيلي ولا تشوشوا على "الدعاية" وكل شيء أقل من ذلك يعتبر ظلما منكم".

ويتابع: "والحقيقة هي أن عباس قد أوفى بصورة مدهشة جداً بأكثر هذه الشروط، لكنه لم يفِ بها جميعاً، ولهذا لم تكتف اسرائيل بذلك. وهي في واقع الأمر لن تكتفي أبداً، فهي تشترط شروطاً جديدة في كل مرة يفي بها بالشروط السابقة. سيكتب في التاريخ الفلسطيني أنه متعاون مع الاحتلال مثل د. اسرائيل كاستنر، من غير الابادة ومن غير الانقاذ. وبين آنذاك كغنم الى الذبح ونحن الآن نطلب من الفلسطينيين أن يمضوا كالغنم الى الاحتلال. كان يجب على الاسرائيليين واليهود في هذا اليوم على الاقل أن يتفهموا ذلك".

مطلوبٌ المضي قدماً بالمصالحة لتتحول إلى مصالحة حقيقية، بحيث لا تتحول الى حسابات تكتيكية ومحاصصات فصائلية بعيدة عن الهدف، يجب أن ترقى لتكون مصلحة وطنية خالصة تحقق آمال الشعب الفلسطيني، وفرصة لمراجعة تاريخية تؤسس لإجماع وطني واحتضان شعبي يؤسس لانطلاقة حالة نضالية تتكامل فيها مسارات وأدوات وأساليب النضال المختلفة، السياسية والشعبية، والمقاومة بشكل ممنهج ومدروس يغير من قواعد الاشتباك مع العدو، ويعرى المشروع الصهيوني برمته ويفضحه ويرفع كلفته ويجبره على تقديم تنازلات حقيقية.