خبر اتفاق الضرورة الفلسطيني ..هاني المصري

الساعة 10:39 ص|29 ابريل 2014

بعد توقيع «اتفاق مكة» وتشكيل حكومة وحدة وطنية، توقّعتُ ألا تستمر هذه الحكومة أكثر من ثلاثة أشهر. وبالفعل، انهارت الحكومة بعد مرور هذه المدة ووقع الانقسام المدمر منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

لم يكن توقّع سقوط حكومة الوحدة نوعًا من التنجيم، بل لأن «اتفاق مكة» حمل عوامل انهياره. فقد تجاهل «منظمة التحرير» ومصر، راعية المصالحة، فضلاً عن الموقف من شروط اللجنة الرباعية. كما أن برنامج الحكومة كان مبهمًا وحمّال أوجه، وحاول إرضاء كل الأطراف من دون أن يتمكن من إرضاء أحد.

إضافة لما سبق، فإن عدم توفر قناعة عميقة لدى «فتح» و«حماس» بأهمية الشراكة، واستحالة انفراد أي منهما بقيادة الشعب الفلسطيني، ومراهنة «فتح» التامة على المفاوضات و«حماس» على صعود الإسلام السياسي، كلها لعبت دورًا في انهيار اتفاق مكة وحكومة الوحدة بسرعة قياسية، خصوصًا في ظل المقاطعة الدولية والإسرائيلية للحكومة، والتي ترافقت أيضًا مع وقف تحويل العائدات الجمركية للسلطة.

أنا في حيرة من أمري بعد توقيع «اتفاق الشاطئ» ومثلي الكثير من الفلسطينيين الذين عملوا من أجل الوحدة وتعاملوا معها كضرورة وطنية، لا كمجرد خيار من الخيارات. وأتساءل: هل سيصمد هذا الاتفاق أم سينهار كسوابقه؟

من جهة، فإن معظم الأسباب التي أدت إلى فشل الاتفاقات الوحدوية السابقة ما زالت قائمة، فالمحتوى السياسي للاتفاق مفقود، بدليل تأكيد أبو مازن أن حكومة الوفاق القادمة حكومته وبرنامجها برنامجه، وهو ما دفع قادة من «حماس» للرد بالقول إنها حكومة كفاءات لا برنامج سياسيًا لها، فيما السياسة من اختصاص «منظمة التحرير».

كما أن «اتفاق الشاطئ» لم يتطرق إلى الأمن ولا إلى توحيد المؤسسات، وركز على تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات بعد ستة أشهر على الأقل، ما يعني واحداً من أمرين: إما أن الانتخابات لن تحدث قريبًا، خصوصًا في ظل إشارة الاتفاق إلى انتخابات متزامنة للسلطة والمنظمة، والأخيرة لا يمكن إجراؤها في الأردن ولبنان وسوريا، في المدى المنظور على الأقل، أو أن انتخابات السلطة ستجري في ظل التزامات «أوسلو» المجحفة التي تقادم عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث، مع ما يعنيه ذلك من إعطاء الشرعية للوضع القائم الذي أكد الرئيس أنه لا يمكن أن يستمر، وما سيؤدي إليه من إذكاء حمى التنافس الانتخابي وتغليب التناقضات الثانوية بين الفصائل على التناقض الرئيسي مع الاحتلال.

كما أن «اتفاق مخيم الشاطئ» تجاوز ما هو وارد في «اتفاق القاهرة» من نص على ضرورة قيام لجنة تفعيل «المنظمة» بدور الإطار القيادي المؤقت المنصوص على صلاحياته. وقد فتح الباب لتفسيرات متباينة جدًا، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى إطار مؤقت يقود الشعب الفلسطيني بما لا يمس شرعية ودور مؤسسات «المنظمة».

يضاف إلى ما سبق أن حوالي ثماني سنوات على الانقسام أدّت إلى تعميقه أفقيًا وعموديًا، وأوجدت ما يمكن تسميته بـ«جماعات مصالح الانقسام» التي ازدادت نفوذًا وثروة، ولم يعد من مصلحتها إنهاؤه، وستعمل كل ما تستطيع لإفشال الاتفاق أو تفريغه من مضمونه وتحويله إلى نوع من أنواع إدارة الانقسام، من خلال وجود حكومة فوقية لا توحّد المؤسسات ولا تعيد بناء وهيكلة وتوحيد أجهزة الأمن.

كما أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تكفا عن ممارسة الضغوط وتنفيذ العقوبات التي تستهدف إبقاء السلطة أسيرة «اتفاق أوسلو» برغم المصالحة، فضلا عن مواصلة العمل لإجبار القيادة على تمديد المفاوضات من دون الشروط التى أعلنها الرئيس.

من جهة أخرى، هناك أسباب وعوامل تدفع باتجاه إنجاح اتفاق المصالحة، منها اختلاف البيئة السياسية العربية والإقليمية والدولية بشكل كبير عمّا كانت عليه عند توقيع «اتفاق مكة» والسنوات التي تلته، لجهة تراجع الدور الأميركي، وتأثير اطراف خارجية على الوضع الفلسطيني، بدليل توقيع «اتفاق الشاطئ» في غزة من دون تدخل من أحد تقريبًا، فضلاً عن بروز دور روسيا وأطراف إقليمية وعربية بعد سقوط نظام حسني مبارك، وانشغال مصر وسوريا والمنطقة برمّتها بما جرى من تغيّرات وثورات ومؤامرات، وإهمالها للقضية الفلسطينية وملف المصالحة.

ومن أهم العوامل التي ساعدت على توقيع الاتفاق ويمكن أن تساعد على إطالة عمره وجود وإلحاح مصالح آنيّة ضاغطة على طرفي الانقسام دفعتهما إلى توقيعه.

لنبدأ بـ«حماس» التي تعاني من أزمة لم يسبق لها مثيل، بعدما خسرت حلفاءها في سوريا وإيران و«حزب الله»، وتحولت دول الخليج باستثناء قطر إلى الخصومة إن لم نقل العداء معها، إضافة إلى تأثير سقوط حكم محمد مرسي في مصر وحلول حكم محله يشن حربًا لا هوادة فيها على «الإخوان المسلمين» وعلى «حماس» بوصفها امتدادًا لهم، وقد أدى ذلك إلى حد منع أفراد وقيادة «حماس» كليًّا من السفر عبر معبر رفح، وإلى هدم غالبية الأنفاق وخسارة ما كانت تدرّه من أموال على حكومة «حماس» وإلى عجزها عن دفع رواتب موظفي حكومتها بانتظام.

إن تشديد الحصار على قطاع غزة من دون التعاطف السابق ولا تقاطر وفود التضامن أو قوافل المساعدات، وفي ظل التهدئة وحصر المقاومة في مجال الدفاع عن النفس والسلطة في غزة، أدّى إلى أزمة اقتصادية ومالية شديدة انعكست تردياً في الأحوال المعيشية وأزمات المياه والكهرباء والوقود وغيرها، الأمر الذي لم يجعل أمام «حماس» سوى طريق المصالحة لوقف الحصار والخروج من أزمتها، خصوصاً أزمة علاقتها مع مصر، الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة.

أما إذا انتقلنا إلى «فتح»، فسنجد أنها تمر بأزمة لا تقل عن أزمة «حماس». وجذر هذه الأزمة ينبع من الفشل الذريع لـ«اتفاق أوسلو» والتزاماته المجحفة، وانسداد أفق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية منفردة. وكل من استمع إلى خطاب الرئيس أبو مازن في افتتاح المجلس المركزي لاحظ المرارة والإحباط جرّاء مسيرة المفاوضات التي حطمها التعنّت الإسرائيلي.

وما فاقم من أزمة «فتح» أن الاحتلال استغلّ استئناف المفاوضات لاستكمال تطبيق المخططات الاستيطانية، التي جعلت من الحل الإسرائيلي الوحيد المطروح والممكن عمليًّا.

يضاف إلى ذلك تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية، وازدياد حدّة صراع الأجنحة في «فتح» على المراكز والمصالح وعلى خلافة الرئيس الذي قارب الثمانين ويمكن أن يسلم الراية، خصوصًا إذا فشلت الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات.

اتفاق المصالحة مفتوح على عدة احتمالات، بما فيها احتمال النجاح والفشل، والنجاح يتوقف على بلورة إستراتيجيات جديدة بديلة من الإستراتيجيات المعتمدة سابقًا، خصوصًا إستراتيجية المفاوضات كطريق وحيد والمقاومة المسلحة كطريق وحيد، وهما اللتان وصلتا إلى طريق مسدود، يؤدي إلى تآكل الأرض والقضية والحقوق والوحدة على مذبح الدفاع عن سلطتين بلا سلطة: الأولى تحت الاحتلال المباشر، والثانية تحت الاحتلال من خلال الحصار والعدوان.