خبر المصالحة لا تغني عن المقاومة ..د. عصام نعمان

الساعة 09:35 ص|28 ابريل 2014

ان تكون ‘اسرائيل’ ضد المصالحة بين الفلسطينيين، فهذا امر بديهي. لكن ان يكون الفلسطينيون ضد المصالحة في ما بينهم، فهذا امر عجيب غريب. مع ذلك فان المنازعة بين الفصائل كانت هي القاعدة لدرجة بدت معها المصالحة الاخيرة استثناء لافتا.

هل تصمد المصالحة الجديدة؟

كاد اسماعيل هنية وعزام الاحمد يقسمان اثناء مؤتمرهما الصحافي بان المصالحة جدّية والتزامها صارم ونهائي. غير ان اصواتا في الوطن والشتات لم تكتم شكوكها. بعضها تساءل: ألم يفشل الفلسطينيون في تطبيق ‘اتفاق القاهرة’ عام 2011 وبعده ‘اعلان الدوحة’، في الوقت الذي تتم المصالحة الاخيرة بالاستناد الى هاتين المرجعيتين؟

بعض الاسرائيليين اظهر شكوكا مماثلة. الباحث ايال زيسر عبّر عن رأي المشككين في صحيفة ‘يسرائيل هيوم’ (24/4/2014) بقـــــوله: ‘ان اتفاقات مشابهة كان توصل اليها الطرفان في الماضي خُرقت اكثر مــــن مرة، واخر حكومة وحدة وطنية شُكّلت عام 2006 انهارت مُحدثة ضجةً كبيرة بعد سيطرة ‘حماس′ على قطاع غزة (…) وفي الواقع، من الصعب الافتراض ان ابو مازن وزعماء ‘حماس′ قادرون فعلا على تخطي مخلفات الماضي، ولاسيما الاختلافات الاساسية في نظرتهم الى العالم والاختلاف في مصالحهم السياسية على المدى البعيد. لذلك نفترض ان حكومة الوحدة الوطنية، في حال شُكّلت، لن يكون عمرها طويلا ‘.

صحيح ان بنيامين نتنياهو بدا متشنجا في ردة فعله على المصالحة بقوله ‘ان على محمود عباس ان يختار بين السلام مع ‘حماس′ والسلام مع ‘اسرائيل’، الا ان المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والامنية قرر في ختام اجتماعٍ برئاسته ‘عدم اسقاط السلطة الفلسطينية والاكتفاء بوقف المفاوضات معها والقيام بخطوات مؤلمة اقتصاديا، الى حين تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، لرؤيـة ما اذا كانـت ستلتزم بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمها الاعتـراف بـ ‘اسرائيل’ والالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها’.

امريكا تحفظّت على المصالحة الجديدة، لكن وزير خارجيتها جون كيري لم يفقد امله ‘حيال احتمالات السلام’، حاثّا الطرفين على ‘القيام بالتسويات الضرورية، بحيث تستمر المفاوضات الى ما بعد 29 نيسان/ابريل الجاري’.

اذا، اتفاق المصالحة ‘ليس خراب الهيكل الثالث’، كما قال احد المعلّقين الاسرائيليين. ‘اسرائيل’ ستنتظر، خلال الاسابيع الخمسة القادمة، تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وسترى ما اذا كانت ‘حماس′ ستشارك فيها، وما اذا كانت ستلتزم الاتفاقات الموقعة مع السلطة، بينما تكون عقوباتها الاقتصادية قيد التنفيذ.

عقوبات ‘اسرائيل’ تتلخص باجراء مقاصة فورية لاقتطاع ديونها من اموال الضرائب ورسوم الجمارك التي تجبــــيها لحساب الســـلطة الفلسطيــــنية. وقد يبدأ هذا الاجراء باقتطاع ديون شركة الكهرباء الاسرائيلية علـــى شركة الكهرباء الفلسطينية، ما يؤدي الى عرقلــــة وصول موارد مالية منتظمة الى خزينة السلطة والى اضطراب في تسديد رواتب الموظفين الفلسطينيين. وثمة اتجاه ايضا الى التضييق على تنقلات القيادات الفلسطينية بين الضفة الغربية وغزة.

يبدو ان القيادة الفلسطينية احتاطت مسبقا للعقوبات الاسرائيلية واتخذت التدابير اللازمة لمواجهتها. كبير المفاوضين صائب عريقات عبّر عن ذلك بقوله ‘ان القيادة تدرس كل الخيارات للرد على ‘اسرائيل’ لان اولوية الشعب الفلسطيني الان هي المصالحة ووحدتنا الوطنية’. الامين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوتي كشف سرا: ‘اجتمعنا قبل إعداد ورقة المصالحة وتوقيعها مع قيادات عربية من المجتمع المدني، لتحصين اتفاق المصالحة من اي تهديدات دولية بفرض حصار على السلطة الفلسطينية وللمطالبة بتوفير مظلة أمان عربية له’. رهان البرغوتي في هذا المجال يتركّز على ان قرار تشكيل حكومة كفاءات من شخصيات مهنية ومستقلة برئاسة محمود عباس ‘لن يترك حجة لاي طرف دولي لمحاصرتنا’.

الحقيقة ان ثمة ‘ضمانات’ اخرى للحؤول دون فرض الحصار على السلطة الفلسطينية يمكن ايجازها بثلاث:

اولاها، ان اتفاق اوسلو المعقود بين منظمة التحرير و’اسرائيل’ ما زال قائما، وتأليف حكومة وحدة وطنية خلال خمسة اسابيع، واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة اشهر انما يتمّان تحت سقف اوسلو. بذلك يكون ابو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد صرفا النظر عن حلّ السلطـة الفلسطينية، وليدة اتفاق اوسلو، ما يعني ان كل ما تقـرر اجراؤه سيتم تحت سقفه. الا يُطمئن هذا التدبير ‘اسرائيل’ وامريكا؟

ثانيتها، ان ‘حماس′ عادت اخيرا الى السلطة الفلسطينية بعد هجرٍ دام نحو سبع سنوات. صحيح انها لن تشترك باعضاء من تنظيمها في حكومة التكنوقراط المرتقبة، لكنها وافقت مسبقا على اقامتها وعلى المشاركة في الانتخابات التشريعية في اطار السلطة، الا تدل هذه المواقف على انها، بعودتها الى كنف السلطة، تكون قد تخلّت عن معارضتها للمفاوضات كوسيلة لازالة الاحتلال وانها جمّدت، في الاقل، مطلبها القديم باعتماد المقاومة سبيلا الى تحرير فلسطين من النهر الى البحر؟ ألا يطمئن ذلك كله ‘اسرائيل’ وامريكا؟

ثالثتها، ان اتفاق المصالحة ينص على الشروع في تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تمهيدا لعودة ‘حماس′ اليها والمشاركة في انشطتها، ألا يعني ذلك عودة ‘حماس′ الى ‘بيت الطاعة’ الدولي كون منظمة التحرير معترفا بها اسرائيليا وامريكيا وامميا؟

ما تقدّم بيانه هو، في الواقع، ‘ضمانات’ لـِ’اسرائيل’ وامريكا اكثر مما هو للشعب الفلسطيني وكفاحه من اجل التحرير والعودة. فما ضمانات الشعب وقوى المقاومة في حال اقدمت ‘اسرائيل’، كعادتها، على رفض المصالحة الجديدة ومنع تنفيذ بنودها بغية تمديد الاحتلال وتوسيع نطاق الاستيطان؟ ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية اذا تظاهرت ‘اسرائيل’ بالموافقة على استئناف المفاوضات وفق بعض الشروط الفلسطينية الجزئية لتعود لاحقا الى المماطلة والمخادعة كما كانت تفعل طيلة السنين العشرين الماضية؟

الوطنيون المتعقلون لا يطالبون القادة الفلسطينيين بالقيام بمهام فـوق طاقتهم، بل يطالبونهم بوضع استراتيجية ثورية وواقعية في ان تكون بديلا من الاستراتيجية المتهافتة الحالية كي يصبح بمقدورهم مواجهة ‘اسرائيل’ في حال تصعيد حربها على الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات كيف ؟

لعل اهم مفاصل الاستراتيجية المرتجاة خمسة:

اولا: تعميق المصالحة الوطنية بتحديد ثوابتها وضوابطها واسس محاسبة الخارجين عليها.

ثانيا: تسريع عملية اعادة بناء منظمة التحرير بما هي قيادة الشعب الفلسطيني وحركة تحرير ترابه الوطني، ومرجعية قراره السياسي المتجسدة في المجلس الوطني، الممثل الشرعي للشعب في الوطن والشتات.

ثالثا: تفعيل المقاومة المدنية والميدانية للشعب الفلسطيني وتوحيد فصائل المقاومة بغية ترفيع فعاليتها التعبوية والقتالية.

رابعا: تفعيل بناء الدولة الفلسطينية وتوسيع الاعتراف بها امميا، بالانضمام الى المعاهدات والمؤسسات الدولية ولاسيما تلك التي تمكّنها من ملاحقة المسؤولين الاسرائيليين لارتكابهم جرائم موصوفة في الاراضي المحتلة كالاستيطان، والاساءة الى الاسرى والجرحى والابادة، والعنصرية.

خامسا: الفصل بين هدف بناء الدولة بالانضمام الى المعاهدات والمؤسسات الدولية وخيار المفاوضات، وبالتالي رفض تجميد عملية بناء الدولة على النحو المبين انفا، كما رفض تجميد المقاومة المدنية والميدانية كشرط لاستئناف المفاوضات.

ان اعتماد هذه الاستراتيجية الثورية والواقعية في آن، ومباشرة تنفيذها بالسرعة الممكنة يشكّلان رافعة حقيقية للانتقال بقضية فلسطين من حال السكون والمراوحة الى حال الفعل والابداع.